IMLebanon

الحوار أمام متلازمة ثلاثية

dialogue-table-august-2

كتب محمد شقير في صحيفة “الحياة”:

تتجه الأنظار الى جلسة الحوار الوطني اللبناني التي يستضيفها اليوم رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة وسط تساؤلات عما إذا كانت نهايتها ستكون مملة كسابقاتها من الجلسات الحوارية، أو أنها ستتمكن من تسجيل خرق يمكّن المتحاورين من التأسيس لمرحلة سياسية جديدة تفتح الباب أمام التوافق على تفاهمات معينة، ليست مرئية حتى الساعة، إلا في حال تقرر اعتماد خريطة الطريق التي رسمها بري في الذكرى الثامنة والثلاثين لإخفاء الإمام السيد موسى الصدر في ليبيا، وفيها ثلاثية متلازمة تجمع تحت سقف واحد بين انتخاب رئيس للجمهورية والتفاهم على قانون انتخاب جديد وشكل الحكومة العتيدة، أي الإطار العام لها من دون الدخول في الأسماء رئاسة وتوزيراً، لأنها خاضعة لآلية دستورية لا بد من التقيد بها.

وقبل الخوض في ردود الفعل على ما طرحه الرئيس بري الذي جاء كناية عن سلة سياسية متكاملة، من غير الجائز الفصل بين هذا البند أو ذاك، لا بد من التوقف أمام تفسير ما قصده بطرحه هذا منعاً للالتباس والاجتهاد اللذين يدفعان البعض الى تحوير موقفه، سواء عبر اعتماد الاستنسابية، أي أن يأخذ منه ما يروق له ويخدمه سياسياً، أو من خلال استخدامه في معرض المزايدة بحثاً عن المزيد من الشعبوية في شارعه السياسي.

وفي هذا السياق، قالت مصادر نيابية مواكبة للموقف الذي أعلنه بري، إن الأخير ليس في وارد أن يتصرف البعض مع طرحه وكأنه يصدر أمر عمليات يفرض على المتحاورين الاستجابة له و “نقطة على السطر”.

ولفتت المصادر نفسها لـ “الحياة”، الى أن بري لم يستهدف هذا الطرف أو ذاك عندما أشار في خطابه الى أن العبور الى الدولة يتطلب وقف الدلع السياسي، وقالت إن رئيس المجلس أراد تحميل المسؤولية للجميع بلا استثناء لأنه لم يعد مقبولاً البقاء مكتوفي الأيدي والبلد ينهار أمام عيوننا وبالتالي لم يعد من مبرر لتمديد فترة الانتظار ريثما يتبلور الوضع في المنطقة، خصوصاً إذا ما طالت هذه الفترة.

وأوضحت المصادر عينها أن الرئيس بري لم يقصد التهديد بشارعه في مقابل تهديد “التيار الوطني الحر” باستخدام شارعه، وقالت إنه قصد أن الجميع موجودون في الشارع وأن الاستقواء به لا يخدم أحداً لأن سلبياته ستكون أكثر بكثير من إيجابياته وهذا ما استخلصه جميع من هددوا بالنزول إلى الشارع.

كما أوضحت أن رئيس البرلمان لم يقصد أبداً الاتفاق على تشكيل الحكومة العتيدة بمقدار ما أنه ركز على ضرورة التفاهم حول شكل الحكومة، أي الإطار العام لها، لأنه يعود للمؤسسات الدستورية الدور الأول والأخير في رسم سقف آلية تشكيل الحكومات.

لا بديل من الحريري

لكن الرئيس بري -كما تقول المصادر هذه- لا يزال على موقفه بأن لا بديل من زعيم تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة، باعتبار أنه يشكل الرافعة الأساسية في مواجهة كل أشكال التطرف والتعصب، إضافة الى أنه وحده القادر على ضبط إيقاع الشارع “مع احترامي لغيره من المرشحين لهذا المنصب”.

وأكدت أن بري لا يتوخى من كلامه تسديد فاتورة سياسية للحريري، وإنما يريد منذ الآن أن يقول كلاماً واقعياً وإلا التطرف قد يكون واحداً من “الخيارات” التي لا نريدها لبلدنا.

وتطرق بري -وفق المصادر هذه- الى ملف الاستحقاق الرئاسي، وقال: “أنا موقفي معروف ولا أخجل به، لكن إذا حصل توافق على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية لن أكون عقبة في وجه انتخابه”.

وغمز بري من قناة وزير الخارجية جبران باسيل الذي كان أطلق مجموعة من “اللعنات”، وقال إنه كان في غنى عنها، خصوصاً أن الميثاقية لم تكن في مرة من المرات انتقائية أو استنسابية أو على قياس فريق دون الآخر يعطي لنفسه حق احتكارها.

ورأى، كما تقول المصادر النيابية، أن استخدامها من فريق سياسي معين ليس في محله، لأنها تعني مكوناً أساسياً يمثل طائفة لبنانية فاعلة في الحياة السياسية “ونحن عندما نعتنا حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بالبتراء وبعدم الميثاقية استندنا الى استقالة الوزراء الشيعة منها، أما اليوم فإن الوضع ليس كذلك، مع أني لا أنكر الحجم التمثيلي لـ “التيار الوطني” لكن لا يحق له احتكار الحضور المسيحي في الحكومة الموجود فيها وهو يمثل شريحة كبرى من غير الجائز أن نتجاهلها”.

الاستقالة من الحكومة انتحار

وبالنسبة الى تهديد البعض بالاستقالة من الحكومة أو الانسحاب من الحوار الوطني، اعتبر بري أن الإقدام على واحدة من هاتين الخطوتين هو الانتحار وعلى صاحبه أن يتحمل مسؤولية قراره، لأن البلد في ظل الظروف الصعبة التي يمر فيها لا يتحمل المزيد من الفراغ.

وأضاف بري -كما تقول المصادر- إنه يمكن أي طرف في الحكومة أو مشارك في الحوار الوطني أن يقول لا أريد الحضور ومن حقه أن يجلس في بيته، لكن أن يذهب بعيداً في تجاوزه الخطوط الحمر فهذا يعني أنه يدفع عن سابق تصور وتصميم بالبلد إلى الهاوية في وقت قد نكون بأمس الحاجة لاتخاذ قرارات مصيرية لتمرير مرحلة الانتظار من جهة ولنكون على مستوى التحدي الذي يهدد البلد.

وإذ اعتبر بري أن الهروب الى الأمام من تحمل المسؤولية لا يُصرف في مكان سوى في تفتيت البلد، بدلاً من أن تتضافر الجهود للتعاون من أجل ملء الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، أكد في المقابل أن هناك ضرورة للتعامل مع الوضع الراهن بواقعية وبمسؤولية أيضاً بعيداً من التهويل و “تهبيط الحيطان”.

ماذا لو تعذر انتخاب الرئيس؟

ومع أن بري طرح في خطابه الأخير ثلاثية انتخاب الرئيس وقانون الانتخاب وشكل الحكومة، فإن مصادر وزارية تسأل عن البديل في حال استعصى على الكتل النيابية إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وهل يمكن في ضوء ذلك تعليق البحث في انتخاب الرئيس والانتقال فوراً الى مناقشة البندين الآخرين؟

ولفتت المصادر الوزارية الى أن الترابط في هذه الحال يمكن أن يدفع الحوار الوطني الى جولة جديدة من المراوحة، إلا إذا ابتدع بري المخرج الذي يقود الى مواصلة النقاش من دون أن يكون مقروناً بالموافقة النهائية على قانون الانتخاب وتشكيل الحكومة ما لم يحسم من هو الرئيس العتيد؟

ورأت المصادر نفسها، أن أحداً من المشاركين في الحوار لا يبيع ما لديه من أوراق سياسية مجاناً وبلا ثمن سياسي، أي يتوخى من مناقشة هذين البندين أن يكونا على قياس من يملأ الشغور في الرئاسة الأولى، وإلا عبثاً يحاور.

وتعود المصادر عينها بالذاكرة الى جدول أعمال طاولة الحوار فور معاودة اجتماعاتها برعاية بري، وتقول إنه كان يتضمن بحسب الترتيب ثلاثة بنود: انتخاب الرئيس، تفعيل العمل الحكومي وإعادة فتح أبواب البرلمان أمام التشريع. وتضيف أن تعذر التوافق على انتخاب الرئيس بعد التفاهم على مواصفاته كان وراء الانتقال إلى البندين الآخرين.

وتوضح: “لكن الانتقال الى تفعيل العمل الحكومي وإخراج مجلس الوزراء من الرتابة وقلة الإنتاجية التي ما زالت تحاصره، لم يجديا نفعاً، على رغم أن المشاركين كانوا أجمعوا على ضرورة تفعيل الحكومة وزيادة إنتاجيتها، إلا أن بعضهم سرعان ما “لحس” توقيعه.

وتابعت المصادر أن شلل الحكومة سرعان ما انسحب تعطيلاً حال دون العودة الى التشريع في البرلمان، ما اضطر أقطاب الحوار الى البحث عن بند بغية إدراجه على الطاولة لعله يساهم في تمرير لعبة الوقت وتمديد حال الانتظار، وقد وجد هؤلاء ضالتهم في تعويم البحث في قانون الانتخاب الجديد. لكن البحث فيه عاد الى المربع الأول على رغم أنهم اتفقوا على إعادة الاعتبار للجان النيابية المشتركة للبحث في القانون، إلا أن تفاهم أعضاء اللجنة على حصر النقاش بالمشروع المختلط الذي يجمع بين النظامين النسبي والأكثري على قاعدة الالتزام بمشروع الرئيس بري الذي يساوي في التمثيل بين النظامين، أي اعتماد مبدأ المناصفة في توزيع المقاعد النيابية، أو الآخر المقدم من “المستقبل” و “اللقاء النيابي الديموقراطي” وحزب “القوات اللبنانية” الذي ينص على 68 مقعداً على أساس الأكثري و60 وفق النظام النسبي.

لكن اللجـــان النيابية عجزت عن حصر النقاش بهذين المشروعين في ضــــوء إصرار “تكتل التغيير والإصلاح” علــــى المشروع الأرثوذكسي وتمسك حزب “الكتائب” بالدائرة الفردية وعدم ممانعة “حزب الله إجراء الانتخابات على أساس النظام النسبي، شرط جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة قبل أن يحسم موقفه بتأييده بلا تحفظ أي مشروع يتفق عليه الرئيس بري والعماد عون.

العودة إلى تشريع الضرورة

وهكذا، لم يكن أمام اللجان المشتركة من خيار سوى “إيداع” عجزها عند رئيس البرلمان، الذي سيعاود الكرّة في حوار اليوم، عله يستنبط بعض المخارج بالتوافق مع أقطاب الحوار، وإلا فإن حوار الانتظار سيطول. لكنه لن يعيق العودة إلى تشريع الضرورة مع بدء الدورة العادية في البرلمان في أول ثلثاء بعد الخامس عشر من تشرين الأول المقبل.

والجلسة النيابية الأولى من تشريع الضرورة ستقتصر على إعادة تشكيل هيئة مكتب المجلس تمهيداً لعقد جلسة تشريعية على جدول أعمالها مجموعة من البنود المالية التي لا مفر منها، وإلا ستكــون الحكومة، في حال عدم التصويت عليهـــا، عاجزة عن تغطية صرف الرواتب للموظفين والعاملين في القطاع العام بدءاً من تشرين الثاني المقبل.

كما أن تشريع الضرورة بات يحاصر الهيئة العامة في البرلمان، لأن لا مفر من التصويت على قانون تبادل المعلومات الخاصة بتبييض الأموال من أجل مكافحة الإرهاب، لما يترتب على عدم إقراره من ردود فعل سلبية من المجتمع الدولي والمؤسسات المالية العالمية لن يكون في مقدور لبنان استيعابها أو الاستخفاف بها.