كتب محمد شقير في صحيفة “الحياة”
سألت مصادر نيابية ووزارية، عن ماهية المعطيات السياسية التي راهن عليها رئيس “تكتل التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون، وجعلته يتصرف وكأن تربعه على كرسي رئاسة الجمهورية بات محتوماً قبل العاشر من آب، قبل أن يكتشف أن رهانه ليس في محله، وأن من “أوهمه” بأنه سينتخب رئيساً بعد أيام على انعقاد ثلاثية الحوار الوطني الموسع برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لم يمتلك المعلومات الكافية التي دفعته الى التفاؤل بأن الاستحقاق الرئاسي سينجز قريباً وسيكون لمصلحته.
وكشفت المصادر نفسها لـ “الحياة”، أن العماد عون كان واثقاً من انتخابه في الأسابيع الأولى من آب، وهذا ما أفصح به الى عدد من زواره وأصدقائه من خارج “التيار الوطني الحر”، وقالت إن عون سئل في الأسبوع الأخير من تموز الماضي من قبل شخصيات سياسية نافذة ومواكبة لما يدور في كواليس الاستحقاق الرئاسي، عن رأيه في قول الرئيس بري إن الرئيس العتيد سينتخب قبل نهاية العام الحالي، ومن ثم تدعيم هذا الرأي بموقف مماثل لوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، وكان جوابه أن انتخابه سيتم قريباً قبل العاشر من آب.
ولفتت المصادر عينها الى أن زوار عون اعتقدوا بعد سماعهم جوابه في رده على الرئيس بري والوزير المشنوق، أن لديه معطيات ومعلومات ليست متوافرة للذين لا يتوقعون انتخاب الرئيس قبل نهاية العام الحالي.
وقالت المصادر إن العماد عون وفي معرض تدعيمه موقفه بانتخاب الرئيس في هذا التاريخ، لم يتوقف أمام سؤاله عن إمكان التمديد للأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع الوطني اللواء محمد خير، ولاحقاً لقائد الجيش العماد جان قهوجي، بل تحدث وكأنه واثق من عدم التمديد لهما، بذريعة أن انتخابه رئيساً قبل انتهاء فترة التمديد لهما سيفتح الباب حتماً أمام تعيين من سيخلفهما في منصبيهما.
وسألت المصادر أيضاً هل أن العماد عون فوجئ بترحيل انتخاب رئيس جمهورية جديد، وأن من زوده بجرعة من التفاؤل باقتراب انتخابه لا يمتلك من المعطيات التي تدعم تفاؤله، وبالتالي أراد أن يوهمه أن المنطقة مقبلة وبسرعة على متغيرات ستدفع في اتجاه إزالة العقبات التي تعترض إيصاله الى سدة الرئاسة الأولى في بعبدا!
واعتبرت أن قراءة العماد عون هذه المتغيرات الموعود بها لم تكن صائبة، وأن هناك من تولى مهمة التنظير لحصولها في وقت قريب رغبة منه بمراعاة خاطره والإيحاء له بأن موسم قطاف الرئاسة الأولى قد حان بعد طول انتظار.
ورأت أن العماد عون تعاطى مع “سيناريو” هذه المعطيات والمتغيرات وكأنها حاصلة لا محالة. وقالت إنه أدرجها في سلة واحدة وتعامل معها وكأنها مؤشر لحصول تحولات على امتداد خريطة الأزمات في المنطقة، بدءاً بسورية واليمن ومروراً بموقف لزعيم تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري.
ومن أبرز هذه المعطيات التي وضع العماد نفسه فيها أو من تولى إيهامه بأنها ستحصل في أقرب وقت:
– أن الحرب في اليمن ستنتهي قريباً، وأن المفاوضات الجارية في الكويت وبرعاية الأمم المتحدة بين أطراف النزاع ستتوج قريباً باتفاق على إنهاء الحرب فيها وبتأييد من المملكة العربية السعودية وإيران والمجتمع الدولي.
– أن التحول الذي حصل أخيراً في الحرب الدائرة في سورية مع تقدم النظام مدعوماً من روسيا وإيران والقوى المتحالفة مع الأخيرة، والذي أدى إلى فرض حصار شديد على حلب وفتح الباب أمام حصول اختراقات عسكرية واسعة ليست لمصلحة قوى المعارضة في سورية، وأن الوضع على الأرض سيتغير بسرعة، وسينعكس في لبنان لمصلحة ترجيح كفة العماد عون على منافسه زعيم تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية، قبل أن تتمكن المعارضة من فك الحصار على حلب وتعود الخريطة العسكرية لتوزع القوى الى المربع الأول.
– أن الرئيس سعد الحريري بات محشوراً في الزاوية، وهو على استعداد الآن للدخول في تسوية تمكنه من العودة الى رئاسة الحكومة في لبنان بأي ثمن، وأن السعودية قد تغض النظر ولا تمانع في انتخاب عون، مع أن أكثر من مسؤول فيها كان صرح بأن الاستحقاق الرئاسي شأن لبناني وأن الرياض تدعم كل ما يتوافق عليه اللبنانيون.
– أن ما يهم المجتمع الدولي في الوقت الحاضر، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، هو تدعيم الاستقرار الأمني في لبنان وتحصينه بتسوية سياسية، لأن الوضع لم يعد يطاق، ولأن منسوب المخاوف يرتفع تدريجياً، خصوصاً بالنسبة الى انهيار الوضع الاقتصادي.
أخطأ العماد عون في تقديره مجريات الأزمات في المنطقة، واعتقد -كما تقول المصادر المذكورة- بأن كل هذه التحولات على رغم أنها بقيت حبراً على ورق ولا تصرف في مكان، ستكون لمصلحته وستأتي على قياسه وتصب في ترجيح كفته في معركة رئاسة الجمهورية.
واعتبرت المصادر أن العماد عون اكتشف أخيراً أن ما قيل له من إمكان حصول متغيرات ليس في محله. وقالت إن الموقف الأخير للأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي جدد فيه القول إن انتخاب عون هو الممر الإجباري للبحث في رئاسة الحكومة، جاء بمثابة تسليفه “جائزة ترضية” يريد من خلالها أن يبقي على آمال “الجنرال” معلقة على لائحة الانتظار.
ورأت أن لموقف السيد نصرالله هدفين: الأول يكمن في أن الحزب، ولاعتبارات إقليمية، ليس في وارد الإفراج عن ملف رئاسة الجمهورية، وهو يدرك أن تمسكه بعون يقفل الباب في وجه الوصول إلى تسوية سياسية. والثاني أن “التيار الوطني” بدأ يقلق على مستقبل مؤسسه، وذهب أكثر من مسؤول فيه إلى السؤال عن مدى جدية حليفه في دعم ترشحه طالما أنه ليس في وارد الالتفات إلى حلفائه وإقناعهم بتأييده، بدلاً من أن يتقدم الحزب بعرض من الحريري وإن بطريقة غير مباشرة، يتعلق بإسناد رئاسة الحكومة إليه، مع أن ردود الفعل على عرضه لم تكن مشجعة، لأن نصرالله ليس في الموقع الذي يخوله فرض شروط على رئيس الحكومة العتيد.
وبكلام آخر، لم يأخذ أكثر من مسؤول في “التيار الوطني” بهذا العرض، وهذا ما يتداوله هؤلاء في السر، ويسألون لماذا يتعب نصرالله نفسه في إقناع الحريري بتأييد عون بدلاً من أن يتفرغ لتسويقه لدى أهل بيته، أي حلفائه الذين هم على تحالف استراتيجي معه؟
لذلك، لم تمض أيام قليلة حتى أسدل الستار على العرض “المغري” الذي قدمه السيد نصرالله للحريري، لما يتضمنه من أفكار مفخخة، إضافة الى أنه ليس في الموقع الذي يسمح له بأن يمون على “المستقبل” للموافقة على عرض مبهم خال من الضمانات. كما لم ينجح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في إقناع الحريري بأن يعود إلى خيار عون، وأيضاً رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط، الذي أحال جعجع على الرئيس بري.
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة، وفق المصادر هذه، إلى أن عرض نصرالله على الحريري هو كناية عن شيك سياسي يفتقر إلى المؤونة التي تتيح للمستفيد منه صرفه، إضافة الى أنه تجاوز للأصول الدستورية.
ويبقى السؤال عن رد فعل عون على التمديد للواء خير ولاحقاً للعماد قهوجي على رأس المؤسسة العسكرية، فهل يبادر إلى قلب الطاولة، أم انه يكتفي بتسجيل موقف يبقى تحت سقف الاعتكاف ومقاطعة وزرائه جلسات مجلس الوزراء، خصوصاً أن تضامن “حزب الله” مع وزرائه في التصويت لثلاثة مرشحين ليخلف أحدهم اللواء خير في منصبه لا ينسحب على تأييده للتمديد، وإلا لماذا يحجم الحزب عن اتخاذ موقف يُشتمّ منه أنه ضد هذه الخطوة التي أقدم عليها نائب رئيس الحـكومة وزير الدفاع الوطني سمير مقبل؟
كما أن من أيدوا وزراء “تكتل التغيير” في موقفهم لا يعني أبداً أنهم ضد التمديد، وأن هذا الأمر سيتبين لاحقاً إذا ما أقدم عون على خطوة تتجاوز تسجيل موقف الى الاستقالة من الحكومة، لا سيما أنه يدرك أن حليفه سيحاول الضغط ليضبط إيقاع رد فعله، باعتبار أن الإطاحة بحكومة الرئيس تمام سلام ليست واردة في المدى المنظور، وأن من يقدم على خطوة ناقصة من شأنها أن تطيح بها لا يملك القدرة على أن يتحمل تبعات خطوته، إضافة الى أن غالبية القوى المشاركة فيها لا ترى بديلاً من استمرارها رغم عجزها عن العطاء والإنتاج.