كتب ألان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
رغم مرور 34 عاماً على إنتخابه في سن الـ 34 يبقى الرئيس الشهيد بشير الجميّل رمزاً عند المسيحيين ومعظم اللبنانيين على حدٍّ سواء، وحلماً ببناء دولة قوية وعادلة لم تتحقّق حتى وقتنا هذا.لم تمرّ الجمهورية اللبنانيّة، أي جمهورية الـ10452 كلم2 كما طاب لبشير أن يناديها، بظروف أغرب من ظروفنا هذه، جمهورية تعيش من كثرة موت الجمهوريات المحيطة بها، جمهورية تُطبّق شعار “أعطنا خبزنا كفاف يومنا”، تغيب عنها الخطط الإستراتيجية للإستمرار وتكتفي بتمرير كلّ يوم بيومه.
جمهورية تفتقد الى الموازنة منذ سنوات وتفقد توازنها المالي والسياسي والإداري، جمهورية لا تتجرّأ على إقرار قانون إنتخاب يُنصف جميع أبنائها لأنّ عقلية السيطرة ما زالت متحكّمة.
والأهمّ من كلّ هذا، جمهورية مقطوعة الرأس أو بالأحرى يُمنع عنها أن تحيا برأسٍ قويٍّ جبّار يتحدّى ولا يتكسّر، كالصخر صامد من أجل المصلحة اللبنانية التي هي فوق كلّ إعتبار.
23 آب ذكرى إنتخاب بشير، تلك المناسبة التي أعطت أملاً لقسم كبير من اللبنانيين ببناء دولة قوية قادرة ترعى جميع أبنائها. لكن، وبعد 34 عاماً على تلك الذكرى، لن يسارع موظفو الدولة الى إداراتهم فور سماع خبر إنتخاب رئيس مثلما فعلوا عام 1982، لأنّ الإنتخاب يبدو بعيد المنال، ولأنّ عودة الموظفين الى مؤسسات نخرَها الفساد هو الفساد بعينه، والأجدى هَدم تلك المؤسسات وبناؤها مجدّداً.
في 23 آب 1982 كانت رائحة البارود تفوح من الشوارع. أمّا اليوم فبات “كيس الزبالة” سيفاً مُصلتاً على رؤوس اللبنانيين وحلَّ مكان القنابل والقذائف.
فشل اللبنانيون في بناء دولة نتيجة الإحتلال السوري، وبقاء السلاح غير الشرعي، وإنغماس بعضهم في الفساد وسرقة المال العام، وهذا أمرٌ يضاهي كلّ الإحتلالات والتصرّفات الميلشياوية.
ولأنّ التذكير بالماضي ضروري لنتعلّم من نجاحاته وأخطائه، على حدّ قول النائب نديم الجميّل لـ”الجمهورية”، فإنّ مؤسسة “بشير الجميّل” ستطلق يوم الثلثاء 23 آب الجاري وثائقياً عن بشير في احتفالٍ يُقام في دير الآباء اللعازاريين في الأشرفية عند الثامنة والنصف مساءً، حيث سيُعرض الجزء الأوّل من الوثائقي المؤلّف من خمسة أجزاء، وتوازياً ستُعرض الحلقة الأولى منه على شاشة الـ”أم تي في”، فيما تُعرض ثلاثة أجزاء في كلّ يوم ثلثاء بعد نشرة الأخبار، ليكون عرض الحلقة الأخيرة في 14 أيلول المقبل يوم إستشهاد البشير.
منذ ثلاث سنوات، والعملُ جارٍ على تنظيم الارشيف الخاص ببشير الجميّل والمتعلّق بالأفلام والصور والتصريحات والمواقف، وكذلك الأرشيف الخاص به والذي يتناول حقبة مهمّة من تاريخ لبنان المعاصر. وقد تسلّمت جامعة الروح القدس-الكسليك هذا الأرشيف عبر مؤسسة “فينيكس” التابعة للجامعة والتي تُعنى بتنظيم أرشيف عدد من الشخصيات اللبنانية وتاريخ حقبات التاريخ اللبناني.
وعمل على هذا الوثائقي الإعلامي جورج غانم الذي أنتج قبل هذا العمل أعمالاً وثائقية عدة، تؤرّخ حياة شخصيات لبنانية مثل الرؤساء بشارة الخوري، كميل شمعون، فؤاد شهاب، الشيخ بيار الجميّل، والزعيم كمال جنبلاط.
يتضمّن أرشيف بشير الجميّل مئات الساعات من الفيديو، وآلاف الصور بعضها يُنشر للمرة الأولى، وعدداً لا يُستهان به من المواقف صدَر بعضها في المجموعة الصوتية التي أنتجتها مؤسسة “بشير الجميّل” منذ سنوات، كما أصدرت المؤسسة مجموعة من ستّة مجلدات تحت عنوان “موسوعة بشير الجميّل”، نُشرت فيها مواقفه وتصريحاته وخُطبه منذ العام 1977 وحتى عام 1982.
ومن هذا المنطلق، قرّرت المؤسسة إطلاق وثائقي، يكشف الحقائق التي رافقت حقبة مهمة من تاريخ لبنان، وسيرة حياة بشير منذ ولادته مروراً بالأحداث التي شهدها لبنان بين عامي 1975 و1982.
ويؤكّد الجميل في هذا السياق، أنّ “هذا العمل إستغرق جهداً كبيراً وثلاث سنوات من التحضير، ويُعتبر عملاً ضخماً جداً، وهناك أمورٌ غير معروفة عن بشير ستُعرض للمرّة الأولى”، موضحاً “أننا نريد أن نزرع الأمل في نفوس اللبنانيين رغم الظروف الصعبة التي نمرّ بها، ونُضيء على حقبة مهمّة من النضال اللبناني والمقاومة التي قادها بشير ورفاقه، خصوصاً أنّ الأجيال الجديدة لم تعش تلك المرحلة”.
ويلفت الجميّل الى أنّ “ما يميّز هذا العمل عن الأعمال السابقة التي روت حياة بشير، أنّه وثائقيٌّ شامل ويتناول حياته منذ الولادة حتّى إستشهاده”.
بعدما فقد اللبنانيون الأمل بالحاضر، ويخافون من المستقبل، لم يبقَ امامهم سوى مراجعة دفاتر الماضي، لربما يحدثون الثورة والتغيير المرتجى، وإلّا سيبقون يعيشون في مزرعة نخرها الفساد والطائفية والتبعية للخارج… جمهورية فشلت في انتخاب رئيس لها.