كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
مع خفوت لغة الحوار، بنسخته الثانية، مع «تيار المستقبل»، استعادت نبرة العونيين مفردات التصعيد والوعيد تزامناً مع اقتراب استحقاق التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي في أيلول المقبل، فراحوا يبثون أجواء تحذيرية مما قد تحمله تعقيدات الشغور الرئاسي وتداعياته على المؤسسات الدستورية، لا بل على الهيكل الدستوري برمّته.
هذه المرة، تبدو الأمور من منظار العونيين وكأنها فرصة أخيرة متاحة أمام الطبقة السياسية لالتقاط طوق نجاة تقدمه طاولة الحوار الوطني في الخامس من أيلول للتفاهم على سلّة مقايضات تنقذ «بقايا الجمهورية» من براثن الشلل وربما الانهيار التام.
يطلق العونيون نداءهم الأخير، مع أنهم وفي قرارة أنفسهم مقتنعون أنّ المهلة المتاحة، لا تكفي لاجتراح صيغة حل لم تنضج ظروفها، بدليل أنّ خطّ التشاور الساخن بين الرابية وبيت الوسط، على أهميته، عجز وللمرة الثانية على التوالي عن وضع طبخة الرئاسة على نار قوية.
إذاً، لا تزال العقدة في خشبة الرئاسة، ومنشار المفاوضات عاجز عن قطعها. أما «أصل» هذه العقدة فيردّه المطلعون على سير المشاورات الرئاسية، الى مكانين: داخلي، يتمثل بدفتر مواصفات الاتفاق بين ميشال عون وسعد الحريري، وخارجي، يتمثل، بطبيعة الحال، بموقف السعودية.
لا أحد يملك جواباً حاسماً ما اذا كانت الرياض لا تبالي فعلاً بما يحاول الحريري القيام به لإنقاذ نفسه من الإفلاس السياسي لأن لحساباتها الاقليمية منطقا مختلفا، أو هي تتقصّد إفلات يدَيْه تمهيداً لإغراقه (بلغ الأمر حد شكوى أقرب مستشاريه بأنهم لا يقبضون مخصصات الحد الأدنى المالية).
الأكيد أنّ الحريري أثبت أنه لا يملك حريّة المبادرة والتحرك، وأنه لم يتمكن، وفق هؤلاء المطلعين، من فرض اللون الأخضر على إشارة المرور الرئاسية.
وتحت عنوان «إمكانية الخرق» لبنانياً، في المرحلة الماضية، سُحبت الأوراق من الأدراج ووضعت على طاولة المفاوضات بين جبران باسيل ونادر الحريري ليستعيدا التشاور الجديّ بينهما من حيث توقف في المرة الأولى، على حد تعبير أوساط مقربة من الرابية.
وبين ما هو مهم جداً، وما هو أقل أهمية، أظهر جدول الأعمال بين الفريقين أنّ مساحة التلاقي شملت بندين أساسيين: رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. هنا، لا مشكلة وبدا التفاهم سهلاً. بعد ذلك، طرح الحريري بندين آخرين الى مرتبة عالية وهما رفع الضريبة على القيمة المضافة وحلّ سرايا المقاومة.
يؤكد المطلعون أنّ باسيل لم يعط ردّه قبل التشاور مع الضاحية الجنوبية عملاً بمبدأ التنسيق بينهما، وهو ما حرص على القيام به طوال فترة المفاوضات.
أتى الجواب على لسان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله الذي أعلن في خطاب ألقاه في 29 تموز الماضي: «نحن لا يمكن أن نوافق على زيادة قرش واحد على الضريبة، مهما كانت المبررات والاعذار والأسباب».
أما مصير سرايا المقاومة فمحسوم طبعاً، ولا داعي لسؤال الضاحية عنه. وبهذا المنطق قرأ هؤلاء خطاب نهاد المشنوق التصعيدي يوم صوّب سهامه باتجاه سرايا المقاومة، علما أن الأخير يردد دائما أن لا ربط نزاع مع «حزب الله» في موضوع «السرايا»، بل هذه نقطة خلاف عميقة وجوهرية ولا يمكن القبول لا بتأجيلها ولا بتشريعها، بل المطلوب حلها اليوم قبل الغد.
عند هذا الحدّ، أبلغ الحريري مفاوضيه عدم قدرته على متابعة السير، مع أنّ الرجل بدا متفهماً لإمكان الاتفاق على قانون انتخابي جديد، فيه من الدوائر التي تعتمد النظام الأكثري، ما يكفيه لوضع بصمته عليه. ولكن بند الـTVA بدا أكثر أهمية في سلّم «الأولويات الزرقاء».
هكذا عادت الأزمة الى مربع البداية، كما يرى المطلعون، لأنّ تمدّد حالة الشغور بعد إحالة الحكومة الى التقاعد القسري واقتراب لحظة الاستحقاق النيابي من دون أن تتمكن القوى السياسية من مجاراة رياحها ولا حتى من معاكستها، يعني حكماً وقوع البلاد في مستنقع الشلل التام.
ولهذا يبشر العونيون بقدوم شهر أيلول «مبلول» بشتاء الفرصة الأخيرة، وإلا فإنّ جهنم دستورية قد تشرّع أبوابها. ليس بمقدورهم رسم سيناريو احتوائي بديل عن مشهد «الانفجار الكلي» إذا لم ترفع الطبقة السياسية قبّعتها لترئيس «الجنرال».
كما تزداد قناعة بعض المسيحيين أنّ دخول الأزمة في منطقة «المحظور» قد يفتح «طاقة الفرج»، لأنّ تكبير الحجر سيؤدي فعلاً الى تكبير الحلّ. كل الدروب صارت توصل بنظرهم الى المؤتمر التأسيسي، لا داعي لكي يكون تأسيسياً بمعنى التفاوض من الصفر، لكنه سيقلب طاولة التوازنات ويكرس معادلة جديدة، سيكون سعد الحريري بنظرهم أكثر الخاسرين فيها، الا اذا قرر الاستدراك في اللحظة الأخيرة.