لم يكن الكثر في لبنان يعلمون ان في سجوننا محكومين مصابين بأمراض نفسية او عقلية تخطت فترة سجنهم مدة محكوميتهم لكنهم ما زالوا قيد الاحتجاز في تناقض جوهري مع أبسط حقوق الانسان والمساواة والعدالة الاجتماعية! هذا الواقع المأسَوي دفع جمعية “كثارسيس” (المركز اللبناني للعلاج بالدراما) لأخذ مباردة قيّمة وبجهود جبارة وتعاون مع نواب ووزارات العدل والداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية وحقوقين ومدراء سجون لاقامة ورشات عمل امتدت لسنتين بغية الوصول لهدف واحد: تعديل بعض مواد قانوني العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية المتعلقة بالمرضى العقليين أو النفسيين مرتكبي الجرائم، واقتراح قانون لتعديل بعض مواد قانون العقوبات وقانون تنفيذ العقوبات لإيجاد حل لإشكالية ٳطلاق سراح المحكومين بالمؤبد.
الممثلة زينة دكاش: “يستخدمون تعابير مهينة”
المديرة التنفيذية في جمعية “كثارسيس” الممثلة زينة دكاش، التي تعمل جمعيتها منذ العام 2006 في السجون بغية تقديم خدمات علاج نفسي بالدرما ولمسرح حيث يعبر المساجين عن انفسهم ويوصلون صوتهم لصانعي القرار، تشرح في حديث لـIMLebanon أن “المشروع الأخير به كان بتمويل من الاتحاد الأوروبي ويستهدف شريحتين من الناس المنسيين كليا في السجون، وهم المرضى النفسيين والمحكومين مؤبد، فالمشروع تضمن مسرحية مثّل بها المساجين امام الجمهور أوصلوا بها صوتهم وما هي الأمور التي يجب ان يتم تعديلها”.
وتشير دكاش الى أننا “كنا نعمل أيضا من خارج السجن حيث تواصلنا مع وزارة العدل وقدمنا هذين الاقتراحين خصوصا ان قانون العقوبات الذي يُعمل به لا يزال من العام 1943 ويقول ان كل مريض نفسي ارتكب جريمة يدخل الى السجن لحين الشفاء”، وتضيف أنه “مع الأسف لا يتم تسميت المريض بالمريض النفسي بل يتم استخدام اسماء مهينة كمجنون ومعتوه وممسوس، لذلك بداية قمنا بتعديل التسميات قبل كل شيء وشددنا على ان هذا الأمر اسمه مرض نفسي”.
المرضى النفسيون مع السجناء “العاديين”!!
دكاش تشدد على أنه “ليس هناك أي شفاء في الأمراض النفسية فالأمر مستحيل وكل ما في الأمر هو ان حالت المريض تستقر لذلك اقتراحنا هو أن يتم السماح للمريض النفسي بالخروج الى الحرية بعد التأكد من أن حالته استقرت”، وتشير الى أن “لبنان لا يملك سوى مأوى احترازيا واحدا في سجن رومية بني في العام 2002 من أصل 21 سجن في كل المناطق”.
وتكشف أن “المرضى النفسيين يتم وضعهم مع المساجين العاديين لان ليس هناك اي مكان لوضعهم في مكان احترازي وليس هناك اي طبيب او ممرض لمتابعة المرضى”.
وتوضح دكاش أن “الأمور الايجابية التي أنجزها الاقتراح هي إلغاء التسميات المهينة كممسوس ومجنون ومعتوه ووضعها تحت اسم مريض نفسي، وإلغاء كلمة الشفاء التام واستبدالها بكلمة الاستقرار، واضافة الى المأوى الاحترازي أضيفت كلمة مستشفى اي المكان الذي يمكن ان يوضع فيه المريض النفسي”.
محكومو المؤبد.. والشروط التعجيزية!
أما بالنسبة للاقتراح المتعلق بمحكومي المؤبد، فتشير دكاش الى أنه “من العام 2011 اصبح المحكوم مؤبد يستفيد بتخفيض عقوبته اذا كان عنده حسن سلوك في السجن، ولكن للأسف هذا القانون الذي وُضِع يتضمن شرطَين تعجيزيَين هما إما دفع المال لأهل الضحية أو الحصول على إسقاط حق شخصي من أهل الضحية”، وتؤكد ان “هذين الشرطين مستحيلين في بلد لا يتمتع بثقافة مسامحة بالإضافة الى ان المحكوم مؤبد لا يملك المال ليدفعه لأهل الضحية”.
وتلفت الى أننا “قمنا بمقارنة القانون اللبناني بقوانين دول عدة أوروبية وعربية واكتشفنا ان القانون هو نفسه في تلك الدول أيضا، وانه اذا كان يتمتع السجين بحسن سلوك يخرج من السجن بعد دفع المال لأهل الضحية، ولكن المفارقة هي انه يخرج أيضا حتى لو لا يملك المال بعد التأكد من انه فقير ولا يملك المال”، وتكشف أنه “عندما قمنا بالاحصاءات لكي نرى عدد السجناء الذين استفادوا من قانون تخفيض العقوبات بفضل حسن السلوك، تبين أن هناك سجينا واحدا من أصل 57 محكومين مؤبد استطاع الخروج لأنه يملك المال.”
وتختم دكاش مشددة على أن “اقتراحنا للمكحوم مؤبد هو فصل الحق الشخصي عن الحق العام، فعند انتهاء مدة الحق العام يمكن للمحكوم ان يخرج، وفي حال تذكرته عائلة الضحية بعد خروجه وتريده ان يدفع المال عندها ترفع عليه دعوى مدنية في الخارج”.
مخيبر: وضع مزري للمركز الاحترازي
عضو لجنة حقوق الانسان البرلمانية النائب غسان مخيبر ، يؤكّد في حديث لـIMlebanon أن غالبية الأمراض العقلية لا تصل الى الشفاء الكامل ولا يمكن سوى السيطرة عليها، ولهذا السبب هناك اشخاص يبقوا محكومين لوقت طويل وغير مقبول تحت حجة عدم شفائهم من الأمراض العقلية، على سبيل المثال موضوع مرضى “الشيزوفرينيا” (إنفصام في الشخصية)، لذلك هنا يصار السيطرة على المريض ولكن من دون الشفاء التام، وهذه الثغرة عمل اقتراح القانون على سدّها ومعالجتها لكي لا يستمر القضاء والنظام السجني باحتجاز اشخاص احترازيا بالمنطق الاحترازي لأزمان طويلة جدا تخالف معايير العدالة والمنطق السليم والعلم وحقوق الانسان”.
ويلفت مخيبر الى أن “المركز الاحترازي الذي يوضع فيه المريض هو مكان خاص ومن المفترض ان يكون سجنا او شبه مستشفى”، كاشفا أن “المكان الاحترازي الوحيد في سجن رومية وضعه مزري جدا وهذا الأمر بحد ذاته مشكلة، ولكن المطروح هو انه عندما تتوفر الشروط التي وضعها القانون، فهؤلاء الأشخاص يعودون الى الحرية والى عائلاتهم ولا يبقوا في الأمكان الخاصة”.
لا للظلم
ويشدد مخيبر على أن “القانون اليوم يعتبر ان المريض النفسي الذي قام بأي جرم ينطبق عليه تدابير احترازية، وبالتالي القانون لا يعتبره مثل سائر المجرمين لان المرضى العقليين فاقدي التمييز، يحاكمون ولكن لا يمكن انزال عقوبات جزائية بحقهم كونهم غير مميزين وتكون منتفية شرط الارادة الجرمية عندهم، لهذا السبب اقتراح القانون يأتي ليحل معضلة، او ثغرة في القانون اللبناني بمجموعة تدابير تحفظ توازن ضروري ما بين الحاجة للعدالة والحاجة لهؤلاء لأن يكونوا أحرارا بالرغم من عدم شفائهم الكامل”.
ويؤكد أن “المعقوات الأساسية هي في القانون الذي يشترط الشفاء التام للمريض النفسي لكي يتم اخلاء سبيله ولاسقاط التدابير الاحترازية عنه وهذا ما يعالجه القانون ويقوم بوضع آلية له لكي لا يتم ظلم أي مريض”. ويختم مخيبر أن “هناك أمراضا لا يكون فيها شفاء تام للمريض مثل حالات “الشيزوفرينيا” ولا يمكن إلا ضبطها والسيطرة عليها ولكي يتم الافراج عنه يشترط على ألا يشكل أي خطر على نفسه وعلى المجتمع، واذا توافرت الشروط التي حددها القانون عندها يستفيد من اطلاق سراحه”.