كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
بعد ستة أشهر، سينضم قضاء كسروان إلى المناطق التي بدأت فرز نفاياتها. هذا الأمر سيؤكد وجود حلول بديلة لخيار الطمر من دون فرز وردم البحر، كما تريد الحكومة اللبنانية أن تفعل في منطقتي الجديدة وبرج حمود.
في تشرين الثاني من العام الماضي، علق مئات المواطنين في سياراتهم بسبب اشتعال “جبل النفايات” تحت جسر غزير. منذ الثانية من بعد ظهر ذلك النهار وحتى ساعات الليل الأولى، عجزت خراطيم الدفاع المدني عن إخماد النيران.
سحابة سوداء سيطرت على تلك السماء، ممتدة إلى كيلومترات بعيدة. كان يُفترض حينها بأي مواطن تنشّق تلك الروائح أن ينتفض ذوداً عن صحته وحياة أطفاله. لم يكن المطلوب من الناس أن يجتازوا نفق نهر الكلب للمشاركة في التحركات التي نظمها شباب “الحراك المدني” خلال الصيف الماضي. كان بإمكانهم تحويل أزقتهم وبلداتهم وأحراجهم إلى ساحات اعتصام. مُستغربةٌ هي قلّة الإكتراث التي يتحلّى بها أبناء كسروان. في ذلك القضاء، فُقد التعويل أيضاً على نواب تكتل التغيير والإصلاح، ومشاريع النواب والمسؤولين السابقين. ربما يكون مثالهم الأعلى رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي “رفع العشرة” خلال قداس شهداء القوات اللبنانية يوم السبت مُبرراً: “إن القوات صامتة الآن لأنها لا تُحب الكلام الفارغ. ولا تُحب بيع الناس كلاماً من دون نتيجة. ولا تحب توزيع شعارات شمالاً ويميناً قبل أن تتمكن من تغيير الواقع الذي نشكو منه”! ومنعاً لـلتعميم، يُمكن القول إنه بعد عودة النفايات إلى الشارع في منتصف آب، لم يُستفز سوى قلّة من الأهالي.
أسباب عدّة أدّت إلى تفاقم الأزمة من جديد، بعدما تقاعس مجلس الوزراء عن إيجاد حلّ لها. ثبت وجود إمكانات لدى البلديات لتطبيق “لامركزية” النفايات. إلا أنّ الدولة، بكل أركانها، قرّرت إخضاع المواطنين للأمر الواقع عبر ابتزازهم.
منذ سنة، كانت كسروان مع رئيس اتحادها السابق نهاد نوفل “شريكة” لسوكلين، العلاقة بينهما دامت منذ الـ 1994 حتى العام الحالي، وكان نوفل من أشد المتحمسين لها. قبل ذلك، كان القضاء يملك قرابة الـ12 شاحنة تتكفل بنقل نفايات القضاء إلى مكبّ برج حمود. هذه “اللحمة” بين نوفل وسوكلين، نتج منها “تخويف” السكان من مغبّة توقف الشركة المذكورة عن العمل. نجحت خطته، فرُفض مشروع شركة “سيدار انترناشينول” لصاحبها المُهندس زياد أبي شاكر والقاضي بانشاء معمل بامكانه معالجة حتى حدود الـ100 طن من النفايات يومياً. مشروع رئيس المؤسسة المارونية للإنتشار نعمة افرام بتحويل النفايات إلى وقود لإنتاج الكهرباء، لم يُبصر النور أيضاً بحجة أنه بحاجة إلى الكثير من الوقت قبل البدء بالعمل.
يعود الحديث عن النفايات مع تكدسها من جديد في شوارع المتن وكسروان وتهديد الجهات المعنية بأنه إما مطمر ثانٍ في برج حمود والجديدة وإما إغراق الأحياء بها. أمام هذه الضغوط الحكومية، برز من يطرح حلولاً بديلة، كفيلة بقطع حبل السرّة مع سوكلين. بيت مري وبكفيا، بدأتا العمل بمعمل الفرز الخاص بكل منهما. وبعد ستة أشهر، على أبعد تقدير، ستنضم إليهما كسروان كما يكشف رئيس اتحاد بلدياتها ورئيس بلدية جونية جوان حبيش. من مكتبه في بلدية جونية، يبدأ حبيش حديثه بالتشديد على أنه “ما من مبرر لطمر الزبالة من دون معالجتها. ولدى أهالي برج حمود كامل الحق برفض إنشاء مكب ثانٍ على أرضهم، فلتُعالج كلّ بلدية نفاياتها”.
الحلّ الذي يتحدث عنه حبيش، بدأ العمل على وضع دراساته منذ قرابة السنة، وحالياً “وضعنا خطة من أجل أن نُعالج المشكلة في غضون أشهر”. الخطة مقسمة إلى ثلاث مراحل. المرحلة الأولى هي رفع النفايات من الشوارع ومعالجتها بشكل بدائي عبر رشها بالأدوية، “ومنذ قرابة الأسبوع باشرنا هذا الإجراء”. المرحلة الثانية هي شراء ثلاثة مكابس للنفايات “ونحن نعمل على تصنيع الرابع من أجل معالجة النفايات بشكل بدائي أيضاً”. أما المرحلة الأخيرة فهي إنشاء معمل الفرز الذي لم تبدأ الأعمال به بعد “بانتظار الاتفاق في غضون أيام قليلة على التقنية التي ستُستعمل وضمان أن تكون صديقة للبيئة”. موقع المعمل لم يُحدد بعد، “البطريركية المارونية قدمت لنا قطعتي أرض، وهناك أرض في الفتوح وأخرى في وسط كسروان. البلديات المعنية موافقة، تبقى بعض التفاصيل”. من المرجح أن تُعتمد منطقة وسط كسروان لإنشاء المعمل. يقول حبيش إنّ القصة قد تكون مُربكة بالنسبة للبعض “بس بتمشي”.
تُنتج جونية يومياً قرابة الـ100 طن. أما باقي بلدات كسروان، البالغ عددها 70، فنحو 300 طن في اليوم. الخطة التي تحدث عنها حبيش، بصفته رئيساً لجونية لا للإتحاد، لا تشمل كل القرى بعد. جولة صغيرة بين البلدات تُظهر ذلك. يُبرر حبيش بأنّه “حين تنجح الخطة المعدّة لجونية، عندئذ يُصبح بإمكاننا معالجة أزمة القضاء”. إلى حينه، “هناك مبادرات فردية من قبل بعض البلديات التي بدأت توزيع أكياس على سكانها لفرز النفايات بعدما ذاقوا اللوعة العام الماضي. فيما البعض الآخر، يتعامل بخفة مع الموضوع”. ماذا عن الأحزاب والمسؤولين في القضاء؟ يجيب حبيش بأنّه “ما حدا عنده هذا الهمّ”!
بعد خروج كسروان من تحت جلباب سوكلين، حاولت هذه الأخيرة العودة بطريقة غير مباشرة “من خلال عرض نقل النفايات إذا أمّنا المكب، لكن نحن، مش عايزينهم”، يقول حبيش واثقاً، فقد “اشترينا شاحنات قديمة من الجنوب لنقل الزبالة”. ويؤكد بأنه حتى جهوز المعمل “أعطونا مالنا من الصندوق المستقل ونحن نتدبر أمورنا. لسنا بحاجة لسوكلين أو أي أحد”. يضيف حبيش ضاحكاً: “بدأنا اللامركزية من الزبالة”.