دخلت المؤسسات الدستورية حال موت سريري في زمن الشغور الرئاسي. واذا حاول القيّمون عليها وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام، إنعاشها، فإن مساعيهما بالكاد تنجح وتترافق في كل مرة مع جدل بيزنطي حول أحقية التشريع في ظل الشغور أو حول الآلية التي يجب ان تعتمدها الحكومة في اتخاذ قراراتها وسط غياب رئيس الجمهورية…
أما اللازمة الثابتة التي تتكرر وسط هذه الضوضاء، فتتعلق بـ”الميثاقية” وضرورة احترامها، ويلجأ اليها غالبا الفريق المسيحي وهذا ما حصل عندما قرر نواب التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية مقاطعة جلسات تشريع الضرورة قبل ان يعدلا عن موقفهما بعد ادراج قانون استعادة الجنسية على جدول الاعمال. وها هو التيار الوطني الحر يرفع شعارها مجددا اليوم، محذرا من مغبة الاستمرار في عقد الجلسات الحكومية، و”كأن شيئا لم يكن”، بعد قراره مقاطعة أعمال مجلس الوزراء بفعل ما يسميه “مسرحية” التمديد للقادة العسكريين، ويرى أن تخطي “المكون الاكثر تمثيلا للمسيحيين”، يشكل ضربا موصوفا للميثاق.
فما هي “الميثاقية”؟ الكلمة تبدو الى حدّ بعيد “مطاطة” وكل طرف يراها من منظاره الخاص ويوظفها بما يخدم مصالحه السياسية. غير ان مرجعا دستوريا بارزا يؤكد لـ”المركزية” أن مفهوم الميثاقية واضح وسهل اذا أُخضع لقراءة موضوعية لا ذاتية. هي أولا تقوم على مبدأ إشراك المسيحيين والمسلمين في الحكم وعدم تغييب أي منهما عن القرارات، لكنها لا تشترط حضور كافة المذاهب ولا حضور الممثل الاقوى في بيئته لتكون مؤمّنة، ذلك انها لم توضع لعرقلة عمل المؤسسات بل لتأمين حسن سيرها والغطاء الوطني لها.
أما خلاف ذلك، وادخال تفاصيل أخرى اليها كأن يقال ان غياب وزير يمثل الاقليات مثلا أو غياب وزراء فريق سياسي معين، ينسف الميثاقية، فالامر يعني ان الحكومة يمكن ان تتعطل بأصغر الاعذار، وهذا لا يجوز. ويضيف المرجع “في حضور وزراء مسيحيين ومسلمين، مهما كانت مذاهبهم ومهما كان حجمهم التمثيلي، تتأمن الميثاقية ويمكن السير بالجلسة الحكومية”، ويتابع “الغاية من الميثاقية هي التشارك المسيحي – الاسلامي. ومن هنا مثلا، يقول الدستور بانتخاب رئيس الجمهورية بالثلثين، فيتم ضمان مشاركة الطرفين المسيحي والمسلم في انتخابه، ذلك ان عدد الاصوات المطلوب لا يمكن ان تؤمّنه طائفة واحدة بمفردها”.
وعليه، يقول المرجع إن رئيس الحكومة لم يخطئ لا دستوريا ولا قانونيا ولا ميثاقيا في عقده جلسة لمجلس الوزراء أمس، وحضرها 8 وزراء مسيحيين من أصل 12، ما يعني ان اللعب على وتر الميثاقية الاغراض منه سياسية فقط، مشيرا الى ان خطوة سلام قطعت الطريق امام محاولات يجب الا تتكرر لاحقا، لتعطيل عمل المؤسسات كلما قرر وزير معين او طرف سياسي، المقاطعة.
وسط هذه الاجواء، تقول مصادر سياسية في قوى 14 آذار لـ”المركزية” إن الميثاقية الحقيقية و”وقف تهميش المسيحيين” الذي يشكو منه التيار الوطني الحر، يتأمنان أولا بانتخاب رئيس للجمهورية وبملء المقعد المسيحي الارفع في الدولة اللبنانية والوحيد في الشرق الاوسط، أما مسألة التعيينات العسكرية وحجم المشاركة في المواقع والادارات العامة وغيرها من القضايا التي يثيرها التيار دائما، فتفصيلية في معركة الدفاع عن الوجود المسيحي في لبنان، أمام أولوية انتخاب الرئيس. وتختم “حري بالتيار الوطني الحر، اذا كان فعلا حريصا على المسيحيين وعلى الميثاقية، النزول الى البرلمان وانتخاب رئيس، بدلا من الاستمرار في مسلسل مقاطعة الجلسات وتعطيل نصابها”.