كتبت سابين الحاج في صحيفة “الجمهورية”:
مرّ اليوم العالمي للصورة في 19 آب على عالم اجتاحته الصور فصارت أساسه. نحن لسنا فقط في عصر الصورة، بل في عالم يعيش من أجلها.
يتغذّى الـ”فايسبوك” و”انستاغرام” وسائر مواقع التواصل الاجتماعي من صور الناس والأحداث. فأساس وجود هذه المواقع التي تضمّ ملايين الرواد هو الصورة، وتنتشر فيها خصوصاً صور الفتيات الهادفات إلى عرض أنفسهن، خروجهن إلى أماكن معيّنة، وآخر إطلالاتهنّ المشحونة بالأزياء الرائجة والأكسسوارات اللافتة لكل مَن تسعى إلى تكريس نفسها فاشيونيستا.
التجميل للصورة
التقاط الصور وعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي موضة العصر ومرضه. تقوم الفتيات بوضع الماكياج على وجوههن ليظهرن جميلات في الصورة. وقد ذهبت التقنيات إلى أبعد من ذلك فتمّ ابتكار ماكياج خاص (3d يزيد من جمالهن المصوّر، ويطبّقه على وجوههن أكثر الاختصاصيين حرفية في هذا المجال. فاديا فتاة جميلة جداً، هي طويلة القامة وتتمتّع بعينين كبيرتين، وشفاه ممتلئة، ولكنها تتحضّر لدخول غرفة العمليات!
تريد إجراء عملية تجميل لأنفها. هو في الواقع جميل ومتناسق مع تكاوين وجهها، “إلّا أنه يبدو كبيراً بعض الشيء في الصور”، بحسب تعبيرها. وتتفنّن النساء لزيادة جاذبيتهن… فتتّخذن “البوزات” لإبراز دلعهن في الصورة.
يعشن للصورة
يشترين أجمل الثياب للصورة، ويهدفن إلى تكريس أنفسهن “فاشيونيستا” من خلال الصورة، وكم من امرأة حققت شهرة واسعة بعد نشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً “انستاغرام”. فلا يُخفى على أحد كيف تمكنت خبيرة التجميل وعارضة الأزياء الكويتية الفاتنة فوز الفهد مثلاً، من حصد انتشار واسع واكتساب شهرة على امتداد العالم العربي بعرض صورها الجميلة على “انستاغرام”.
صور الفاتنات وحلم الشهرة وكسب إعجاب الآخرين، شجّع عدداً هائلاً من النساء على استثمار مواقع التواصل والعمل على تحسين صورهن.
فالذاهبة إلى عرس لا ترتدي ما هو جميل فقط، لتبرز بشكل مرتب أمام المدعوّين والحاضرين بل ليراها مَن لم يحضر من خلال الصورة! وهي إذا ذهبت لتشتري ثياباً تحدّد مدى نجاح شكلها بها وكم تليق بجسدها من خلال الصورة. فلم تعد تكتفي بالنظر إلى نفسها مباشرة أو بالمرآة بل تحرص على التقاط “سيلفي” لترى كيف ستطل على العالم الافتراضي.
وانتشار الـ”سيلفي” الرائجة سهّل على كلّ فتاة تصوير نفسها في أيّ وضعية ومن دون منّة من أحد ونشرها، علمًا أنّ أول صورة “سيلفي” التقطت في العالم منذ تسعين عاماً، ولكنّ أحداً لم يعيرها اهتماماً حينها.
الفوتوشوب
بات التجميل من عمليات واستعمال المساحيق المختلفة أساساً للفوز بصورة جميلة، والعكس صحيح أيضاً. فأصبح بالإمكان التقاط صورة في أيّ وقت ومن دون استخدام أيّ مستحضر أو الخضوع لأيّ عملية، وفي المقابل الاستعانة بتقنيات “الفوتوشوب”، وبتطبيقات الهواتف للتلاعب بملامح الوجه وتعديل شكل المتصوِّرة الحقيقي إلى درجة تفوق الخيال. لم يعد خروجكِ من دون ماكياج مشكلة لو قرّرتِ التقاط صورة لكِ وتحميلها على مواقع التواصل.
لا يتطلب “الفوتوشوب” مهارات عالية ولا متخصّصين للقيام به، بل تقدر أيّ فتاة على تحويل وجهها المتعب إلى آخر مشرق، يتمتع ببشرة نضرة في خلال ثوانٍ. فبعض من التطبيقات المتوفرة مجاناً في متجرَي “آبل” أو “أندرويد” على الهاتف كفيلة بالتغيير الجذري ونحت الملامح.
تحميل هذه التطبيقات يسمح بإضافة الماكياج والعمل بدقة وسهولة على تفاصيل الوجه، من خلال زيادة خط كحل فوق العينين مثلاً أو ظلال باللون الذي تختاره الفتاة أو حمرة للخدين بدرجات متفاوتة، أو حتّى رموش كثيفة.
كما يمكنها رسم حاجبيها ليصبحا كحواجب النجمات الخاضعات لتقنيات الـ Microbladingوالـ Micropigmentationعلى يد أشهر وأمهر الإختصاصيين. ولا تتوفّر التطبيقات الهادفة إلى تغيير الوجه من خلال الماكياج وحسب، بل هناك أخرى تعدّل شكل الأنف وتعمل على تكبير الشفاه وحتّى على نحت الخصر…
كلّ هذه التقنيات وُضعت في خدمة الصورة وسُخِّرت لتستخدمها النساء الهادفات إلى الظهور الأفضل. فأنتِ قادرة على تغيير وجهكِ المصوَّر في بضع دقائق والحصول على “أنا” مثالية تحلمين بها، سواء التقطت صورتكِ في سهرة أو في عرس أو حتّى في المطبخ.
الطغيان
الصورة الجامدة ارتدت أهمية قصوى منذ اختراعها، إذ سمحت بتجميد اللحظة والاحتفاظ بها لسنوات، إلّا أنّ أهميتها بلغت حدودها القصوى عندما صارت هذه الجامدة عالمية.
فلم تعد تظهر على كرتونة يمكن عرضها على حائط الغرفة وحسب، إنّما تحوّل نشرها إلى حائط الـ”فايسبوك” الافتراضي الذي يضمّ جميع الأهل والأصدقاء والزملاء والمعارف، ويشمل نطاقه الجغرافي العالم بأسره. الصورة التي تلتقط داخل أيّ غرفة في لبنان، يمكن أن تصل إلى أميركا بعد دقيقة واحدة.
كثافة وسرعة انتشار الصورة في عصرنا، تبرّران للنساء وللناس عمومًا خوفهم على صورتهم، إلّا أنّنا لا يمكن أن نغفل كم صرنا عبيدًا للصورة، ونعيش من أجلها. هي سيطرت على عقولنا واجتاحت حياتنا ومجتمعنا لدرجة أنّنا بتنا نعيش بهدف تطوير رسمنا الجامد والذي يمكن تحميله في أيّ وقت على مواقع التواصل الإجتماعي!