كتبت رولا حداد
أزمة النفايات في لبنان ليست ذات خلفية بيئية، ولا يمكن أن تكون كذلك. فبكل بساطة الحلول البيئية للنفايات موجودة ومُعتمدة في كل الدول المتحضرة والأقل تحضراً. لا توجد دولة في العالم لا تعرف كيف تعالج نفاياتها، وهذا أمر مسلّم به.
أزمة النفايات في لبنان تجسّد تعبيراً صارخاً ومقرفاً عن أزمة الطبقة السياسية التي تغرقنا في النفايات جراء منطق تقاسم الجبنة ومنافع السلطة. ووفق هذا المنطق لا تعود المقاربة لملف النفايات لدى هذه الطبقة مرتبطة بمعالجة الأزمة، بل بكيفية استخراج أكبر قدر من “الجبنة” من النفايات، ولو كان ذلك على حساب البيئة وصحة المواطنين، ولو تسبّبت هذه الممارسات بأمراض لجميع اللبنانيين!
ما نعيشه اليوم من مشاهد متجددة لأطنان النفايات في الشوارع وبين المنازل وعلى جدران المستشفيات، ما هو إلا أحد مظاهر انحلال الدولة نتيجة التحلّل للأخلاق لدى الطبقة السياسية، وتحوّلها من “مجموعة مسؤولين” تجاه اللبنانيين الى مجموعة منتفعين وفاسدين يحكمون اللبنانيين لتحقيق ثروات.
وما ينطبق على النفايات ينطبق على كل الملفات الأخرى. ففي ملف الكهرباء يصرّ المسؤولون على عدم إيجاد حلول ما لم تضمن لهم تحقيق ثروات هائلة على حساب خزينة الدولة وجيوب المواطنين. الحلّ منذ سنوات سهل جداً: خصخصوا الإنتاج فتتأمن الكهرباء 24 على 24 لجميع اللبنانيين ونوفر على الخزينة فساداً وهدراً بقيمة ملياري دولار سنوياً. لكن المطلوب ليس تأمين الكهرباء ولا وقف الهدر، بل ابتزاز اللبنانيين، تماماً كما في قضية النفايات، لإخضاعهم ليقبلوا بتمرير أكبر صفقات الفساد.
هذا المنطق يمكن تعميمه على كل القطاعات في لبنان لفهم جوهر الأزمات التي نعيشها. ويُخطئ من يظن أن الصراع السياسي القائم في لبنان هو سبب الأزمات. فالصراع في كل ملف ينتهي عند تأمين المحاصصة التي ترضي كل أطرافها، والأزمة تنفجر عند وقوع خلاف على الحصص.
لذلك يمكن أن نبشّر اللبنانيين بأن مسلسل أزماتهم لن ينتهي قريباً، سواء في النفايات أو الكهرباء أو أزمة السير أو الاتصالات والانترنت أو أي ملف أياً يكن عنوانه، طالما أن الطبقة السياسية التي تحكمنا هي نفسها، وهي توزّع مغانم السلطة على مختلف أطيافها، وتتساوى بالفساد بشكل عابر للاصطفافات السياسية والمذهبية.
وفي انتظار الثورة الحقيقية ستغرقون أيها اللبنانيون بمزيد من النفايات والفساد على كل المستويات!