كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:
خلال انتقاله في طوافة تابعة للجيش من بيروت الى صور، بغية المشاركة في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، تسنى للرئيس نبيه بري ان يرصد من الجو، وبالعين المجردة، التدفق الجماهيري عبر شوارع مدينة صور، لحضور المهرجان الذي أقيم للمناسبة، فأدرك أن الفقرة المتعلقة بـ”قوة الناس” في خطابه، إنما هي نسخة طبق الأصل عن الواقع.
ومع انعقاد طاولة الحوار الوطني اليوم، ستتضح أصداء رسائل الخطاب، فيما كشف بري لـ”السفير” عن أن بعض الاطراف السياسية أبلغته بأسماء مندوبيها إلى ورشة “مجلس الشيوخ وقانون الانتخاب” التي جرى التفاهم عليها في الجلسة السابقة، فيما تمنّع آخرون، آملا في ان تسمي جميع القوى ممثليها خلال اجتماع هيئة الحوار اليوم، كما كنا قد اتفقنا من قبل، “وإن كنت أخشى من تسويف البعض”.
ويشير بري إلى أنه في حال تعثرت الورشة الاصلاحية المقترحة لهذا السبب أو ذاك، فإنه أعد تصوراً آخر يتعلق بقانون الانتخاب، يُفترض أن يشكّل أرضية للتلاقي بين المتحاورين، محذراً من أن هذا الطرح سيكون بمثابة الفرصة الاخيرة قبل أن يداهمنا الوقت ويصبح من المتعذر وضع قانون جديد للانتخابات النيابية.
ويعرب بري عن خشيته من أن هناك قوى سياسية تضمر الدفع في اتجاه إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين، إما بناء على تحالفات مستجدة وإما خوفا من النسبية.
ويلفت بري الانتباه الى انه استعان بكل بلاغة اللغة العربية وأرانبها على طاولة الحوار للمواءمة في وقت واحد بين إنشاء مجلس الشيوخ وفق “القانون الارثوذكسي” وبين حصول الانتخابات النيابية على أساس وطني متحرر من القيد الطائفي مع المحافظة على المناصفة، مبدياً أسفه لكون البعض يتعاطى مع هذه الفرصة إما بالتذاكي وإما بالولدنة.
ويشدد بري على أنه ليس وارداً لديه القبول بتشكيل مجلس شيوخ من دون الاتفاق على انتخاب مجلس نيابي وطني، لافتا الانتباه الى ان هذين المسارين متلازمين، “ولبنان ليس بحاجة أصلا الى المزيد من المجالس الطائفية، في ظل كونفدرالية الطوائف التي تتحكم بنا، بدءا من البرلمان وصولا الى الحكومة. وإذا كان هناك من حافز لتأسيس مجلس الشيوخ فهو انه سيترافق مع جرعة إصلاحية تتمثل في انتاج برلمان عصري يعزز المواطنية على حساب الانتماءات الضيقة.”
ويعتبر بري ان انتخاب مجلس نيابي وطني متحرر من القيد الطائفي سيغير وجه لبنان الذي بات مزدحما بالتجاعيد الطائفية والمذهبية، مشددا على ان المسيحيين سيكون لهم الدور المؤثر والصوت المرجح في أي انتخابات نيابية يمكن ان تتم، وفق النسبية وعلى اساس لبنان دائرة واحدة، خلافا لما يعتقده بعض المسيحيين.
ويضيف بري: برغم ان هناك العديد من التباينات بيني وبين العماد ميشال عون، إلا انني أسجل له شجاعته في القبول باعتماد النسبية الشاملة على قاعدة لبنان دائرة واحدة، وهذه واحدة من المسائل الحيوية التي نتفق وإياه عليها.
في المقابل، لا يخفي بري اختلافه مع عون حول الموقف من الحكومة وميثاقيتها، مؤكدا انه يؤيد دعوة الرئيس تمام سلام الى انعقاد مجلس الوزراء الخميس المقبل، لان شرط الميثاقية لا يزال متوافرا فيه، برغم مقاطعة وزيري “التيار الوطني الحر” ووزير “الطاشناق”.
ويضيف: لا يزال يوجد في الحكومة تسعة وزراء مسيحيين، من بينهم أربعة موارنة.. فكيف تكون الميثاقية قد انتفت في هذه الحال، وهل يكفي ان يغيب مكوّن سياسي من لون طائفي معين عن الحكومة حتى يغدو ممنوعا عليها ان تجتمع؟
ويلفت الانتباه الى انه عندما استقال وزراء حركة أمل وحزب الله من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2006، طلبت يومها من السينورة ان يعين أي شيعي فيها، حتى تستعيد ميثاقيتها ويصبح بامكاني التعامل معها، فكيف مع وجود تسعة وزراء مسيحيين في الحكومة الحالية؟
ولكن بري يؤكد في الوقت ذاته انه يرفض ان يكون رأس حربة في المواجهة مع عون حول الوضع الحكومي، مشيرا الى ان هناك قوى أخرى معنية بان تتحمل مسؤولياتها وتتخذ الموقف المناسب من مقاطعة “التيار الحر” ومسألة ميثاقية الحكومة (غامزا بذلك من قناة “تيار المستقبل”). ويتابع: أنا اشعر بالود حيال عون على المستوى الشخصي وهو دمث الاخلاق، “وبالتأكيد عون مش قاتلي بيي…” قبل ان يضيف مبتسما: ولا أريده ان يقتل نفسه.
ويعتبر انه من الافضل ان تستقيل الحكومة إذا بقيت عاجزة، “واقله تصبح عندها مفيدة أكثر مما هي حاليا، إذ إن تحولها الى حكومة تصريف أعمال سيمنعها من التمادي في الإنفاق، وبالتالي ستكون مضطرة الى حصر المصاريف بما هو ضروري، والأكيد ان الوزير علي حسن خليل سيكون من أكثر السعداء في مثل هذا الوضع”.
وفي حين يبدو الافق الرئاسي مسدودا، يكشف بري عن ان الاستحقاق الرئاسي كان حاضرا في الاجتماع بينه وبين وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية توماس شانون، خلال زيارته الاخيرة الى لبنان.
وبعدما استمع بري الى الموقف الاميركي الكلاسيكي حول دعم الاستقرار وضرورة الاسراع في انتخاب رئيس الجمهورية، توجه الى ضيفه بالقول: انتم الآن تتكلمون مع الايرانيين والسعوديين.. حاولوا في الملف الرئاسي ان تفعلوا شيئا على خط طهران ـ الرياض.