توقفت مراجع ديبلوماسية باهتمام بالغ امام ردة الفعل الإيرانية السياسية والدبلوماسية الرافضة لاستخدام الطائرات الروسية لقاعدة همدان، إحدى القواعد الجوية العسكرية داخل الأراضي الإيرانية، بعدما تبين ان الإعلان الروسي عن هذه العملية الأسبوع الماضي من طرف واحد أحرج قيادة الحرس الثوري التي كانت ترغب في إخفاء هذه الحقيقة عن المسؤولين السياسيين ومجلس النواب في البلاد لعدم وضعها في مواجهة سياسية داخلية مباشرة كانت حتى الامس القريب في غنى عنها.
وقالت المراجع لـ”المركزية” ان ما اثار الإستغراب اعتبار عدد من المسؤولين الإيرانيين ان ما حصل بالنسبة الى استخدام سلاح الجو الروسي للقواعد الايرانية شكل خرقا للدستور الذي يمنع استخدام اي من الدول الصديقة او غيرها للمنشآت الوطنية في البلاد ولا سيما العسكرية منها ايا كانت الظروف التي يمكن ان تقود اليها، إلا في حالات الإحتلال للأراضي الإيرانية. واعتبرت ان الإعلان الروسي من طرف واحد عن هذه الخطوة وما واكبه من افلام دعائية حاكت القدرات الروسية الكبيرة، لم يكن خطوة بريئة لمجرد انها استفزت القيادة العسكرية الإيرانية، عدا عن الرفض الذي عبرت عنه الولايات المتحدة الأميركية ودول الحلف الدولي التي تخوض حربا على “داعش”.
وبحسب المراجع المشار اليها، فإن التفاهم الإيراني – الروسي على الخطة لحظ الحفاظ على سريتها من الجانبين لما لها من محاذير كبيرة ليس على المستوى الداخلي فحسب بل في ما يتصل بما آلت اليه العمليات العسكرية في سوريا. وعليه، بررت القيادة الروسية عملياتها بالحاجة الى اختصار المسافة والوقت والكلفة في العمليات العسكرية الجوية ضد المعارضة السورية في اكثر من جبهة والتي يقوم بها سلاح الجو بين القواعد الروسية في الأراضي الروسية والأراضي السورية الى الثلث. كما بالنسبة للحاجة الى إستخدام القاذفات الروسية الثقيلة والبعيدة المدى في ضرب مخازن الاسلحة والمواقع الاستراتيجية المحصنة لـ”داعش” والتنظيمات الاخرى المستهدفة التي لا يمكن ان تستقبلها القاعدتان الروسيتان الجويتان اللتان استحدثتا في منطقة الشعيرات قرب مدينة حمص وحميميم قرب اللاذقية على الساحل السوري بما فيها من قدرات استيعابية لحاجات الطائرات الروسية الضخمة.
وقالت المراجع لـ”المركزية” ان القيادة الروسية كانت على علم مسبق بضرورة القيام بهذه العمليات بسرية مطلقة، وتدرك سلفا المحاذير الإيرانية التي تدفع للحفاظ على هذه الآلية التي اقرت بالتعاون والتنسيق بين وزارتي الدفاع الروسية من جهة ونظيرتها الإيرانية والحرس الثوري من جهة أخرى، ولذلك، توجست القيادة الإيرانية من النيات الروسية بمجرد الكشف عن ذلك في حرب دعائية لا سابق لها قادت الى تفسيرين قد لا يكون لهما ثالث:
– الأول محاولة الروس اعطاء الإنطباع بان المبادرة العسكرية ما زالت وستبقى في عهدتها ولن يحاسبها أحد على ما تقوم به في الأجواء السورية لا من جانب حلفائها ولا واشنطن والحلف الدولي. ولإبراز جدية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حربه على الإرهاب وفق اللوائح التي وضعتها موسكو للمنظمات الإرهابية في مرحلة لم تتوصل فيها بعد الى تفاهم من هذا النوع مع القيادة الأميركية التي سجلت رفضها للخطوة ليس بالنسبة الى شكلها، بل ان تطال الغارات الروسية حلفاءها في سوريا ولاسيما القوات الكردية وجيش سوريا الديمقراطية وتلك التي رعتها القيادة الأميركية ودول الحلف الدولي تسليحا وتدريبا.
– الثاني انكشاف هزالة القدرات العسكرية لايران وحلفائها من الجيش السوري النظامي وحزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى التي لم تسجل اي انتصار في اي جبهة منذ ايلول العام الماضي لولا الغطاء الجوي الروسي. ولعل ما يؤكد ذلك، وفق المراجع، العودة في سرد العمليات العسكرية التي واكبت استعادة النظام ما خسره من مواقع في السلسلة الغربية للمنطقة الساحلية وتدمر وصولا الى النبّل والزهراء في ريف حلب والحصار الذي اطبقته على الأحياء الشرقية لحلب التي تسيطر عليها المعارضة السورية. وأظهرت التجربة الأخيرة من خلال استعادة المعارضة السورية المبادرة بفك الطوق على حلب والسعي الى توسيع سيطرتها على مناطق اخرى كما حصل في الراموسة والثكنات العسكرية القريبة منها ما يعطي دليلا إضافيا الى عجز النظام وحلفائه عن الإحتفاط باي من مواقعه متى قررت المعارضة وبما باتت تمتلكه من سلاح كاسر توسيع سيطرتها في حلب واريافها.
وعليه، تنتهي المراجع الدبلوماسية الى القول ان وقف استخدام الروس للقواعد الإيرانية لن يغير في سير المعارك شيئا. فبداية استخدام صواريخها البالستية من سفن اسطولها من البحر الأبيض المتوسط سيعوض الحاجة اليها، لكن الاخطر ظهر في ما تسببت به ازمة القواعد الإيرانية من خلاف ظهر الى العلن بين الروس وحلفائهم في الشكل الذي اتخذه من تشكيك بنيات الروس وزاد من خطورته وسلبياته استدراج الأميركيين والحلف الدولي الى مواجهة غير محسوبة مع الروس والجيش السوري النظامي في معركة الحسكة ومحيطها حيث تتواجد القوات الكردية وقوات سوريا الديمقراطية التي حظيت بغطاء جوي اميركي رسم خطوطا حمرا امام الطائرات السورية والروسية وسهّل سيطرتها على مناطق استراتيجية في الحسكة كانت في عهدة قوات الدفاع الشعبي السورية التي جندتها ايران وحزب الله في المنطقة.
وتعول المراجع على اي جديد يمكن ان ينتجه اللقاء المرتقب بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة الأميركية سيرغي لافروف وجون كيري لعله يرسم الخطوط الجديدة لسيطرة الطرفين، بعد ان وضعت القوات الكردية يدها على معظم مناطق الحسكة وباتت على تماس مباشر مع القوات السورية النظامية بعد القضاء على مواقع قوات الدفاع الشعبي فيها.