Site icon IMLebanon

تقرير IMLebanon: سرّ مذكّرة علي حسن خليل… “تشييع” الأرض! (رولان خاطر)

 

 

 

تقرير رولان خاطر

“أرض العاقورة بالنسبة لنا كأرض الجنوب بالنسبة لهم، ولو غطّت الدماء المتوسط”، هي امانة حمّلنا إيّاها أهالي العاقورة خلال زيارتنا للبلدة وجرودها لتصل لمن يعنيهم الأمر.

أهالي العاقورة رغم الانقسام السياسي الواضح في البلدة، توحدّوا في وجه الظلم، مؤكدين رفضهم المذكرة الادارية الصادرة عن الوزير علي حسن خليل بشأن أعمال التحرير والمسح في البلدة.

110 ملايين متر رُسمت بالدم، وهي ملك لابناء العاقورة منذ مئات السنين، تريد وزارة المالية نقلها الى اسم “الجمهورية اللبنانية”. ولكن أليس الأجدى أن تقوم “الجمهورية” أولاً قبل أن يأتي معالي الوزير ويقرّر في ليلة شتاء بارد في 31-12-2015، نقل كل ما يسمى “مشاعات” الأهالي إلى حضن “الجمهورية”.

في القانون، إنّ مذكرة إدارية لا تلغي قانوناً، وما يطلب وزير المالية تطبيقه على مشاعات العاقورة هو مخالفة قانونية.

فالمشاعات ليست أراض أميرية، وبالتالي لا يمكن أن تصبح هذه المشاعات ملكاً للدولة إلا بقانون يعدل قانون الملكية العقارية، ولا يمكن التصرف بهذه المشاعات إلا بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناء لطلب المجالس البلدية.

ويقول رئيس بلدية العاقورة الدكتور منصور وهبي لـIMLebanon إنّ القانون الذي يسري على حق الملكية هو المرسوم الاشتراعي رقم 3339 الصادر عن المفوض السامي في عهد الانتداب بتاريخ 12/11/1930، وهو يسمّى “قرار قانون”، ينظم الملكيات العامة في الدولة اللبنانية، وهذا القرار تم تعديله مرتين، مرة في العام 1971 ومرة أخرى في العام 2000، أيّ قبل الطائف وبعده، وقد تم تعديل المادة 7 فيه، فيما بقيت المادة 5 من دون تعديل، والتي تستثني كل بلدات وقرى ومشاعات جبل لبنان القديم بما فيها العاقورة، (المتصرفية، الإمارة المعنية الشهابية، والقائمقاميتين) كونها خاضعة لقوانين واعراف واجتهادات خاصة.

 

 

إذا، المادة 5 تستثني بلدات جبل لبنان القديم وتبقى خاضعة للأعراف القديمة. وهذه المادة لم تعدّل في مجلس النواب، وهناك احكام منذ أيام المتصرفية ودفتر مساحة يحدد حدود العاقورة، وصك مصالحة داخلي يعود للعام 1906، وحكم صادر سنة 1936 عن القاضي عبدو أبو خير وضع حدود العاقورة بالنسبة لمحافظة الشمال أي تنورين، ومحافظة البقاع ايّ اليمونة شمسطار، وأقضية كسروان الفتوح.

 

 

 

وهبة يؤكد ان هذا القانون لا يزال صالحاً، والاستثناء فيه لم يخضع لأي تعديل حتى اليوم، وتغاضي وزير المال عن القانون وتجزئته فهو “كمن يقول “لا إله…”.

“العواقرة” (نسبة إلى العاقورة) يرفضون هذه “الهمروجة” التي تحصل كل 20 و 30 سنة، ويؤكدون انه لا يمكن من خلال مذكرة صادرة عن وزير نقل مشاعات أبناء العاقورة وأملاكهم إلى الدولة اللبنانية، وبالتالي مذكرة الوزير باطلة ولا تعنيهم بحسب مختار البلدة حكمت الهاشم، فلا يستطيع الوزير ان يقرأ المادة 7 من دون والتغاضي عن المادة 5.

المذكرة لا تشمل فقط العاقورة، بل الأراضي من عكار إلى جزين، ما صعّد ردات الفعل التي توالت على المذكرة، خصوصاً ان العديد من الوزراء والنواب لم يكونوا على علم بها، فأطل وزير المال علي حسن خليل في 1-9-2016، “متذاكياً” على اللبنانيين، متوجهاً بكلامه إلى أهالي العاقورة، “مطمئنا”: “إنّ هذه المذكرة لا تنطبق على منطقة جبل لبنان لان منطقة جبل لبنان والعقارات الواقعة على اراضي جبل لبنان السابقة الممتدة من جزين حتى بشري معرّفة عقاراتها بنوع الملك وليست بعقارات المتروكة المرفقة وبالتالي لا تنطبق عليها هذه المذكرة… التي لا علاقة لها بقانون الملكية العقارية الذي يستثني في مادته الخامسة العقارات الواقعة في اراضي حكومة جبل لبنان السابقة”… مع العلم أن الوزير في مذكرته لم يستثن أي منطقة أو بلدة أكانت داخل او خارج جبل لبنان.

من هنا، كان تخوّف منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد من وجود “خلفيات” وراء هذه المذكرة، داعياً وزير المال إلى “إصدار توضيح خطّي من وزارة المال اما بإلغاء المذكرة او بإضافة نصّ صريح عليها يُفيد بان جرد جبل لبنان مُستثنى من المذكرة”.

للاطلاع على مذكرة الوزير علي حسن خليل، إضغط هنا

 

 

أسئلة من دون أجوبة!

إذاً مذكرة الوزير تأمر بوضع “مشاعات” القرى التي تعود ملكيتها عمليا لمجموع أبناء كل بلدة وقرية، والممتدة من عكار إلى جزين باسم الدولة اللبنانية، إلاّ أنّ “تهريب” المذكرة بهذا الأسلوب “السرقة”، يطرح تساؤلات، تتعلق بخلفيات هذه الخطوة بعد التجارب التي عاشتها مناطق جنوبية كثيرة، حيث تمت مصادرة أملاك الدولة ومشاعاتها لمصلحة محسوبين على الثنائي الشيعي.

فإذا كان وزير المالية حريص فعلاً على الدولة وهو يخوض معركة الحفاظ على أملاكها واملاك اللبنانيين، فلماذا لم يطرح المشروع على مجلس الوزراء؟

كيف يمكن اتخاذ قرار تعديل واقع امتد على مئات السنوات بمذكرة ادارية من دون عرضه لا على مجلس النواب ولا على مجلس الوزراء، وثانيا عبر مسّه بمنطقة تشهد تاريخيا صراعات مع الجوار، فالصراعات بين العاقورة مع اليمونة تعود إلى مئات السنين.

طالما أن خلفية الوزير “مؤسساتية” محض، فلماذا لم يحوّل طلبه إلى مشروع قانون على مجلس النواب، أو يطلب تعديل المادة 5 من المرسوم الاشتراعي رقم 3339.

إذا تم نقل ملكيات أهالي القرى والبلدات من المشاعات إلى الدولة، من يضمن ان لا تقوم الدولة اللبنانية في المستقبل بإعطاء استثمار هذه الأراضي لأبناء الشمال او البقاع أو كسروان؟ ومن يكفل الا يتم تأجيرها او بيعها او حتى تغيير معالمها الديمغرافية؟

عن اي جمهورية يتحدثون والى اي جمهورية يريدون نقل العقارات؟

على ضوء الصراعات والنزاعات الموجودة منذ سنوات طويلة بين أهالي العاقورة وأهالي اليمونة، لا يمكن فهم القرار إلا استهداف لأراضي المسيحيين كما يقول اهالي العاقورة، على ضوء ما يحصل في “لاسا” من اعتداء على أراضي الكنيسة والبطريركية المارونية، وكأن الأمر هدفه تهجير المسيحيين من بلاد جبيل وكسروان. وما لا يستطيعون الحصول عليه في القوة العسكرية يحصلون عليه بقوة القانون، أي “تشييع الأرض”.

وأمام هذا الواقع، سؤال آخر، بكبير من الخطورة والأهمية يطرح نفسه. فكما هو معلوم، إن كل “مشاعات” الدولة اللبنانية هي بتصرف وزارة المالية، التي لها كل الاختصاص والقدرة على التصرف بها، وفقاً لما تقتضيه المصلحة الوطنية، وبالتالي، ماذا لو قرر الثنائي الشيعي مستقبلاً، تحت شعار تحقيق التوازن في السلطة، وفرض المثالثة بطريقة ملتوية والتفافا على الدستور، ان يحتفظ بوزارة المالية له.

ومعلوم في هذا الإطار، أن أي مرسوم لا يصبح ساري المفعول إلا بعد توقيع وزير المالية عليه، مما يجعل هذا الوزير مشاركاً أساسياً في تنفيذ او عدم تنفيذ القرارات او المراسيم الصادرة عن الحكومة.

هذا الأمر إن حصل، يجعل كل مشاعات لبنان تحت سلطة “الثنائي الشيعي”، ما جعل الهواجسس تطوف على السطح وتعارض مذكرة الوزير التي لا قيمة قانونية لها.

أهالي العاقورة، وفي نهاية رحلتنا، يقولون: “صرختنا، صرخة حق بوجه الظالم، بنينا أرضنا ببحر من الدم، علمنا أبجدية المقاومة للعالم، وسطّرنا انتصارات في الجرود وفي كل مكان. تاريخ العاقورة وجبل لبنان تاريخ انتصارات، أورث البطولة إلى كل الأجيال، فخسئ من يمتهنون اليوم الخبث السياسي ليسيطروا على أرض ويغيروا هوية ثُبتّت بالدم، لدولة “غرقانة” في الذل والاحتلال والفوضى.