تقرير لـ”ايلاف”:
فسّر البروفيسور روبن كرومبتون، في مهرجان العلوم البريطاني في سوانسي، أنّ الإنسان والقرد والشمبانزي تطوّروا جميعًا عن سلف مشترك كان يمشي بشكل مستقيم ويعيش في الأشجار. إذاً فالشمبانزيات هي التي غيّرت شكل جسمها لتتمكّن من التحرك بسرعة مستخدمة أطرافها الأربعة، بينما استمرّ الناس باستخدام طرفين فحسب. وليس صحيحًا أنّ المشي المستقيم تطوّر بعد أن نزل البشر عن الأشجار للتنقّل في مناطق السافانا المفتوحة، فالإنسان كان يمشي قبل ذلك بملايين السنوات.
في الواقع، يعتقد البروفيسور كرومبتون أنّ استخدام الأدوات الذي يعتبر من الصفات البشرية، قد بدأ بالتطور حين كان الإنسان البدائي يعيش على الأشجار، وحين كان يمشي على رجليه، قام باستخدام يديه ليتشبث بالأغصان القريبة من أجل تثبيت خطواته، وتدريجيًا خطرت في باله استعمالات مختلفة للعصي. ولفت البروفسور إلى أنّ صورة التطور البشري انتشرت في ثقافتنا الشعبية ولكنّها خاطئة، وتوجّه إلى الحشود في مهرجان العلوم البريطاني قائلاً: “هذه الصورة مرسومة على إحدى قمصاني… لقد تعلّمنا أنّ التطور حدث بهذا الشكل، لكنّني سأحاول إقناعكم بأنّه جرى بشكل معكوس، ومهما بدت الفكرة غريبة وغير مريحة بالنسبة إلينا، غير أنّ الشمبانزي والإنسان يتحدّران من سلف يشبه الإنسان أكثر منه الشمبانزي”.
وأضاف أنّ الإنسان المعاصر ما يزال يشبه سلفنا الذي كان يعيش في الغابات وبإمكاننا العودة للعيش هناك إذا تعلّمنا كيف، فنحن لسنا حيوانات غادرت الأشجار. “إذاً، هل انتقلنا حقاً من العيش في الشجر إلى العيش على الأرض؟ في الواقع، نحن لم نترك الأشجار ونستطيع العودة إليها بسهولة إذا أردنا ذلك وقرّرنا خلع أحذيتنا”.
الأكثر كمالًا
في التسعينيات وُجد في جنوبي افريقيا أحفور قديم لأسترالوبيثكس الشبيه بالإنسان وهو من الجنس نفسه الذي انتمت إليه لوسي الشهيرة، ولكن لم يتمّ تأريخه حتى العام الماضي. وبينما بلغ طول لوسي 1.1 متر، فقد تبيّن أنّ حجم المتحجر الافريقي الملقّب بـ”ليتل فوت” قريب من حجم امرأة غربيّة معاصرة.
ووفقاً للبروفيسور كرومبتون، فلوسي كانت من أقزام أسترالوبيثكس، تمامًا مثل أقزام الإنسان المعاصر. وتعدّ “ليتل فوت” الأسترالوبيثكس الأكثر كمالًا الذي تمّ إيجاده، حتى أنّ ساقيها بقيتا على حالهما تقريبًا.
وتجدر الإشارة إلى أنّ البروفيسور كرومبتون خبير في استخدام النمذجة الحاسوبية لمحاكاة المشي، وقد قام بدراسة لوسي طوال 20 سنة، وهو يخطط اليوم لاستعمال أبعاد ليتل فوت حتى يحدّد كيف كانت تمشي. ومنذ 20 عامًا، أثار جدلًا دوليًا لأنّه كان أول من أعلن أنّ لوسي مشت بشكل مستقيم تمامًا مثل الإنسان المعاصر، وقد استند في استنتاجه هذا إلى نماذج الحاسوب، وهو واثق اليوم أنّ ليتل فوت ستضع حدًا لهذا الجدل.
وبعد انتهاء حديثه في الاحتفال، صرّح البروفيسور لصحيفة “اندبندت” “أنّ هيكل “ليتل فوت” العظمي هو الأكثر كمالًا حتى اليوم، فالطرف الأمامي كامل تمامًا ولا ينقص منه إلا عظمة يد واحدة، والساقين شبه كاملتين”. وأكّد أنّهم سيقومون ببناء نموذج على الكمبيوتر بدون الحاجة إلى تخمين الحجم، لأنّهم يعرفون طول أطراف ليتل فوت بالتحديد، لذلك يمكنهم أن يكتشفوا كيف كانت تمشي. وقال: “لقد بدأنا بتنفيذ جزء صغير من هذا المشروع، ونحن نعيد بناء منطقة الحوض لأنّها كانت في وضع سيئ نوعًا ما”.
تشابه
وفي ما يخصّ الدراسة الحديثة التي نشرتها مجلّة Nature بشأن موت لوسي بعد وقوعها عن شجرة لأنّها لم تكن بارعة في العيش على الأشجار وكانت تتنقّل على قدميها، استبعد البروفيسور كرومبتون هذه النظرية، ولفت إلى أنّنا نملك أدلة وافرة على أنّ الشمبانزي وقرود الغيبون كانت تقع عن الأشجار وتتعرّض أحياناً لجروح خطيرة. وأشار إلى أنّ بعض الأكاديميين يخالفونه الرأي وما زالوا يعتقدون أنّ لوسي مشت على أطرافها الأربعة، لكنّ عددهم يقلّ يومًا بعد يوم.
ويعتبر داعمو نظرية تطوّر طريقة تنقّل الإنسان مع الوقت حتى أصبح يمشي بشكل مستقيم وثابت على الأرض، أنّ القدم البشرية خير دليل على ذلك. فقد ساد الظنّ لوقت طويل بأنّها ثابتة ولا تشبه قدم الغوريلا الليّنة. لكنّ البروفيسور كرومبتون وعلماء آخرين وجدوا إثباتًا على أنّ العضلات والأوتار هي التي تبقي قدمنا صلبة وليست العظام ما يثبّتها بإحكام. “إذًا فالقدم البشرية ليّنة مثل أقدام القرود الأخرى، وهي تشبه قدم الغوريلا بالتحديد، والصفات التي تميّزها لا تدلّ على أنّها تأقلمت مع انتقالنا للعيش على الأرض، وبالتالي فنحن نشبه القرود العليا بشكل نموذجي، ونملك أقدامها”.