كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
اكثر من اي مرة سابقة، يذهب لبنان الى اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك، في النصف الثاني من الشهر المقبل، بحماسة الحد الادنى حيال احتمال انعقاد مجموعة الدعم الدولية للبنان.
مذ ابصرت النور في نيويورك في ايلول 2013، لم يسعها استجابة ما كان يلح عليه لبنان في جدول اعمالها المثلث البنود: تسليح الجيش، دعم الاقتصاد، مواجهة النزوح السوري.
هذه المرة، بعد الخيبة التي فاجأته في اجتماع نيويورك 2015، وجد لبنان ــــ وقد تعثر مذ ذاك التئام مجموعة الدعم في اجتماع آخر بعد سلسلة اجتماعات توزعت بين نيويورك وفرنسا وايطاليا والمانيا ــــ ان من الملائم التفكير في عقد اجتماع جديد سيُحكم عليه بالفشل والاخفاق. وهو ما عكسته مداولات محيطين برئيس الحكومة تمام سلام، اذ عبّروا عن عدم حماستهم للحض على اجتماع جديد على هامش اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة، وكان خرج السنة الماضية منه صفر اليدين.
ورغم الاهتمام الذي يوليه المحيطون برئيس الحكومة بتنظيم لقاءات جانبية، على هامش القائه كلمة لبنان هناك، مع مسؤولي دول ومنظمات ورؤساء وفود تشارك في الدورة السنوية العادية، الا ان سلام يسعى الى ربط ما قاله في القمة العربية الماضية في نواكشوط في موريتانيا الشهر المنصرم بما ينتظر مداولات نيويورك، وخصوصاً تأكيد فحوى الموقف الرسمي اللبناني: الخوض في سبل اعادة النازحين السوريين الى بلادهم عوض البحث في تقديم مساعدات للبنان يصل منها النزر القليل، وفي الغالب ليست سوى حبر على ورق. نادى في القمة العربية بـ»مخيمات عازلة» وراء الحدود السورية دونما الكلام المباشر عن مناطق آمنة.
ورغم معرفته بصعوبة تنفيذ اقتراح كهذا عندما يقترن تعريفه بـ»المنطقة الآمنة» ــــ وهو ما لم يقله ــــ التي دونها عراقيل وعقبات ومفتوحة على تأويلات شتى مذ اثيرت للمرة الاولى اواخر عام 2011 في شمال سوريا ثم في جنوبها، يسعى سلام في الكلمات التي يتحضر لالقائها في نيويورك الى اطلاق مقاربة قابلة للتطبيق، وينظر اليها على انها بناءة في مناقشة النزوح السوري الذي اجتاز سنته الخامسة. يريد الاصرار على المنظمة الدولية، كما على الدول الكبرى النافذة، الانتقال جدياً من التشكي من تداعيات النزوح على البلدان المجاورة لسوريا كما على اوروبا التي تتكبد بدورها اوزاره الامنية ولا تقل تأثيراً عن تلك الاجتماعية والاقتصادية، الى وضع «خطة رجوع» للنازحين الى سوريا.
وتبعاً للاتصالات التي يجريها المسؤولون اللبنانيون والمراسلات المتبادلة مع المنظمة الدولية والدول والمنظمات الاعضاء في مجموعة الدعم الدولية، افصح لبنان عن تردده في اجتماع جديد لها في ضوء انشغالاتها بهموم لا تضع لبنان في حسبانها. اضف الخشية التي يتحسب لبنان ــــ ولعلها احدى الذرائع التي يتخوف منها ــــ من احتمال انعقاد اجتماع لا يحضره ممثلو الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن على غرار ما خبره السنة الماضية، بتغيب بعضهم وتدني تمثيل البعض الآخر، فإذا الاجتماع يُفَضّ بعد اقل من 20 دقيقة من كلمات قصيرة مقتضبة لم تسمن ما توخاه منها الوفد اللبناني. اذ لم يؤد تأليف لجنة مصغرة فرعية ذات مهمة تقنية، بناء على طلب لبنان وبرئاسته، لمتابعة استقبال المساعدات الى اي نتيجة، في وقت باتت الدول المعنية بمجموعة الدعم تلم الماماً مسهباً بوطأة النزوح السوري على هذا البلد، إذ يحمّله سنوياً قرابة خمسة مليارات دولار أميركي من الخسائر التي تستنزف بناه التحتية الوطنية، من دون ان تستدرك المساعدات الدولية هذا العبء.
وبحسب المعلومات المتوافرة للمسؤولين اللبنانيين، فإن دول الجوار كالاردن وتركيا تدرس جدياً البحث في سبل ممارسة ضغوط على المجتمع الدولي لفرض «خطة الرجوع»، تتناول آليات وضع حد للنزوح الى داخل بلدان الجوار والإنتقال من ثم الى تحديد آليات العودة بهم الى الداخل السوري، سواء من خلال تحديد مناطق تتوافر عناصر الامان للنازحين، او المقومات الضرورية والاساسية لاستمرارهم فيها من دون ان يكونوا عرضة لتهديد او انتقام او اعتداء. يعزز وجهة النظر اللبنانية ما يسمعه المسؤولون من نظرائهم الدوليين اذ ينفون اي سعي الى دفع لبنان الى توطين النازحين السوريين في مجتمعه، رغم مصادر قلق مقابلة يسمعونها منهم عندما يلحون على ضرورة ايجاد وسائل تساعد لبنان على استيعاب موجة النزوح، ووضعها ايضاً تحت مراقبته عبر اقتراح منح هؤلاء بطاقات اقامة في الاراضي اللبنانية، الامر الذي منه يتوجس سلام.
بيد ان رئيس الحكومة يحمل الى نيويورك ملفاً آخر ثقيل الوطأة، هو استمرار شغور رئاسة الجمهورية. لم يتغير الكثير في هذا الاستحقاق منذ القائه في ايلول 2015 كلمة لبنان وحضه المجتمع الدولي على مدّ يد المساعدة له لانهائه، وفي ذلك اشارة صحيحة الى شق ليس قليل الاهمية في دوام هذا الشغور، هو التدخلات الاقليمية وربط المأزق الدستوري اللبناني باستحقاقات المنطقة. ورغم ترحيب لبنان بمبادرات دولية لم تفضِ الى اي ثمار، يتجه سلام الى توجيه رسالة مباشرة الى المجتمع الدولي بتأكيده له مجدداً انه لا يبذل الجهود المتوخاة لنجدة لبنان في اعادة بناء مؤسساته الدستورية فيما هو في المقلب الآخر من الحدود الشرقية يواجه الارهاب.