كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
قبل العاشر من أيلول، وبفارق عشرين يوما عن نهاية ولاية العماد جان قهوجي الممدّدة للمرة الثانية، سيوقّع وزير الدفاع سمير مقبل قرار تأجيل تسريح قائد الجيش، بعد ان يكون مجلس الوزراء قد أنجز تعيين رئيس الاركان الذي سيخلف اللواء وليد سلمان في جلسة ستخفق، كما هو مخطط لها، في تعيين بديل عن القائد الحالي.
“المهمّة” ستنجز في الفترة الفاصلة بين ما بعد عودة الرئيس تمام سلام من إجازته الخاصة ومشاركته في جلسة مجلس الوزراء المقررة مبدئيا في الثامن من ايلول المقبل على وقع قرع طبول “الميثاقية المفقودة”، وقبيل مغادرته الى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة.
على الارجح سيغادر سلام الاراضي اللبنانية رئيسا للحكومة، لكن لا أحد يستطيع الجزم منذ الآن ما إذا كانت “عاصفة الغيوم العونية” التي بدأت بالتجمّع، ستعيده الى بيروت رئيسا لحكومة تصريف أعمال، أو على قاعدة كأن شيئا لم يكن!
القرار رسا، بموافقة جنبلاطية، على رئيس للاركان هو العميد حاتم ملاك (الاصغر في دورته) الذي يتولى حاليا رئاسة لجنة الاضرار في الجيش ولا يزال لديه في الخدمة نحو سنة ونصف، في مقابل السير في خيار تأجيل التسريح الثالث الحتمي لقهوجي.
وزيرا “التيار الوطني الحر”، كما وزير “الطاشناق”، لم يرسلوا إشارات علنية حتى الآن عن نيتهم عرقلة صدور مرسوم تعيين رئيس الاركان من خلال حجب توقيعهم عنه (من ضمن تواقيع الـ 24 وزيرا الملزمة نيابة عن رئيس الجمهورية)، فالمساعي مستمرة في الفترة الفاصلة عن موعد الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء في الثامن من ايلول المقبل، والفشل في التوصّل الى تسوية تعيد العونيين الى مقاعدهم في السرايا، سيقود حتما هؤلاء الى رفع سقفهم السياسي تدريجيا.
عندها، يمكن القول إن عدم توقيع المرسوم من قبل وزراء “تكتل التغيير”، من ضمن سلّة الضغط، سيجمّد تنفيذه ما سيمنع ملاك من الالتحاق بموقعه الجديد في وزارة الدفاع، ويؤدي الى شغور في الموقع الاهم بعد قيادة الجيش، تماما كما سبق لوزراء “تكتل التغيير والاصلاح” ان امتنعوا لأشهر عن توقيع مرسوم تخريج ضباط كلية الحربية وترقيتهم في العام الماضي.
فرئيس الاركان هو الضابط الوحيد وفق المادة 21 من قانون الدفاع الذي “ينوب عن قائد الجيش في حال غيابه ويمارس مهامه وصلاحياته طيلة فترة غيابه”.
وفيما طرحت في اوساط ضيّقة صيغة إمكان التكليف في حال تعذّر التعيين، فإن القرار كان حاسما لجهة عدم الذهاب نحو خيار توقيع مذكرة داخلية تقضي بتكليف أحد ضباط نواب رئيس الاركان الاربعة للقيام بمهام رئاسة الاركان الى حين تعيين الاصيل.
وفي مقابل الاصرار العوني على السير في خيار تعيين قائد جيش جديد، بدأ المتحمّسون لخيار تأجيل التسريح لقهوجي يلوّحون بمحظور الركون الى خيار أن تؤول صلاحيات قائد الجيش الى الضابط الاقدم رتبة في حال رفع ميشال عون سقف المواجهة الى حدّه الاقصى.
والضابط الاقدم رتبة راهنا هو العميد الركن صادق طليس، وقد شغل في السابق موقع قائد قطاع جنوب الليطاني ثم الملحق العسكري لدى قطر قبل وضعه بتصرّف قيادة الجيش. هذه الاشكالية طرحت في العام الماضي وكان الضابط الذي طرح اسمه هو العميد عماد قعقور. لكن قطار التمديد كان أقوى من اي سيناريو آخر. كما يتردّد اسم اللواء جورج شريم عضو المجلس العسكري (كاثوليكي) من ضمن الضباط الاعلى رتبة، لكن تطرح هنا إشكالية الصلاحيات.
من العام 2013 وصولا الى اليوم، ثمة من قال لميشال عون ان ليس إدمون فاضل، مدير المخابرات السابق والذي أجّل تسريحه أكثر من مرة، او اللواء محمد خير الذي دخل نفق التمديد المتتالي، او رئيس الاركان اللواء وليد سلمان الذي استنفد كل سنوات خدمته بعد إحالته الى التقاعد، أو قائد الجيش الذي يستعد لتأجيل تسريح ثالث، أو حتى سمير مقبل “وزير التمديد”… ليس هؤلاء من يتحمّلون مسؤولية قرار سياسي بحجم إبقاء “الستاتيكو” العسكري على ما هو عليه، طالما أن بشائر التسوية لم تطلّ برأسها بعد وفي طليعتها التوافق على رئيس الجمهورية.
أكثر من ذلك، يدرك مناصرو التمديد أن المعطيات الخارجية والداخلية تتقاطع عند أهمية بقاء العماد قهوجي في موقعه (خصوصا “حزب الله”)، بوصفه عنوانا للاستقرار الامني، تماما كما “نُصّب” رياض سلامة عنوانا للاستقرار المالي.
أما لو العكس، لكان قائد الجيش اليوم إما عضوا في نادي الضباط السابقين وإما سائحا في عواصم العالم من ضمن أجندة ما بعد التقاعد وإما “ناشطا” يراكم فوق الخبرة العسكرية حيثية سياسية.