كتبت رولا حداد
كان واضحاً أن الأمين العام لـ”حزب الله” قدّم في إطلالته في 13 آب للرئيس سعد الحريري عرضاً رئاسياً، ومضمونه: “رئاسة الجمهورية للعماد ميشال عون ورئاسة الحكومة لك. وبعد إتمام هذين البندين نناقش التفاصيل المتعلقة بشكل الحكومة وتوازناتها وبيانها الوزاري”.
وبحسب أجواء الكواليس التي رافقت هذا العرض، والتي نقلها عدد من الصحف، أن “حزب الله” أبلغ الحريري للمرة الأولى، وعبر رسائل مع الوسطاء وحتى في الجلسة الأخيرة للحوار الثنائي بين الطرفين، أن الفيتو الذي كان يضعه على وصول الحريري مجددا الى السراي سقط، وأن لا مانع لدى الحزب من أن يتولى الحريري رئاسة الحكومة.
بغض النظر عن جواب الرئيس سعد الحريري غير المعلن حتى اليوم، وبغض النظر عن تسريبات قوى 8 آذار بأن عرض الحزب سقط وانتهى بعدما تلقى السيد نصرالله جواباً سلبياً من الحريري، فإن ما يجب التوقف عنده هو العرض بحد ذاته، شكلاً ومضموناً.
ففي الشكل أكد الأمين العام لـ”حزب الله” أنه هو من يقرّر من يكون رئيس الجمهورية في لبنان (منطق ميشال عون أو لا رئيس). وهو من يقرّر أيضا من يكون رئيساً لمجلس النواب (نبيه بري رئيساً لمجلس النواب أيا تكن نتيجة الانتخابات النيابية)، وهو اليوم يقرّر من يكون رئيساً للحكومة، فإذا أبقى الفيتو على الحريري يكون ممنوعاً على الشيخ سعد أن يدخل السراي، وإذا أسقط الفيتو يسمح للحريري بالعودة الى السراي!
باختصار، وفي الشكل، يؤكد السيد نصرالله أنه “المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية”، وإلا فمصيرنا الفراغ الشامل، ولا مؤسسات إلا بمباركة “السيّد”.
أما في المضمون، فكارثة الكوارث. نصرالله يعرض على الحريري أن يصبح رئيس حكومة بشروط إيرانية كاملة، بعد إعلان استسلامه. يمنع نصرالله في عرضه على الحريري أن تكون له كلمة، لا في انتخاب رئيس الجمهورية، ولا في تشكيل الحكومة ولا في بيانها الوزاري.
يعرض نصرالله على الحريري أن يكون رئيس حكومة “حزب الله” في عهد العماد عون، مع ملاحظة مهمة أن هذه الحكومة ستكون قصيرة العمر بسبب موعد الانتخابات النيابية في الربيع المقبل. هكذا بات سعد الحريري بالنسبة الى “حزب الله” ضعيفاً الى درجة أن اقصى ما يقدمه له الحزب هو أشبه بجائزة ترضية اسمها “رئاسة حكومة مؤقتة” في زمن يسيطر فيه “حزب الله” بالكامل!
نأمل في أن يكون الرئيس الحريري رفض عرض السيد نصرالله، ليس لرفض العماد عون أبداً، بل لرفض مبدأ أن يلغي “حزب الله” الدستور اللبناني ويوزع المناصب على من يشاء، وما على اللبنانيين إلا الرضوخ!
ربما آن الأوان على كل من يحمل في عروقه نبضاً سيادياً أن يقدّم لـ”حزب الله” وأمينه العام عرضاً لا غنى عنه بالعودة الى الوطن والدولة والدستور والمؤسسات.
العودة الى الوطن بالإيمان بلبنان وليس بولاية الفقيه ولا أي مشروع آخر أياً يكن. والعودة الى الدولة من خلال تسليم السلاح الى الجيش اللبناني والتسليم بسلطة الدولة اللبنانية بأجهزتها الأمنية الشرعية وحدها من دون أي شريك. والعودة الى الدستور من خلال الاحتكام إليه وحده في انتخابات رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء وفي تسيير مفاصل النظام البرلماني الديمقراطي. أما العودة الى المؤسسات فتكون عبر إلغاء كل أشكال الاحتيال على المؤسسات تحت شعارات براقة مثل “الحوار”.
وحده هذا العرض يمكن أن يخرج لبنان من الدوامة التي يعانيها، وينقذ الجمهورية من براثن الانحلال والتبعية!