لينا فخر الدين
من يدي سالم الرافعي إلى أحضان «داعش».. هكذا يمكن اختصار رحلة رائد ح. في بداية استجوابه داخل المحكمة العسكريّة، تردّد ابن الـ22 عاماً في قوله الحقيقة كاملة.
بدا مرتبكاً، يحاول إيجاد أي كذبة تغيّر وقائع ما حصل معه، قبل أن يتدخّل رئيس «العسكريّة» العميد الرّكن الطيّار خليل إبراهيم حتّى يشرح له أنّ عليه قول الحقيقة «لأنّنا لا نقطع رأس أحد بل على العكس، ونحن نرى الكثير من الشبّان في عمرك وربّما أصغر وحصل معهم ما حصل معك».
ارتاح الشاب متسائلاً ببراءة: «هل يمكنني قول الحقيقة؟». وما إن وصلته الإجابة حتّى بدأ برواية ذهابه من طرابلس إلى عرسال، فمحاولة التّغرير به للذهاب إلى جرود عرسال ومبايعة «داعش».
لا ينكر رائد أنّ خطابات رئيس «هيئة العلماء المسلمين» آنذاك الشيخ سالم الرّافعي التي كان يحتفظ بها على هاتفه الخلوي دفعته إلى التشدّد والبحث عن شخص يمكن إيصاله إلى سوريا للقتال هناك.
وجد الشاب الذي اختار طريقاً مختلفاً عن طريق والده، الذي عمل كعسكريّ في مخابرات الجيش اللبنانيّ لأكثر من 20 عاماً، الباب: «مسجد التّقوى» حيث التقى الرّافعي وما لبث أن طلبَ منه توظيفه في «شركة الأمن» التي كان ينوي إنشاءها.
عند هذه النقطة سكت الشاب حينما شكّك إبراهيم بهذه الرواية، خصوصاً أنّ الرافعي لم يعلنها سابقاً. ولكن كان لدى مسؤول الحراسة لدى الرافعي المدّعى عليه في الملفّ نفسه الفلسطيني فادي النجار الكلمة الفصل، مؤكّداً أنّ الرافعي، بالشراكة مع العميد المتقاعد عميد حمّود كانا ينويان افتتاح هذه الشركة وطلب ترخيص لها من وزارة الدّاخلية، من دون أن يعلم لماذا توقّف المشروع، على اعتبار أنّ «الرافعي وحمّود كانا على الطّريق السياسيّ نفسه»!
«الشيخ ذو الحصانة»
سريعاً، حاول النّجار الدّفاع عن الرافعي الذي يندر أن تعقد جلسة لأحد المدّعى عليهم الطرابلسيين من دون أن يمرّ اسمه في الملفّ كـ «محرّض» على «الجهاد» في سوريا.
ومع ذلك، لم تأخذ النيابة العامّة مرّة واحدة صفة الادعاء أو حتّى الطّلب للاستماع إلى شهادة «الشيخ ذي الحصانة» مع تكرّر الاتهامات الموجّهة إليه، ليصل الأمر بوكيل الدّفاع عن النّجار المحامي محمّد صبلوح حينما مازحه العميد إبراهيم قائلاً إنّه لم يسمع بأمر الشركة سابقاً ويمكن أن لا تكون دقيقة، وبالتالي يفترض أن يكون السؤال موجّهاً إلى الرافعي، بالقول: «إذا بدّك تجيب الشيخ سالم، بدّك تجيب العميد حمّود»!
هكذا سخّر النّجار نفسه للدّفاع عن «الشيخ»، مشيراً إلى أنّه (أي النّجار) كان مصفاة للشبّان. تحوّل الموقوف إلى «طبيب نفسي»، لافتاً الانتباه إلى أنّ الرافعي كان يرسل له الشبّان الذين كانوا ينوون الذهاب إلى سوريا لأنّه شاب مثله مثلهم وبإمكانه مساعدتهم على «إفراغ حماستهم» من خلال تعليمهم على فكّ السلاح وتركيبه!
بهذه الطّريقة تحديداً، صار رائد من ضمن فريق حراسة «مسجد التقوى» بعدما علّمه النّجار داخل المسجد على استخدام السّلاح. ولأنّه لم يجد مكاناً آمناً لكي يدرّب الشاب على كيفيّة إطلاق النّار، استغلّ جولات القتال بين جبل محسن وباب التبانة، وأخذ رائد إلى أحد خطوط التّماس في باب التبّانة كي يتعلّم الرماية.
وبعد أيّام قليلة على هذه الحادثة، علم الشاب أنّه صار مطلوباً للدّولة اللبنانيّة. حينها، لم يجد أمامه سوى حساب على «فايسبوك» لشخص من آل كسب موجود في سوريا، ليطلب مكاناً يؤويه ريثما يكون قد سوّى وضعه القانونيّ. وبالفعل، زوّده المقاتل في «داعش» برقم شخص سوري يدعى «أبو همام». وطلب منه الأخير التوجّه إلى عرسال، والاتصال برقم شخص لبناني ما إن يصل إلى الحاجز.
في اليوم التالي، فتح الشاب باب المنزل قائلاً لوالديه إنّه متوجّه للعمل، فيما استقلّ «فان» إلى اللبوة، حيث اتّصل بالرّجل اللبناني الذي طلب منه أن يقول للعسكريين على حاجز اللبوة إنّه قريبه ويريد دعوته إلى خطبته كي لا يشكّوا بأمره.
وهذا ما كان، حينما وصل الشاب اللبناني على متن سيّارة من نوع «فولفو» يقودها شاب سوريّ، وأوصل رائد إلى منزل شقيقه.
صهر البزال: لا علاقة لي بقتله
هذان الشقيقان اللبنانيان ليسا إلّا صهري العسكري الشهيد علي البزال (هما شقيقا زوجته): عيسى وعبد الله الفليطي اللذين طلبا من رائد المكوث في منزلهما ريثما يأتي المسؤول في «داعش» المدعو «أبو الهمام». وبعد قليل أتى الأخير الذي نقله إلى غرفة في عرسال فيها حوالي الـ30 شابا لبنانيا وسوريا، واعداً إيّاه بنقله معهم إلى جرود عرسال.
حينها، ارتعب رائد من هذا المشهد، مشيراً إلى أنّه لا يريد الانتقال إلى الجرود. في المقلب الآخر كانت والدته تتوسّله عدم الالتحاق بـ «داعش» مؤكّدة له أنّ والده قد أصيب بجلطة ما إن علم بالأمر.
حاول «أبو الهمام» منع رائد من التحدّث مع والدته، حتّى أنّه جلس إلى جانبه وصار يلقّنه ما يقول لوالدته بأنّه مصرّ على الذهاب إلى جرود عرسال.
وبعد الكثير من الكلام، اقتنع رائد بعدم الالتحاق، ليقول له «أبو الهمام» إنّه سيوصل الشبّان إلى الجرود ثم يعود لأخذه معه.
وما إن خرج «أبو الهمام» حتّى استطاع رائد الهروب والتوجّه إلى مخابرات الجيش اللبنانيّ التي طلبت منه المساعدة في إلقاء القبض على عيسى الفليطي. وافق الشاب واتصل بالفليطي، وقال له إنه ضائع في عرسال، طالباً منه أن يأتي لأخذه.
هكذا سقط الفليطي في قبضة المخابرات، ليتبعه بعد أشهر شقيقه عبدالله الذي كان ينوي السفر بجواز سفر مزوّر بعد انتشار خبر ضلوعه بقضيّة قتل صهره البزال من خلال الطّلب من قيادة «داعش» التخلّص منه بالإضافة إلى أنّ شقيقه عيسى أشار في التّحقيق الأولي معه الى أن عبدالله ينتمي لـ «داعش» وعلى علاقة مع قياداته. وبعد إلقاء القبض عليه، ضبطت القوى الأمنيّة في منزل عبدالله ذخائر وأحزمة ناسفة.
أمس، تراجع عيسى عما قاله عن عبدالله وحاول بشتّى الطرق «إصلاحه»، ليتحدّث عن وقائع قريبة إلى «قصّة هوليووديّة»، بحسب ما وصفها العميد إبراهيم، بعدما لفت الموقوف الانتباه إلى أنّه لا يعرف رائد بل ظنّ أنّه يريد أن يشتري منه حجرا ولذلك أقلّه إلى داخل عرسال، مشيراً إلى أنّه لم يستطع تركه في منزله فأخذه إلى منزل شقيقه من دون أن يكون قد نسّق الموضوع سابقاً أو أن يكون «أبو الهمام» قد طلب منه ذلك!
فيما قال عبدالله إنّه لا ينتمي لـ«داعش» ولكنّه يعرف «أبو الهمام» منذ ما قبل الحرب السوريّة ومن دون علمه إلى أيّ تنظيم ينتمي، وأن كلّ ما فعله هو إرشاد «أبو الهمام»، الذي هاتف رائد، إلى منزله.
وإذا كانت أهميّة عبدالله تكمن في كونه أحد المنتمين إلى «داعش» والمحرّضين على قتل صهره، فإنّ الموقوف أنكر هذا الأمر، مشدّداً على أنّه «ليس لي علاقة بهذه القضيّة».
وأرجئت الجلسة إلى 16 تشرين الأوّل للمرافعة وإصدار الحكم بحقّ الموقوفين.