Site icon IMLebanon

تأويلات لمقاربة جعجع قد تشجّع “التيار” على التصعيد

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: يبدأ أسبوع المحطات السياسية البارزة في لبنان اليوم وسط ارتفاعِ منسوب التعقيدات الداخلية والاحتقانات الاجتماعية بما لا يحمل مبدئياً على التفاؤل بأيّ اختراقاتٍ ولو محدودة في جدار الأزمة السياسية.

ذلك ان مجمل هذه المحطات السياسية ستحصل تباعاً، بدءاً بجولة الحوار الوطني الجديدة التي تنعقد ظهر اليوم في مقرّ رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، وسط تَصاعُد النقمة والتململ الشعبي الى ذروته حيال تَفاقُم أزمة النفايات في فصْلها الثاني (بعد أزمة صيف شتاء 2015 – 2106) والتي دخلتْ أسبوعها الثالث من دون أي معالجةٍ حاسمة واتسع معها مشهد أكوام النفايات وجبالها المستحدَثة في قلب شوارع المتن وكسروان وبعض أنحاء العاصمة بيروت.

وبديهي والحال هذه ان يزيد هذا الواقع النقمة العامة واللامبالاة الشعبية بكلّ المحطات ذات الطابع السياسي التي أضحت أشبه بتقطيع الوقت الضائع في ظلّ فقدان الثقة نهائياً بالطبقة السياسية كما بقدرة الحكومة على معالجة المشكلات الأكثر إلحاحاً مثل أزمة النفايات التي تتقدم حالياً كل الهموم اللبنانية.

أما في المنحى السياسي، فإن جولة الحوار التي تَفتتح أسبوعاً مثقلاً بالاستحقاقات – اذ تليها الاربعاء الجلسة الرابعة والأربعون لانتخاب رئيسٍ الجمهورية ومن ثم الخميس جلسة لمجلس الوزراء – تنتظر حسْم “التيار الوطني الحر” (يقوده العماد ميشال عون) موقفه من حضور الجولة او مقاطعتها. اذ ان “التيار” وفي سياق الخطوات التصعيدية الضاغطة التي بدأ باتباعها عبر مقاطعة الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، اختار إبقاء قراره رهن الساعات الأخيرة قبل موعد الجلسة الحوارية اليوم.

وتشير المعلومات المتوافرة لـ “الراي” الى ان “التيار الحرّ” سيَحضر الجلسة ممثلاً بوزير الخارجية جبران باسيل الذي ينوب عن عون، وانما من خلال حضورٍ مشروط بأن تُطرح في الجلسة مسألة “الميثاقية” (الشراكة المسيحية – الاسلامية) وتحديد معاييرها السياسية والدستورية والتمثيلية، وما لم تُطرح هذه المسألة، فان باسيل سيغادر جلسة الحوار.

وكان “التيار العوني” مهّد لمزيدٍ من التصعيد عبر الهجوم الانتقادي الحادّ الذي وجّهه باسيل الى رئيس الحكومة تمام سلام قبل يومين حيث ذكّره بانه ابن الزعيم الوطني الرئيس الراحل صائب سلام، متسائلاً كيف يقبل رئيس الحكومة بانعقاد جلسات لمجلس الوزراء يقتصر التمثيل المسيحي فيها على نسبة ستة في المئة، ومشبهاً سلوكه بممارسات رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية إبان وجودها في لبنان غازي كنعان.

وأثار هجوم باسيل أجواء توتّر شديدة لدى العديد من الجهات الممثَّلة في الحكومة وخارجها واعتُبر مؤشراً الى مضيّ التيار العوني في التصعيد عبر الحكومة وعبر الحوار أيضاً. كما أن أوساطاً وزارية مسيحية مستقلّة، اعتبرت ان الموقف الأساسي الذي أطلقه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع مساء السبت في الاحتفال الذي أقيم في مقر “القوات” في معراب لمناسبة إحياء الذكرى السنوية “لشهداء المقاومة اللبنانية” لن يساعد في لجْم اندفاع التيار العوني الى التصعيد، بل يُخشى ان يشكل تشجيعاً له ولو لم يكن جعجع يَقصد ذلك ضمناً.

اذ ان زعيم “القوات” رفع معادلة انتخاب عون رئيساً للجمهورية وعودة زعيم “تيار المستقبل” سعد الحريري رئيساً للحكومة عنواناً أساسياً لحلّ الأزمة التي رَفض تبديل أولوياتها مشدداً على اولوية انتخاب رئيس الجمهورية قبل الحوار وقبل إجراء الانتخابات النيابية المقبلة. علماً ان جعجع رسم سقفاً عالياً حيال الموقف من “حزب الله” ووضعيّته المسلّحة خارج الشرعية وانخراطه في الحرب السورية، وايضاً حيال النظام السوري و”إرهابه” في لبنان وضدّ شعبه، متوجهاً الى “أعداء لبنان” بالقول: “حدّقوا جيداً في لائحة شهدائنا ولا تجرّبونا مجددا”، في موازاة حرصه على تأكيد “الحلف الذي لا يفرّقه انسان مع الحليف سعد الحريري وتيار “المستقبل”.

وتقول المصادر انها تخشى من القراءة المعتادة للفريق العوني الذي يسخّر أيّ موقف ملائم له في اتباع سياسات مغالية، وهذا ربما ينسحب على قراءته لخطاب جعجع الأخير في شقّه الرئاسي كمحفّز إضافي مهمّ للتصعيد بدل الانفتاح والمرونة، مشيرة الى انه في انتظار ما سيحصل في جولة الحوار اليوم وتَلمُّس سلوكيات ونيات “التيار العوني” ومواقف حلفائه، ستبدأ الاستعدادات للجلسة الحكومية المقبلة من منطلق التحسّب لاحتمال مضي عون بمقاطعة الجلسات.

وحذرت في هذا السياق من ان يتجاوز التوتّر الذي يُحدِثه الكلام الاستفزازي لباسيل خصوصاً حدوداً ربما تلامس محاولات دفْع سلام والوزراء المسيحيين الآخرين الى متاهة خطرة. ذلك ان سلام الذي يفترض ان يكون عاد الى بيروت أمس من إجازة خاصة لن يقبل باستفزازه بمسألة الميثاقية لجعْله يرضخ للنيل من صلاحياته. يضاف الى ذلك ان تَصاعُد أزمة النفايات على وقع عودة التصلب في المواقف السياسية الشعبوية وضرْب خطة الحكومة المقرَّرة لأزمة النفايات قد يدفعان رئيس الحكومة الى خطوات غير محسوبة لدى المصعّدين ما لم ينجح الوسطاء في جعْل “التيار الحر” والمعنيين يعودون الى سكة التعقل.

وتقول المصادر ان المعطيات الثابتة لا تسمح بهزّ الحكومة او باستقالتها راهناً، ولكن ذلك لم يعد يشكّل ضماناً كافياً لاستمرار “الستاتيكو” الحكومي اذا تبيّن ان ثمة معطياتٍ طارئة تدفع عملية التصعيد قدماً نحو إدخال البلاد في متاهةٍ جديدة تقف وراءها خلفياتٌ ربما تكون إقليمية وتتلطّى بالتصعيد الداخلي.