ابدت مصادر وزارية بارزة تشاؤماً حيال الخط البياني الذي يسلكه الواقع الحكومي والسياسي العام اذ لاحظْت تضاؤل إمكانات التوسط لدى الأفرقاء المعروفين عادةً في احتواء موجات التصعيد المماثلة، الأمر الذي بات يرسم مزيداً من التعقيدات ويضع الواقع الحكومي على محكّ اختبارٍ مجهول.
وقالت هذه المصادر لـ“الراي” ان “التيار الوطني الحر وضع نفسه تكراراً في موقعٍ متقدّم من التصعيد يصعب عليه معه النزول بسرعة ومرونة عن رأس الشجرة التي تسلّقها فيما لا يبدو أفرقاء آخرون مستعدين لمجاراته كما كانوا يفعلون سابقاً لدى دخولهم وساطات لإعادة القطار الحكومي الى سكته. ذلك ان الاقتراب من شهر ايلول الذي يحمل مواعيد مفصلية لاستحقاقاتٍ ومحطاتٍ مهمة، لن يتيح لا للتيار ولا للأفرقاء الآخرين إمكان إيجاد تسوية تعيد تطبيع الوضع الحكومي قبل اتضاح الاتجاهات التي سترسمها هذه الاستحقاقات، وفي مقدمها الجولة المقبلة من الحوار الوطني في الخامس من ايلول والتي ستليها الجلسة الـ 44 لانتخاب رئيس الجمهورية في السابع منه، ثم انعقاد الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء في الثامن منه.
واشارت المصادر نفسها الى ان المعطيات المتراكمة بعد الجلسة الأخيرة للحكومة بدأت تثير قلقاً واسعاً لدى أكثر من جهة سياسية مشارِكة في الحكومة وخارجها نظراً الى معلوماتٍ تتوقع مضيّ التيار العوني في التصعيد على قاعدة انه لم يعد يتحمل مزيداً من الانتكاسات والخسائر في ظلّ اصطدام مطالبه بحائط مسدود، بدءاً من ترشيح زعيمه العماد عون للرئاسة وصولاً الى رفضه التمديد للقيادات العسكرية، الامر الذي يشير الى انه سيخطو خطوات تصعيدية إضافية قد تؤثّر واقعياً على الحكومة هذه المرّة.
وفي المقابل، أكدت المصادر ان رئيس الحكومة تمام سلام لا يبدو في وارد الرضوخ للابتزاز الذي يمارسه عليه”التيار الحر”، وهو أثبت ذلك في إصراره على انعقاد الجلسة السابقة لمجلس الوزراء ولو انه قبِل بإرجاء البحث في بنودٍ تحمل صفة الأهمية بغياب الوزراء المقاطعين.
وتبعاً لذلك حذّرت المصادر الوزارية عيْنها استناداً الى هذا التأزم من انفلات حبل الأزمة في حال تصاعد الضغط على الرئيس سلام تحت العنوان الذي يرفعه التيار العوني، وهو الدفاع عن الميثاقية بحجة غياب الكتل المسيحية الكبيرة عن الجلسات الحكومية، اذ ان ذلك يشكل أقصر الطرق الى دفْع الرئيس سلام الى حافة الاستقالة التي غالباً ما لوّح بها وبات الآن في الموقع الأخطر لبلوغها.
ولفتت المصادر الى ان سلام استشعر ملامح محاصرته من البوابة المسيحية من خلال تَزامُن التصعيد العوني مع عودة التسبب بأزمة النفايات مرّة جديدة وتعطيل الخطة الحكومية لإنشاء مطمر في منطقة برج حمود بعد الاعتصام الذي ينفذه حزب الكتائب مانعاً الاستمرار في أعمال إنشاء المطمر اعتراضاً على مبدئه ومن ثم انضمام حزب الطاشناق الى منْع عمليات نقل النفايات الى”الموقف الموقت” الذي اعتُمد لتجميعها بانتظار إقامة هذا المطمر، الأمر الذي أعاد أزمة النفايات الى مناطق واسعة في كسروان والمتن وبيروت.
وأشارت هذه المصادر الى أن الاسبوع الجاري الذي يغيب فيه مجلس الوزراء عن الانعقاد بفعل وجود سلام خارج البلاد في إجازة خاصة، سيشكل فرصة لبلورة الاتجاهات المقبلة، علماً ان القنوات المعروفة في الوساطات تبدو متوقفة حتى الآن. فرئيس مجلس النواب نبيه بري يقف بقوة الى جانب سلام ويُتوقع ان يبرز ذلك في الخطاب الذي سيلقيه نهاية اغسطس الجاري في صور في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر. اما رئيس”اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط فيلزم صمتاً لافتاً وانكفاءً في هذه المرحلة وسط تكاثر المؤشرات الى تلقيه معطيات مقلقة حول تهديدات تطاوله قد تدفع به الى سفرٍ طويلٍ خارج البلاد. في حين ان القوى المسيحية الأخرى وإن كانت غالبيتها لا تجاري التحرك العوني في تصعيده، فهي لا تبدو مالكة زمام المبادرة لاحتواء الأزمة الطالعة بفعل المزايدات التي يثيرها التيار العوني على المستوى المسيحي.
ولذا تنظر المصادر نفسها بكثير من القلق الى التطورات المقبلة التي يبدو انها ستجعل من ايلول شهراً مفصليا في مسار الأزمة السياسية المستجدّة والتي تتشابك فيها التعقيدات المتصلة بالفراغ في رئاسة الجمهورية الذي دخل شهره الـ 28 مع الوقائع اللاهبة في المنطقة.