كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:
يؤكّد قطب سياسي أنّ البلاد دخلت في مرحلة جمود يُتوقّع أن تستمرّ حتى نهاية السنة على الأقلّ، لأنّ أفق الأزمة الذي تراءى لكثيرين في الأسابيع القليلة المنصرمة أنّه قد فُتح، تبيّن أنه ما يزال مسدوداً على المستويَين الداخلي والخارجي حتى إشعار آخر.يقول هذا القطب إنّ بعض المواقف الإيجابية التي صدرت أخيراً من هنا وهناك، حاولت إحداثَ خرقٍ في الجدار المسدود بغية بلوَرة مناخات تَرفد الحوار بين قادة الكتل النيابية في جلسته المقبلة في 5 أيلول ليُحقِق نتائج ملموسة، ولكنّ بعض القوى السياسية لم يتلقّف هذه المواقف، ما أبقى الوضع في دوّامة الانتظار المتمادية منذ حصول الشغور الرئاسي في 24 أيار 2014 وحتى الآن.
هذه المواقف رشَحت بدايةً قبَيل أن يبادر الرئيس سعد الحريري عبر بعض معاونيه إلى إبلاغ رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون استعدادَه لتبنّي ترشيحه لرئاسة الجمهورية والتخلّي عن مبادرته لترشيح زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، وقيل في هذا السياق إنّ الحريري أبلغَ هذا الموقف إلى عون قبَيل زيارته الأخيرة لرئيس مجلس النواب نبيه بري ليبلغَه أنّه في صَدد تأييد ترشيح عون مباشرةً أو بصيغة السؤال: ماذا لو تبنّينا ترشيحَ الجنرال…؟». ولكن تبيّن في الآونة الأخيرة أنّ الحريري، ولأسبابٍ عدة داخلية وخارجية معروفة، قد عدلَ عن توجّهه هذا، ما أعاد الاستحقاق الرئاسي إلى مربّع التعقيد.
ويقول هذا القطب إنّ الحريري إذا كان قد قرّر تبنّى ترشيح عون من دون موافقة حلفائه الإقليميين، فذلك يعني أنّه أخطأ التقدير، إذ كان عليه أن يؤمّن هذه الموافقة مسبقاً لضمان نجاح توجّهِه هذا. أمّا إذا كان قد فاتحَ حلفاءَه الإقليميين بهذا الأمر وتلقّى ردّاً سلبياً، فذلك يعني أنّ رهانات البعض على أنّ تغييراً قد حصَل في موقف هؤلاء الحلفاء السلبي أساساً من ترشيح عون إنّما كانت في غير محلّها، بدليل أنّ هذا الموقف لم يتغيّر ولم يتبدّل حتى الآن.
ويعتقد القطب نفسُه أنّه كان على الحريري أن يتلقّف الموقف ـ المبادرة الذي أطلقَه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله بتأكيده «التعاطي بمرونة» مع موضوع رئاسة الحكومة الجديدة، خصوصاً في حال انتخاب عون رئيساً للجمهورية، لأنّ مثلَ هذا الانتخاب وفي الظروف التي يمكن أن يتمّ بها يشكّل المعبر للحريري للعودة إلى الموقع الثالث في هرم السلطة.
ذلك أنّ تيار «المستقبل» إذا تبنّى ترشيحَ عون فإنّ ذلك من شأنه أن يؤمّن شِبه إجماع على انتخابه، وحتى الذين يعترضون الآن عليه يمكن أن يؤيّدوه لاحقاً بعد أن يحصلوا على مكاسب في الملفّات المطروحة من تركيبة الحكومة وحقائبها الوزارية، وصولاً إلى ملف النفط وسواه من الملفات الحيوية والاستراتيجية.
ويشير القطب إلى أنّ ما طرَحه السيّد نصرالله هو موقف سياسي وليس تجاوُزاً للدستور، كما ذهبَ البعض إلى اعتباره، لأنّ هذا الموقف إذا أُخِذَ به لا يمكن ترجمتُه إلّا من خلال المواد والآليات الدستورية المرعيّة الإجراء، فانتخاب رئيس الجمهورية سيتمّ في مجلس النواب، وتسمية رئيس الحكومة ستتمّ في ضوء الاستشارات النيابية الملزِمة بنتائجها التي يُجريها رئيس الجمهورية، وتشكيل الحكومة لا يمكن أن يتمّ إلّا وفقَ الآليات الدستورية بدءاً من الاستشارات إلى إصدار المراسيم وانتهاءً بمثولها أمام المجلس النيابي لنيلِ ثقته.
ويرى القطب أنّ توقّعَ رئيس مجلس النواب إمكانية انتخاب رئيس جمهورية قبل نهاية السنة مفيدٌ في سياق السعي لحلّ الأزمة، وهو أمر قد يتحقّق إذا توافرت المعطيات اللازمة له، علماً أنّه لا يجوز افتقاد الأمل في الحلول وإبقاء البلاد في دوّامة الإحباط، فعدمُ انتخاب رئيس في خلال ما تبَقّى من السنة الجارية سيَعني أنّ الأزمة ستمتد إلى السنة المقبلة من دون أن يُعرَف مآلها في ظلّ التطورات الإقليمية والدولية المتلاحقة والتي هي الأخرى تجعل الأوضاع في لبنان والمنطقة مفتوحة على شتّى الاحتمالات.
وفي رأي هذا القطب أنّ ما يساهم في تعقيد الأزمة واستمرارها، هو حالُ الضياع التي يعيشها بعض الأفرقاء السياسيين بسبب ضبابية المشهد الإقليمي لديهم، والتبدّل المستمر في مواقفهم، إذ ما إن يتّخذوا موقفاً أو مبادرةً حتى يتجاوزوها إلى مواقف أخرى، الأمرُ الذي يُبقي الأوضاع السياسية في حالٍ مِن عدم الاستقرار، ويَمنع وصولَ أيّ حوار إلى نتائج عملية.
وفي ضوء هذا الضياع يَستبعد بعض المتحاورين أن تُنتج جلسة الحوار في الخامس من أيلول أيَّ خطوات عملية، ولكن قبل الخروج بهذا الاستبعاد يدعو البعض إلى انتظار مواقف بري في ذكرى تغييب الإمام الصدر ورفقَيه في 31 آب الجاري، إذ قد تحمل معطياتٍ ما تدفع الحوار إلى الأمام.
ويلاحظ زوّار رئيس المجلس النيابي في هذه الأيام أنّه يتحاشى الكلام عمّا سيُعلنه في تلك الذكرى التي سيُحييها هذه السنة تحت شعار «وحدة شعب وصمود وطن».