كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “السفير”:
النفايات باقية في الشوارع وتحت الجسور وبين الناس وعلى ضفاف الأنهار. والأزمة التي بدت مؤقتة، وشملت المتن وكسروان، طال أمدها نتيجة عدم قدرة كثر على المواءمة بين الواقع والمرتجى. النقاش في لجنة المال جاء ليعوّض غياب الحكومة عن معالجة الأزمة التي طرأت، لكنه اصطدم بمجمــوعة من العقــبات الممزوجة بـ”العناد”، على حد وصف أكثر من نائب.
الإشارة الأبرز لفشل الجلسة الثانية التي عقدتها لجنة المال والموازنة أمس، كان انسحاب النائب هاغوب بقرادونيان بانفعال شديد. من على المنبر، قال “ما في ولا شقفة زبالة بدها تفوت على برج حمود”، واصفاً عمل اللجنة بـ “طق الحنك”. لكن الانفعال لم يحُل دون تركه النافذة مشرّعة على الحل، فكرر أكثر من مرة أنه “لا حل إلا بالعودة إلى خطة الحكومة”.
خطة الحكومة تلك، هي نفسها التي تسمح بردم البحر واستحداث 570 ألف متر مربع من الأراضي. وهي نفسها التي سمحت برمي النفايات في المطمر من دون فرز تقريباً، بما يعنيه ذلك من زيادة المخاطر والغازات السامة وتسرّب عصارات النفايات إلى باطن الأرض والبحر. علماً أن من يغامر بزيارة المطمر، يمكنه أن يشاهد بأم العين برك العصارة التي بدأت تتشكل بعد تسربها من البالات المكدّسة في “الباركينغ”، حيث يتم تخزين النفايات، بانتظار الانتهاء من تحضير المطمر.
تحسين الخطة الحكومية
المعاناة التي يعيشها أهالي المناطق المحيطة بالمطمر كبيرة، لكن الأزمة الحالية أثبتت أن الحل ليس بإقفاله ونشر النفايات في الشوارع، بل في التشدد في مراقبة ما يدخل إليه من نفايات، مع ضرورة زيادة نسبة المواد المفروزة والمعالجة. والأهم تقليص الفترة الانتقالية لأقصر مدة ممكنة، من خلال التشديد على لامركزية الحل. وهذه الإنجازات التي ثبتتها الاعتراضات الأخيرة، يفترض أن تصان من خلال اللجنة التي سيتم تشكيلها ويتشارك فيها مجلسا النواب والوزراء مع المجتمع المدني والبلديات، ومهمتها الرقابة على المطمر وتمكين البلديات ومساعدتها للدخول في المرحلة المستدامة.
في جلسة الإثنين، كان تم الاتفاق على دعوة اتحادات البلديات والبلديات المعنية لسؤالها عما تملكه من حلول لامركزية للأزمة، قبل حسم مسألة إعادة فتح مطمر برج حمود، التي بدا واضحاً حينها أن لا بديل عنها في الفترة المؤقتة. وبالفعل، هذا ما كان في جلسة أمس. معظم البلديات تملك خططاً مســــتدامة لمعالجة نفاياتها والتخلص منها، لكن هــذه الحلول لا يمكن أن تنجز قبل عام. ما الحل حتى ذلك الحين؟ من حــيث المبدأ، كان يفترض أن ينتهي النقاش عند هذا الحد، قــبل أن يقــترح الجميل أن تعمد كل بلدة إلى تخصيص قطعة أرض تنقل إليها نفاياتها، إلى حين يتم الانتهاء من المعامل. بدا هذا الحل مرفوضاً تماماً، وغير ممكن، نظراً لصعوبة تأمين أراضٍ قادرة على استيعاب تكدس النفايات لمدة عام.
سُدّت كل الطرق أمام أي حل مؤقت لا يتضمن إعادة فتح مطمر برج حمّود، لكن مع ذلك لم يعط الجميل موافقة صريحة على ذلك، وإن بدا مسلّماً بالأمر الواقع، مع حصوله على ضمانات بتشديد الرقابة على النفايات التي تدخل إلى المطمر، للتأكّد من وزنها، ومن أنها تخضع لعملية الفرز.
كما أن موقف بقرادونيان جاء ليلغي أي فرصة لخروج اللجنة بإعلان البدء برفع النفايات من الشوارع، فلا حل يمكن أن يتم الاتفاق عليه من دون “الطاشناق”، الذي انفعل ممثله في اللجنة على أثر “مجرد فكرة” طرحها النائب غسان مخيبر. ودعا فيها إلى تنفيذ خطة الحكومة على مراحل، بحيث يتم في المرحلة الأولى طمر النفايات في المنطقة المقابلة لبرج حمود، على أن يتبعها في المرحلة الثانية طمر البحر مقابل منطقة الجديدة.
وهو إذ ذكّر بأن برج حمود تتحمل وزر النفايات منذ عشرات السنين مع روائح كريهة وجبل النفايات والروائح المنبعثة منها ومن شركات الغاز، قال بقرادونيان: لا، كفى، فلتتحمل كل منطقة مسؤولياتها، ونحن لا دخل لنا في الموضوع ومن الآن وصاعداً، لا مطمر ولا جبل نفايات ولا تخزين نفايات في برج حمود.
بعد انسحاب “الطاشناق” صار الهامش أضيق. وبحسب رئيس اللجنة ابراهيم كنعان، فقد تم التفاهم على سبعين إلى ثمانين في المئة من البنود التي كانت عالقة، ويبقى بند تنفيذي واحد حصل اختلاف حوله (فتح المطمر والبدء برفع النفايات من الشوارع)، ولم تتمكن اللجنة من التوافق نهائياً بشأنه بعد انسحاب حزب “الطاشناق” من الاجتماع.
مع ذلك، فقد تعهّد الوزير أكرم شهيب أن يتابع الأمر مع بقرادونيان. كما أعلن كنعان أنه “سيتابع معه أيضاً حتى نؤمن الجزء التنفيذي الأخير والذي هو أيضاً بحاجة إلى نوع من المرونة المطلوبة ليس من حزب الطاشناق فحسب، إنما أيضاً من حزب الكتائب”.
كل من يُسأل ممّن حضر اللجنة، يردّد أن لا خيار سوى في فتح المطمر. الوزير شهيب قال إن “الحل يكمن في تعزيز خطة الدولة وإلا فلا حل إلا بعودة النفايات إلى المنازل”.
لا جلسة جديدة
“أمام واقع أن هناك خطة أقرت في مجلس الوزراء، وهناك تعطيلاً ورفضاً لها في الشارع”، أعلن كنعان في مؤتمره الصحافي أنه تم التوصل، “في سياق السعي لردم الهوة ورفع الضرر عن الناس” إلى:
ـ ضرورة رفع النفايات المتراكمة في الشارع، لأن هذا الوضع يطاول كل مواطن مع ازدياد الضرر يوماً بعد يوم، ولا نقاش على هذا الصعيد والنفايات يجب أن ترفع بلا شروط (هو والبند العالق).
ـ التأكيد على ضرورة معالجة مسألة جبل النفايات في برج حمود.
ـ الاتفاق على مرحلة انتقالية تدوم لسنة كحد أقصى، بعدما أعلن رؤساء الاتحادات والبلديات عدم جهوزيتهم لبدء معالجة النفايات ضمن إطار اللامركزية.
– الاتفاق على تشكيل هيئة إشراف ورقابة تعمل مع السلطات الرسمية واتحادات البلديات، وقد تقدم النائب غسان مخيبر بعرض مفصّل حول مضمونها وآلية عملها، ودورها في أن تكون المكوّن الذي سيتابع عملية تطوير التفاهمات وتقوم بالدور الرقابي خلال المرحلة الانتقالية، حتى لا يكون المجتمع المدني والسلطات المحلية بعيدة من أي قرار يُتخذ. واذا تركنا الأمر للبلديات أو النواب، من دون خلق هذه الهيئة، فاللامركزية ستأخذ سنوات.
وأكّد كنعان “الالتزام الجدي من قبله ومن قبل الأطراف المعنيين”. وقال: “قررنا المتابعة مع البلديات ووزارة الداخلية وحثّهم وتحفيزهم على الوصول إلى نتيجة خلال سنة. كما أن العائدات والحوافز المطلوبة من الحكومة يجب عدم التأخر فيها إذا كنا جديين بمعالجة النفايات في كل قضاء”.
وقال كنعان: “هناك بعض النقاط العالقة التي ستكون مدار متابعة خلال 24 ساعة للوصول إلى الأطر التنفيذية التي تم الاتفاق عليها”، مشيراً إلى أن “ما من احد يتمتع بالحد الأدنى من المسؤولية الا ويدعم الذهاب نحو الحلول الممكنة والواقعية، لرفع النفايات من الشارع وفرزها”. كما أكد لـ “السفير” أنه لا يجب أن يكون هنالك أي شروط في ما يتعلق بصحة الناس ومصداقية الأطراف. وأضاف أنه لن يتحرك إلا إذا لمس استعداداً جدياً للالتزام بما طرح في الجلسة، مبدياً رفضه التام لدعوة اللجنة إلى جلسة ثالثة.