Site icon IMLebanon

محرّمات زمن العار (بقلم يورغو البيطار)

 

كتب يورغو البيطار:

وكأننا في مشهد سوريالي عجز كبار مخرجي هوليوود واكثرهم ابداعاً وحرفيةً عن تجسيده… مشهد خيالي لن تجد له مثيلاً الا في بلد ربما يكون المرض قد فتك فيه الى درجة ان الاحتضار مصيره الحتمي.

لا ليست مبالغة، فأمام اعيننا، وبكل استرخاء،  نشهد انهياراً متتالياً لكل ما يفتَرض ان الدول تبنى على أساسه فها هي المؤسسات العرجاء اصلاً تتهاوى واحدة تلو الاخرى في مخطط مرسوم جيداً وبنتائج معلومة سلفاً. وها هي العدالة في وطن كان يفختر ان عاصمته ام الشرائع تسقط في خبر كان رغم محاولات يتيمة لقلب ميزان يميل من شدة عقم ازمته نحو السقوط. وها هي النفايات تتآكلنا وتنهش صحتنا كل دقيقة وفق منطق “سارحة والرب راعيها”.. ولو اردنا الاكمال لاحتجنا لمجلدات في فن استنباط تعابير تشرح عمق المأساة اللبنانية الحديثة. وها هم ابطال الفيلم الدرامي الطويل يسرحون ويمرحون ويعرقلون ويعطلون وينهبون ويتآمرون ويصمتون ويكذبون و”على عينك يا تاجر” وفي آخر فصول المسرحية ما جرى من سجالات واتهامات وتحديات على طاولة سمّيت للحوار فإذ تحولت للمناكفات حتى بين “الحلفاء” وتسجيل نقاط فارغة لن تزيد الا الوضع سوءاً!

الانكى ان ما يجري لم يعد مفاجئا ولا صادما ومهما كان فتاكاً فلا مكان للحنق وكأن الدوامة تواصل رحلتها دون ان تعترضها الا اصوات تبدو كصراخ في برية صماء… فلم يعد مهماً لمن يفترض انه رئيس حكومة اللبنانيين ان يرفع صوته ولا لمن يفترض انه وزير خارجيتهم ان يقوم بأي خطوة تصعيدية، ولو من باب حفظ ماء الوجه، بحق سفير بشار في لبنان المسؤول نظامه المجرم وفق قرار اتهامي قضائي عن قتل عشرات الابرياء اللبنانيين بتفجير مسجدين في طرابلس….! كما لم يعد مهماً إن غاب النطق عن مرشَحي الرئاسة الطموحين في التعليق على قضية – فضيحة تفجير المسجدين، او حتى إن لم يعلّق من رشحهما على هذا البكم المفاجئ… وما تزال فضيحة ملف المملوك – سماحة ماثلة في الاذهان حيث بلغ التعاطي الرسمي مع القضية وترك الامور على غاربها حداً لا يطاق من الانبطاح!

فماذا تعني ارواح عشرات اللبنانيين؟ لا شيء في ميزان الصراع على ركام السلطة. وماذا يعني تمسك “السياديين” برمزين صديقين لمن اراد ويريد قتلنا وسحقنا وحليفين لقائد زمن الانقلاب الذي نعيشه سوى الاستهزاء بكل القيم التاريخية والمبادئ الجوهرية لحلم قيام الدولة المحلّق بعيداً في السراب؟ وماذا يعني ان يصبح اساس المشكلة هو مفتاح الحل الا ان كان الهدف تحويل اي أمل متبق في نفوس اللبنانيين الى حلم بفيزا من اقرب سفارة! وماذا يعني ان يصبح النقاش يدور حول حقوق مهدورة وميثاقية مشوهة من هنا وتمثيل منقوص وحصص متناتَشة من هناك مع اهمال وتجهيل مقصود لاساس وجوهر مأساتنا وانعدام اي رؤية لطرحها حتى وكأننا نعتدي على مقدسات بات تناولها من المحرمات والكبائر!؟

كم هو سريع ذاك الانحدار… فها نحن في زمن بات فيه حتى انتقاد مواقف فنانة ممانِعة يستحق المطالبات بالرجم والقتل وفي ايام اصبح فيه الحق برفض انتخاب مرشح مهووس بالسلطة يستحق الشتيمة والاهانة والتخوين. يقال ان صغائر الامور تشرح كبائرها، فاهلا في زمن العار.