كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الأخبار”:
معادلة ما يحصل اليوم مع التيار الوطني الحر الذي يتضامن معه فريق من القوى المسيحية هي الآتية:
يؤيد رئيس الحكومة تمام سلام وتيار المستقبل التمديد للأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير، فيمدد له مجلس الوزراء.
يطلب رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط التمديد لرئيس الأركان اللواء وليد سلمان، فيمدد مجلس الوزراء ولايته سنة كاملة، ثم يطلب تعيين بديل له فيستجاب طلبه.
في المقابل، يدعو الفريق المسيحي الأكثر تمثيلاً في المجلس النيابي وفي مجلس الوزراء إلى تعيين خلف لقائد الجيش العماد جان قهوجي، من دون أن يسمي أي بديل له، فتتضافر جهود الرئيس نبيه بري مع الرئيسين سعد الحريري وتمام سلام لرفض التعيين والوقوف في وجه مطالب العماد ميشال عون. وتتضافر معهم أيضاً جهود بعض الوزراء المسيحيين، الذين لا يملكون أي تمثيل شعبي، وممن يغضون النظر عن تكاتف بري والمستقبل، ولا يجدون أمامهم اليوم سوى معركة إسقاط عون وتفاهم الرابية ــ معراب.
لا تلغي هذه المعادلة طرح جملة أسئلة: هل تأخر رئيس تكتل التغيير والإصلاح في بدء معركته، منتظراً مرة أخرى نتائج حواره، تارة مع الحريري وطوراً مع بري؟ وهل هو يقلب فعلياً الطاولة اليوم، أم أنها مجرد ضربة على الطاولة في انتظار وعود جديدة من الحريري وبري بفتح حوار جديد وفق قواعد اشتباك مختلفة تتعلق بالرئاسة وملفات أخرى، فتعود الأمور للتهدئة وينضبط إيقاع مجلس الوزراء، كما يحصل منذ سنتين ونيف؟
تختلف هذه المرة، معركة التيار الوطني الحر، مع قيادة الجيش، بعد تعيين أعضاء في المجلس العسكري، ومدير المخابرات العميد كميل ضاهر. اليوم، يدعو التيار الوطني الحر إلى أن يقدّم وزير الدفاع سمير مقبل، بجدية، ملفات كاملة عن أي اسم بديل أو ثلاثة أسماء لاختيار مجلس الوزراء واحداً من بينها، من دون أن يزكي التيار الوطني أي اسم، بل يبدي استعداده للقبول بأي ضابط يوافق عليه مجلس الوزراء. لا حجة واضحة لرفض مطلب عون، حتى الآن، سوى لازمة «لا يجب تعيين قائد للجيش بغياب رئيس الجمهورية، ولا سيما أن هذا المنصب من الفئة الأولى».
فماذا يقول الذين واكبوا مجريات اتفاق الطائف ومناقشاته حول المادة 49 و65 من الدستور اللبناني المنبثق من الطائف، والمتعلقتين بعلاقة الجيش مع رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء؟
لم يشر دستور ما قبل الطائف إلى دور رئيس الجمهورية مع الجيش. كان العرف أقوى من النص الدستوري، بأن يختار رئيس الجمهورية قائد الجيش الماروني كما حاكم مصرف لبنان، بالتوافق مع الحكومة. فالمادة 53 من دستور قبل الطائف، نصت على «أن رئيس الجمهورية (…) يولي الموظفين مناصب الدولة ما خلا التي يحدد القانون شكل التعيين لها على وجه آخر». إذاً، لا وضوح في النص، ولا إشارة إلى قائد الجيش.
أما دستور الطائف، فنص في المادة 49 على أن رئيس الجمهورية هو «القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء». ونصت المادة 65 المتعلقة بعمل مجلس الوزراء على أن «تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء، وهو السلطة التي تخضع لها القوات المسلحة». أي إنها حددت بوضوح مرجعية القوات المسلحة سياسياً. وبحسب المطلعين على نقاشات الطائف، فإن هذا الربط بين القوات المسلحة ومجلس الوزراء استحوذ على نقاشات مطولة في الطائف، وضغوط على النواب المسيحيين وزعمائهم من أجل القبول بهذا النص الذي وضع الجيش تحت إمرة مجلس الوزراء، وليس رئيس الجمهورية. وتجربة تسمية الضباط الذين تعاقبوا على قيادة الجيش منذ الطائف لم تدل على أن رئيس الجمهورية هو الذي يختار قائد الجيش، وليس هو الذي يختار حاكم مصرف لبنان أيضاً.
مع الشغور الرئاسي، تحول مجلس الوزراء مجتمعاً محل رئيس الجمهورية، تعطل أحياناً وسيّر أعماله في صورة طبيعية أحياناً أخرى، لكنه مارس مهمات رئيس الجمهورية في كثير من المفاصل، خلال الأشهر الطويلة الماضية، في محطات سياسية دولية ومحلية، ومالية واقتصادية، وأمنية أيضاً كما في علاقته مع «القوات المسلحة». على غرار المناسبات التي ترأس فيها سلام اجتماعات أمنية على مستوى رفيع، حضرها قائد الجيش ومدير المخابرات وغيرهما من القادة الأمنيين، ودعوته إلى جلسات للحكومة عند أي طارئ أمني. علماً أن الحكومات المتعاقبة، وحتى خلال وجود رئيس للجمهورية، كان لديها دوماً موقعها في العلاقة مع الجيش من خلال ما حدده لها الدستور، ما يعني انتفاء الحجة التي تربط اختيار قائد القوات المسلحة برئيس الجمهورية وحصرها به.
النقطة الثانية، المتعلقة بمنصب الفئة الأولى. بعد الطائف، تساوى الكثير من مناصب الفئة الأولى، وإن بقيت بعض المراكز حساسة أكثرمن غيرها، وموقع قيادة الجيش استحوذ على أهمية أكبر بعد الطائف بسبب وصول رئيسين للجمهورية عبر اليرزة. لكن موقع قيادة الجيش لا يتقدم على سواه من حيث التصويت في مجلس الوزراء، بل هو على قدم المساواة مع المناصب والتعيينات الأخرى التي تحتاج إلى تصويت مجلس الوزراء، ولا سيما في الجيش. فالأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع يحتاج أيضاً إلى ثلثي الأصوات في مجلس الوزراء، ورئيس الأركان أيضاً يحتاج إلى ثلثي الأصوات من أجل تعيينه، الأمر الذي ينزع «امتياز» الفئة الأولى عنه من دون سواه.
وبعيداً عمّا ستكون عليه اتجاهات الوضع الحكومي، بدءاً من اليوم، وبغض النظر عن الاستهداف المسيحي في أسلوب تعاطي بعض القوى السياسية مع الأحزاب المسيحية، فإن تعاطي الحكومة مع استحقاقات من هذا النوع في غياب رئيس للجمهورية، هو الذي يحتاج إلى معالجة ووضع أسس سليمة له، في ضوء واقع المكونات الأساسية للحكومة، وخصوصاً الممثلين المسيحيين فيها ودورهم. ولا سيما أن الحكومة تستعد لمواجهة استحقاقات عام 2017، في حال استمرار الشغور الرئاسي على حاله ولم تجرِ الانتخابات النيابية، وبقيت الحكومة الحالية على حالها. كيف، ومن سيعين قائد الجيش الجديد بعد انتهاء ولاية قهوجي إذا مدد له لسنة واحدة غير قابلة للتجديد، وما مصير حاكمية مصرف لبنان بعد انتهاء ولاية الحاكم الحالي رياض سلامة في الأول من آب عام 2017، وهل ستمتنع الحكومة عن تعيين خلف له، بحجة الفراغ الرئاسي أيضاً؟