كتبت كاتيا توا في صحيفة “المستقبل”:
هي المنظومة المخابراتية السورية نفسها لنظام بشار الأسد التي حاولت قبل عام تماماً من حصول تفجير “مسجدي التقوى والسلام” في طرابلس، تفجير الساحة اللبنانية بتوجيه ضربة قاسية لمنطقة الشمال عبر أحد أدواتها في لبنان ميشال سماحة ومن ورائه رئيس جهاز الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك، مستخدمة هذه المرة أداة أخرى لها في لبنان هي الحزب العربي الديمقراطي.
وها هي “شعبة المعلومات” في قوى الأمن الداخلي مرة جديدة، تضع بين أيدي المحقق العدلي في جريمة تفجير المسجدين القاضي الاء الخطيب خلاصة عملها الاحترافي في الجريمة، ولا سيما لجهة التحاليل الفنية والتقنية، عملٌ توّج أمس بصدور القرار الاتهامي الذي دلّ ودون أدنى شك على منظومة أمنية مخابراتية عالية الموقع داخل المخابرات السورية، أعطت الأمر وشاركت في التخطيط والمساعدة لإتمام تفجير المسجدين بحيث استطاعت التحقيقات كشف بعض المتورطين الصغار فيها فيما لم تتوصل التحقيقات الباقية الى أدلة موثقة بحق الأمنيين والضباط الآخرين الرفيعي الرتبة والموقع المتورطين في عملية إعطاء الإمرة والتخطيط والتنسيق والمساعدة على التفجير.
ولم يكتفِ القاضي الخطيب بملاحقة “الضباط الصغار” إنما قرر تسطير مذكرة تحرٍ دائم لمعرفة هويات الضباط والأمنيين في المخابرات السورية المتورطين في الجريمة ليصار الى ملاحقتهم وفقاً للأصول.
وإذا كانت “شعبة المعلومات” قد تمكنت من خلال الدراسات التحليلية للأرقام الهاتفية المشبوهة كشف هوية “المتورطين الصغار” في جريمة تفجير المسجدين التابعين للمخابرات السورية النقيب محمد علي علي والمسؤول في جهاز الأمن السياسي السوري ناصر جوبان وخضر لطفي العيروني، فإن تلك التحاليل نفسها قد كشفت عن حصول مئات الاتصالات الهاتفية بين الموقوف أحمد غريب الذي يمتهن العمل الأمني وبين المسؤولين في مكتب اللواء مملوك عبر المدعوين عبد الناصر والعميد محمد عبدالله.
القرار الاتهامي الذي يقع في 44 صفحة “فولسكاب” حدد أدوار المتهمين، الموقوفين الثلاثة، الى أحمد غريب، مصطفى حوري ويوسف دياب، وثمانية فارين بينه ثلاثة سوريين، واعتبر أن الشيخ هاشم منقارة لم يعمد الى إبلاغ السلطات عن جناية تقع على أمن الدولة وأدانه بجنحة تُعاقب بالسجن من سنة الى ثلاث سنوات، وإنْ كان منقارة قد نفى إبلاغ غريب له مخطط النقيب علي في حصول تفجيرات، غير أنه بمواجهة الرجلين أصّر كل منهما على أقواله، الأول في إعلام منقارة بالأمر والأخير بالنفي، وهو موضوع تحت المراقبة القضائية وممنوع من السفر.
وأسقط القرار الملاحقة عن رئيس الحزب العربي الديمقراطي علي عيد بسبب الوفاة وهو كان تخلف عن المثول أمام القضاء بعد اتهامه بتهريب أحد المطلوبين في الجريمة الى سوريا. كما قرر القاضي الخطيب إخلاء سبيل الموقوفين أحمد محمد علي وشحادة عبدالله شدود بدون كفالة مالية واللذين يلاحقان بتهمة التدخل في الجريمة.
وطلب الخطيب الإعدام للموقوفين غريب ودياب وللفارين الآخرين بينهم السوريين الثلاثة والأشغال الشاقة المؤبدة لحوري.
وبحسب القرار فإن حوري أدلى بمعلومات أبلغه اياها غريب عن حصول تفجيرين وفاتحه بموضوع الانتقام من الشخصيات المعادية للنظام السوري، غير أن حوري شعر بضرورة إخبار السلطات الأمنية بالموضوع، وهذا ما حصل.
ومن هنا بدأت خيوط جريمة تفجير المسجدين تتكشف لدى “شعبة المعلومات” التي أقر غريب أمام محققيها عن لقاءات أربعة جمعته بالضابط السوري محمد علي كانت مخصصة حصراً بموضوع التفجير.
غريب الذي كان مسؤول العلاقات العامة في حركة التوحيد والذي ارتبط بالضابط السوري علي بعلاقة أمنية بامتياز، كان يحتفظ بذاكرة هاتفه برقم سوري مشبوه بقضايا أمنية أخرى، والذي استُخدم في إرسال رسائل الى هواتف بعض شخصيات 14 آذار عقب استشهاد اللواء وسام الحسن.
وفي دراسة معقدة ودقيقة وتحليل للاتصالات الهاتفية العديدة، تمكنت شعبة المعلومات من الوصول الى هوية السوريين من المخابرات المتورطين في الجريمة، وأثبتت التحقيقات أن خضر العيروني اشترى سيارة الانفوي التي انفجرت أمام مسجد التقوى وسيارة الفورد التي استهدفت مسجد السلام.
ومن خلال رصد مسار السيارتين فقد حضرتا من جهة الحدود الشمالية عبر طريق الهرمل-القبيات آتيتان من الحدود السورية من دون أن تخضعا لأي تفتيش من قبل الجيش النظامي السوري على حواجزه بعد تسهيل مرورهما على الحدود، و”باتت” السيارتان المفخختان في “عرين” الحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن وذلك قبل يومين من وقوع التفجير. ويوم الجمعة في 23 آب العام 2013 عمد دياب وخضر شدود الى ركن سيارة الفورد أمام مسجد السلام فيما تولى مرعي وسلمان أسعد ركن الأخرى أمام مسجد التقوى ليتم تفجيرهما عن بعد بفارق عشر دقائق بين التفجيرين اللذين أوقعا خمسين شهيداً وأكثر من 800 جريح.