Site icon IMLebanon

الميثاقية الدستورية 

 

كتب انطوان صفير في صحيفة “الجمهورية”:

تأخذ عبارة «الميثاقية» حيّزاً بارزاً من النقاش، (طبعاً غير المجدي)، ويذهب القيمون على السياسية عندنا الى المواجهة في إطارٍ يقع ضمن النطاق الدستوري البحت.

وقد شوّشت السياسة بشكل كبير على الدستور وما فيه وهذا ضمن مسلسل رأيناه مضجراً بعدما تخطّت لعبة المحاصصة كلّ شيء حتى الوصول الى فراغ رئاسي وارتباك مؤسساتي لم يشهده تاريخ لبنان منذ لبنان الكبير الذي سنحتفل بمئويّته الأولى بعد سنوات ثلاث، حتى في عز الحرب على لبنان.

وهذا يعني فيما يعني ذهاباً مستمراً نحو جعل النظام الدستوري بنصه وميثاقه كما السياسي بمؤسساته المتداعية وكأنه آخر الشهود على انهيار شبه الدولة التي نعيش تحت ظلالها.

والنظام الدستوري اللبناني ليس فريداً في السياسية فحسب لناحية اعتبار التمثيل السياسي قائماً على أسس مذهبية بل إنّ خصوصيته تكمن في أنه لا يُختصر بنص الدستور أي القانون الأسمى بل إنه مكوّن من عنصرين يتساويان من حيث الجوهر ويتكاملان من حيث التطبيق، عنيت الدستور والميثاق الوطني.

1 – الديموقراطية الدستورية

إنّ الديموقراطية المعتمدة في الدستور اللبناني ليست متفلّتة من دون ضوابط وترتكز فقط على الاتفاق السياسي، بل إنها مضبوطة جيداً ضمن النصوص المرعية، والمشاكل الدستورية الشائكة والناشئة عن المواجهات والأجندات السياسية لا تعني أنّ الدستور بذاته لا يضمن ممارسة صحيحة للديموقراطية حسب منطوقه ووفق الآليات المعتمدة في عمل المؤسسات مع بعضها البعض أو ضمن المؤسسات نفسها، ولكنّ امتدادَ الأزمات المفتوحة في الداخل والخارج أدّى الى ضرب واضح للهرمية الدستورية بعدما تعرّضت الرئاسة الى انتكاسات عدة كان أبرزها عدم انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية والتي تُعتبر مهلة انتظام عام وذلك لثلاث مرات متتالية في السنوات 1988 و2007 و2014 الممتدة حتى يومنا هذا.

وهذا يؤكد بوضوح أنّ النص الدستوري أضحى رهينة التجاذب السياسي وبدلاً من أن يشكل النص إطاراً لحلّ النزاعات القائمة، أصبح بدوره جوهر خلاف مستعرّ أدّى الى ضرب روحية الدستور ونصه عبر استعمال عبارات ذات جوهر دستوري قانوني في غير موقعها، ومنها الديموقراطية التوافقية وميثاقية المؤسسات والجلسات وسواها من عناوين لا علاقة للدستور بها بل هذه المواقف غير العلمية تجعل النصوص مشلولة والآليات معطلة.

2 – الديموقراطية الميثاقية

 

وإذا كانت الركيزة الاولى لنظامنا الدستوري هي الدستور بنصه وروحه، فهو مهما غالت المواقف والافكار وابتكرت الاجتهادات، يبقى قائماً. ومَن يريد أن يفسر أحكامه ما عليه إلّا العودة الى معاني النصوص من دون تفسير غير مبني على عناصر علمية. أما الركيزة الثانية، فهي الميثاق كمفهوم أولاً ومن ثمّ كيفية تطبيقه عملياً على ارض الواقع اللبناني.

في الحقيقة، لا يمكن أن نفصل بين الركيزتين الدستوريّتين في نظامنا الحالي وما نص الفقرة «ي» حول أن لا شرعية لأيّ سلطة تناقض العيش المشترك، فإنّ لا شرعية لأيّ قرار يُتخذ ضمن المؤسسات الدستورية متجاهلاً، متحايلاً أو متعارضاً مع مبدأ الميثاقية المكرّس في الميثاق الوطني وفي بعض النصوص الدستورية في حال تفسيرها الدقيق.

إنّ الميثاقية ليست ترفاً أو مطالبة بلا طائل بل هي ركيزة قانونية وسياسية تؤمّن التوازن الوطني من خلال تأمين الشراكة الفعلية لا المبدئية فحسب. وذلك من خلال قانون انتخاب متوازن يضمن صحة التمثيل الميثاقي مهما كانت نتائج الاقتراع، ومن خلال تشكيلة الحكومات ومن خلال التعيينات القيادية في الادارة بمختلف أطرها ودرجاتها ومهامها.

من هنا، فإنّ الميثاقية لا تحتسب على اساس الترتيب العددي او العد الحسابي خصوصاً إذا كان التمثيل النيابي ناشئاً عن قانون انتخاب أخرق غير متوازن ولا يؤمّن المناصفة الفعلية بل المبتورة.

وعيب الميثاقية أو اعتبار هيئة او مجلس او قرار مشوب بعيب الميثاقية، فهذا يعني أنّ هذا الجسم المؤسّسي Organe institutionnel غير متوازن لناحية تركيبته، وبالتالي لناحية ما سيتّخذه من قرارات أو ما سينشأ عنه من حالات قانونية او سياسية حسب صلاحيته ودوره.

وهذا المنطق يطبق ايضاً على القرارات المتّخذة لا سيما على الصعيد الحكومي. فلا يمكن اعتبار جلسة وقرارات مجلس الوزراء ميثاقية في حال غياب مكوّنات أساسية تمثل «برلمانياً» حتى في ظلّ القانون الحالي أكبر عدد من النواب.

ما يعني والحال هذه أنّ تخطي مبدأ الميثاقية عبر الالتفاف عليها من بوابات غير تلك المنصوص عنها في الدستور والمُشار اليها في الميثاق، يُعتبر خطوة غير دستورية وما يُطبَّق على فئة اليوم يمكن أن يُطبَّق على أخرى في ظروف مغايرة، وهذا ما علمتنا إياه التجارب الدموية والسياسية بحيث لا يمكن لأحد إلغاء أحد.