كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: مرّت جلسة مجلس الوزراء اللبناني أمس، مروراً سالماً في الشكل ومأزوماً في المضمون، بمعنى أن انعقاد الجلسة مع صدور بعض القرارات “العادية وغير الخلافية” عنها كان الإخراج الذي اتُفق عليه والذي وفّر التئام الجلسة، لكن عدم صدور قرارات بارزة جاء بمثابة إقرارٍ بافتقارها الى الطابع التمثيلي.
وبات معروفاً ان هذا المخرج اعتُمد في ظل وساطة قام بها “حزب الله” ورئيس مجلس النواب نبيه بري مع رئيس الحكومة تمام سلام في ظلّ مقاطعة وزراء “التيار الوطني الحر” (يقوده العماد ميشال عون) وحزب “الطاشناق” للجلسة امس، إنفاذاً لقرارٍ اتّخذه التكتل العوني في بداية تحركٍ احتجاجي متدحرجٍ وتَصاعُدي اعتراضاً على التمديد للقيادات العسكرية خصوصاً التمديد المرتقب لقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي تنتهي خدمته في 30 سبتمبر.
لكن مرور الجلسة لا يعني مرور مأزق يبدو مرشحاً للتصاعد في الأسابيع المقبلة خصوصاً ان الفريق العوني وضع نفسه والرأي العام مرة جديدة أمام مستوى من التحدي لا يمكنه التراجع عنه ما لم يحقق مكسباً سياسياً مهماً في الحد الأدنى.
وساهمت ملابسات الإخراج الذي اتُبع لتمرير جلسة مجلس الوزراء امس، في زيادة تظهير المأزق العوني ما يُخشى معه تالياً ان يحاول نقله وتوسيعه على مجمل المشهد الداخلي بشعارات تغلب عليها الذرائع المسيحية والميثاقية بغية حشر القوى المسيحية الأخرى. اذ بدا بما لا يقبل جدلاً ان التحالف القوي بين العماد عون و”حزب الله” خصوصاً وقوى “8 آذار” عموماً لم يكفل لعون مرة اخرى تبديل اي من معالم الستاتيكو الذي يتمسك به حلفاؤه ومن بينها الواقع الحكومي الراهن وعدم السماح له بهزّه او بالتأثير سلباً على موقع رئيس الحكومة تمام سلام.
وانكشفت مرة أخرى الخاصرة الرخوة للعماد عون أمام الثنائي الشيعي نفسه الذي اضطر الى مجاراة رئيس الحكومة ولو انه توسّط في المخرج الشكلي الذي اعتُمد وفي عدم جعل الجلسة تخرج بقرارات مهمة، لكن البُعد المؤثر في هذا السياق برز في عدم مقاطعة وزيريْ “حزب الله” محمد فنيش وحسين الحاج حسن للجلسة أسوة بما أمِل فيه العماد عون وفريقه وعملا عليه حتى ساعة متقدمة من ليل الاربعاء من دون جدوى، علماً ان قناة “المنار” التابعة للحزب كانت برّرت (ليل اول من امس) صدور القرار المتأخر بحضور الجلسة قائلة: “مع الوفاء للتيار الوطني الحر، قرّر حلفاؤه حضور الجلسة رافعين صوتهم داخل الجلسة الحكومية محاولين فرملة أي قرارات استفزازية قد تأخذ البلد إلى مرحلة أكثر تعقيداً”.
البعد الآخر الذي برز في هذا السياق تمثل في تقليل الأوساط الحكومية والسياسية المعنية عبر “الراي” من جدوى ضرب الفريق العوني على وتر الميثاقية من خلال إسقاط أي صفة تمثيلية عن الوزراء المسيحيين المستقلين الذين حضروا جلسة مجلس الوزراء وشنّ حملات كلامية عليهم الى حدود التحقير.
وتقول هذه الاوساط “ان استعادة شعارات من هذا النوع لم تعد تلقى اي أثر مهمّ لدى جميع الأفرقاء السياسيين لإدراكهم اولاً ان الفريق العوني يعاني الكثير من الإرباكات وبات أعجز من ان يحتكر لنفسه صفة التيار الاقوى تمثيلاً فيما يعرف الجميع ان أزمته تبدأ وتنتهي بمأزق عدم انتخاب زعيمه رئيساً للجمهورية. وثانياً لان استعادة التهديدات الكلامية التي ملأت امس بعض المنابر الصحافية الموالية لعون والتي ركزت على التلويح بالطائف او حتى الفيدرالية مقابل انتخاب عون كأن الاخير بات الضمان الأخير والوحيد للطائف باتت بدورها تعاني انكشافاً كبيراً ولا ترقى الى اي صدقية او قدرة واقعية على ترجمة هذه التهديدات والتهويلات اذ يدرك الجميع ان الظروف الموضوعية للبنان لا تتيح هذا النوع من المناورات المغالية والمفرطة في التهويل في وقت يتحمّل فيه عون بالدرجة الاولى تبعة تعطيل الانتخابات الرئاسية وتعطيل المؤسسات وتعطيل انتظام النظام الدستوري”.
ورغم كل هذه المعطيات السلبية التي ارتدّت على طلائع التصعيد العوني، فإن المعطيات المتوافرة لدى الأوساط المعنية تشير الى ان الاسبوعين المقبلين قد يشهدان مزيداً من التعنت العوني وان يَصُب التصعيد على محاولة انتزاع مكسب يتمثّل بالضغط التصاعدي لتعيين قائد جديد للجيش مكان العماد قهوجي رغم صعوبة تحقيق هذا الهدف في ظل تسليم معظم الفرقاء بالتمديد سنة اضافية للعماد قهوجي.
وتشكّل فرصة الاسبوعين التي تفصل عن موعد الجلسة الجديدة لمجلس الوزراء في 8 ايلول المقبل فسحة لاتصالاتٍ ستركّز على محاولة احتواء الاندفاعة العونية ولجْم اي تصعيد لها ولا سيما بعدما ظهر “التيار الحر” وحيداً في معركته ومتروكاً من أقرب حلفائه اي “حزب الله”، في تظهيرٍ جديد ونافرٍ هذه المرّة للتمايزات التي غالباً ما تسود علاقتهما في المحطات المفصلية حيث يبدّي الحزب الاولوية الاستراتيجية في مقاربة اي ملف لبناني على الاولوية السياسية وحتى “السلطوية” لعون، فيما لفت صبّ قريبين من “التيار الحر” غضباً كبيراً على رئيس البرلمان نبيه بري باعتبار انه “رأس حربة” عملية إجهاض محاولة عون تعطيل الحكومة والإمساك بمفتاح “الميثاقية” فيها والتحكم بانعقادها.
وإذ بدا من الصعب امس رسم تصُّور لطبيعة وحدود الردّ العوني واذا كان انعقاد مجلس الوزراء “بمَن حضر” والقفز فوق تهديد “التيار الحر” بأن ما بعد الخميس غير ما قبله سيؤثر على طاولة الحوار الوطني التي يرعاها بري بمعنى ان يختار عون “الردّ في ملعب بري” عبر الانسحاب من هذ الحوار الذي يضرب موعداً مع جلسة جديدة في 5 ايلول، فإن الأكيد ان جلسة يوم امس انتهت الى 3 خلاصات: أوّلها رفض السماح لعون بأن يصبح هو في موقع مَن يسمح او يمنع عقد جلسات الحكومة، وثانيها توجيه رسالة بأن الحكومة منتجة بالحد الأدنى لقطع الطريق على اي انطباع بأنها دخلت نفق التعطيل الكامل، وثالثها “الإبقاء على خيط” في العلاقة مع عون من خلال تجنُّب اتخاذ قرارات في اي ملفات خلافية او مهمة إفساحاً في المجال أمام الاتصالات السياسية بمعنى السير وفق معادلة “عدم تعطيل الحكومة وعدم تكبير الأزمة”.