كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:
..أما وان رئيس الحكومة تمام سلام مصر على انعقاد مجلس الوزراء ـ برغم غياب وزيري «التيار الحر» ووزير «الطاشناق» ـ مدعوما من الرئيس نبيه بري والعديد من القوى السياسية على قاعدة توافر شرط الميثاقية الطوائفية في الحكومة.
..وأما أن العماد ميشال عون مصر على مقاطعة مجلس الوزراء احتجاجا على تجاوزه المستمر للقانون ولإرادة المكوّن المسيحي الأكثر تمثيلا.. فقد أفضت الاتصالات، أمس، إلى مخرج على الطريقة اللبنانية التقليدية: تنعقد الجلسة الحكومية اليوم كما كان مقررا، ولكن من دون أن تتخذ قرارات أساسية!
هو نصف حل، أو نصف أزمة، في محاولة لتمرير اجتماع الحكومة عند حافة الهاوية، بأقل الخسائر الممكنة، من دون أن يبدو أي من الطرفين المتواجهين قد انكسر، مع الدعاء بان يأتي الفرج أو يهبط الوحي، قبل موعد الجلسة اللاحقة.
ولكن، حتى هذا المخرج اللبناني بامتياز، بقي حمّالا لأوجه عدة. بالنسبة إلى سلام وبري، تمت مراعاة خواطر عون حتى الحد الأقصى الممكن، من غير التنازل عن «ثابتة» انعقاد مجلس الوزراء في موعده المقرر بناء على دعوة رئيسه المتمسك بصلاحياته.
في المقابل، يميل «البرتقاليون» إلى مقاربة جلسة اليوم باعتبارها مجرد اجتماع جانبي او لقاء تشاوري بين سلام وعدد من الوزراء، لا يرقى إلى مستوى جلسة حقيقية ومكتملة المواصفات لمجلس الوزراء.
ويقول الوزير «المقاطع» إلياس بوصعب لـ«السفير» انه ليس مقبولا بتاتا إصدار أي قرارات في ظل غياب المكون المسيحي الوازن عن مجلس الوزراء، سواء كانت مهمة او عادية، حتى ولو كان الامر يتعلق بإعطاء إذن سفر. ويتابع: نحن نعتبر ان جلسة اليوم غير ميثاقية وبالتالي فان أي قرار يصدر عنها هو غير ميثاقي، وسنتعامل معه على هذا الاساس.
ويرى بوصعب ان الوزراء المسيحيين المستقلين هم أعجز وأضعف من ان يؤمنوا التغطية الضرورية للحكومة لانهم يمثلون ما بين 7 و8 بالمئة من المسيحيين فقط، موضحا انه لا يعني بكلامه «تيار المردة». واشار الى ان الاستعانة بهؤلاء الوزراء الآن تشبه ما كان يحصل في ايام الوصاية السورية من نفخ لبعض الاسماء والادوار، متسائلا: «لو ان النائبين عقاب صقر وغازي يوسف يمثلان الشيعة في الحكومة وسط غياب حزب الله وحركة أمل، هل تكون الميثاقية مصانة في هذه الحالة»؟
ويشير بوصعب الى ان المعالجة الجذرية للازمة المستجدة تكون بعودة الحكومة الى الالتزام بالقانون والأصول واحترام الآليات الدستورية، سواء في ما يتعلق بالتعيينات العسكرية او غيرها من الامور، ونحن لن نغطي بعد الآن المخالفات. ويضيف: «باختصار نريد التوصل الى حل أصلي لا تايواني. فلقد ولى زمن تسويات الـ «فوبيجو» او «التقليد»، وحان وقت المعالجة الحقيقية، تحت طائلة تطور أزمة الحكم الى أزمة نظام.
«الطاشناق» يتضامن مع «التيار»
وفي سياق متصل، ابلغ رئيس حزب «الطاشناق» النائب هاغوب بقرادونيان «السفير» ان وزير الحزب ارتور نظاريان سيتغيب عن جلسة مجلس الوزراء تضامنا مع موقف «التيار الحر» بالنسبة الى التعيينات العسكرية التي نرى انها تتم بطريقة غير متوازنة. واشار الى ان مقاطعتنا تخل بميثاقية انعقاد الجلسة لأننا لسنا مكونا سياسيا فقط بل مكون طائفي، ولنا حق مثل الطوائف المسيحية الكبرى، وبالتالي فان غيابنا يعني غياب طائفة مسيحية اخرى الى جانب غياب الطوائف المقاطعة.
وبرغم محاولة امتصاص غضب عون، من خلال جلسة «رمزية» للحكومة، إلا ان ذلك لم يمنع بعض المحيطين بـ «الجنرال» من التوقف عند دلالات تمسك سلام بالتئام مجلس الوزراء، والقفز فوق مقاطعة وزيري التيار: «الرسالة واضحة.. هم يريدون ان يقولوا لنا ان غيابنا لا يمنع الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء ولا يحول دون انعقادها، بمعزل عما يمكن ان يصدر عنها. وما خفي بين السطور هو أعظم، وفحواه انه حتى لو استقلنا فان ذلك وفق مفهومهم لن يؤثر على استمرار عمل الحكومة، ما دام نصابها متوافرا، أي انهم باختصار، يريدون إفهامنا بان الحكومة ماشية، فينا وبلانا، وهذه لعبة محفوفة بالمخاطر..».
عون ينصح بتقدير العواقب.. والعقاب
يشعر عون بان هناك من يمعن في حشره في الزاوية، من غير تقدير دقيق للعواقب.. والعقاب. أوساطه تعدد بمرارة «لائحة العقوبات» المفروضة على الرابية منذ فترة طويلة: ممنوع الوصول الى الرئاسة، ممنوع وضع قانون انتخاب عادل يحقق التمثيل الصحيح للمسيحيين، ممنوع الأخذ بمطالب وزراء «التيار» المشروعة وفي طليعتها التعيينات المؤجلة من عام الى آخر، ممنوع مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين..
وانطلاقا من الاحساس بان هناك حصارا مضروبا على عون من كل الجهات، فان «الجنرال» بات على قناعة بانه لم يعد لديه ما يخسره، بعدما ضاق الخناق حوله، ولذلك بات يفضل الانتقال من خندق الدفاع، الى الهجوم الى الامام، بتغطية من «مرابض» التصعيد السياسي المتدرج، وبمشاركة من «المشاة» في الشارع.
ينصح المقربون من عون رئيس الحكومة بألا يخطئ في التقدير والحسابات. يدعونه الى عدم الاستخفاف بالمشاعر المتأججة في الوسط الشعبي المسيحي، على وقع التهميش المتواصل لممثليه الحقيقيين في السلطة. يحثونه على التعلم من دروس الماضي وعدم تكرار خطأ التوهم ان بإمكان بعض الشخصيات المسيحية المتواضعة الوزن، ان تغطي غياب المكونات المحورية او تعوض عنه، وهذه التجربة بين عامي 1990 و2005، تنطق بالكثير من العبر، كما يقول «نزلاء» الرابية.
معركة وجودية بالنسبة الى الرابية
يتجنب عون ان يجره الانفعال الى استخدام أوراقه دفعة واحدة، في معركة قد تكون طويلة، وتتطلب «التقنين» في استعمال الذخيرة. المحيطون به، يشيرون الى ان مروحة الاحتمالات المتدرجة تشمل الاستقالة من الحكومة والانسحاب من طاولة الحوار، والأهم النزول الكمي والنوعي الى الشارع الذي سيصبح الملاذ الاخير لـ «الجنرال» حين يتأكد ان أبواب المؤسسات الموصدة في وجهه لن تفتح الا بالتي هي أحسن.
يلمح «البرتقاليون» الى ان المواجهة السلمية في الشارع ستكون هذه المرة مختلفة عن السابق، سواء في حجمها او أشكالها التي ستنطوي على مزيج من التظاهرات والاضرابات والعصيان المدني ووسائل أخرى من الاحتجاج الديموقراطي. التعبئة الجماهيرية بلغت مداها الاقصى وتكفي جولة سريعة في مناطق نفوذ «التيار الحر» لاستشعار حجم الاحتقان الشعبي، كما يؤكد قياديوه. ثم انه لم يعد هناك من مكان، برأيهم، لأي لبس حول عنوان المعركة وهويتها، بعدما كان يجري في الماضي الايحاء بان طابعها شخصي او عائلي، لتحريف مضمونها الاصلي. صارت المعركة وفق مفهوم الرابية وجودية بامتياز وما الخلاف حول التمديد المتمادي للقيادات العسكرية سوى عارض من عوارض الازمة، في حين ان المرض المزمن والمتفشي يتمثل في إمعان البعض في رفض الشراكة الوطنية.
«القوات».. هل تتضامن مع «التيار»؟
ولان الصراع في نظر المقربين من عون بات مصيريا ويتعلق بمستقبل الوجود المسيحي ودوره في لبنان، فهم يجزمون بان «القوات اللبنانية» لن تقف على الحياد في هذه الموقعة تحديدا، وستشارك جمهور «التيار» في انتفاضة الشارع، متى انطلقت، لا سيما ان إعلان النيات والشراكة في المعركة الرئاسية يجمعان الرابية ومعراب، «والارجح ان سمير جعجع لن يدع هذه اللحظة التاريخية تمر من دون ان يلتقطها، خصوصا انه يعلم ان أي إحراق لورقة عون يعني تلقائيا ارتفاع أسهم ترشيح سليمان فرنجية..» وفق المتبرعين للقراءة في فنجان جعجع السياسي.
ولئن كان «حزب الله» يتمايز عن الرابية في موقفه المتفهم لضرورات التمديد للقيادات العسكرية وبينها العماد جان قهوجي، إلا ان عون لا يبدو قلقا على متانة التحالف الاستراتيجي الذي يربطه بالحزب، علما ان هناك في أوساط «الجنرال» من توقف بإيجابية امام دعوة رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الى تأجيل جلسة مجلس الوزراء إفساحا في المجال امام الاتصالات الهادفة الى تحصين الشراكة في الحكومة وتجنب مظاهر التحدي.
أكثر من ذلك، يُنقل عن عون قوله: قدري ومن موقعي ان أخفف من مخاطر الفتنة المذهبية، وانا أوفر على «حزب الله» خوض معركة نظام لا يستطيع ان يتوغل فيها، لاسباب تتعلق بمحاذير الفتنة..
ولكن عون يتمنى، في المقابل، لو ان الحزب يتدخل لدى الرئيس نبيه بري لاقناعه بخفض وتيرة اعتراضاته على نهج التيار، «لان سلوك رئيس المجلس حيال الرابية من شأنه ان يدفعها أكثر فأكثر الى أحضان معراب»، وفق استنتاج أحد أعضاء «تكتل التغيير والاصلاح».
وبناء على هذا العرض، يتوجه «أركان الرابية» الى فريق الدفاع عن الحكومة، بالقول: «لا تجربونا في المكان الخطأ والزمان الخطأ»..
وما لا يقوله «الاركان» بصوت مرتفع، يتردد همسا في بعض أروقة «التيار الحر»: إذا استمروا في تهميش حقوقنا وضرب مرتكزات النظام، ربما يجدر حينها البحث مجددا في خيار الفيدرالية..