كتبت ريتا شرارة في صحيفة “المستقبل”:
كان احتوائياً جداً قرار الرئيس فؤاد السنيورة امس بعد اجتماعه بالنائب جورج عدوان على هامش المحاولة الـ44 لانتخاب رئيس جديد للبنان بايكال مهمة التصريح للاخير. فهذه الخطوة تعني، لعدوان، أنه تمكن، بالحوار الثنائي مع “المستقبل”، بشخص السنيورة، من فكفكة العراقيل الموضوعة راهناً بين المكونات اللبنانية. فـ”التشنجات كبيرة وكثيرة”، يقول عدوان لـ”المستقبل”، لافتاً الى “وجوب” حلها في الايام والاسابيع المقبلة على أبعد تقدير. فهو الذي راهن على أهمية “الحكي” في مؤتمره الصحافي، ومايز بين المساعي التي يقوم بها حزب “القوات اللبنانية” راهناً وطاولة الحوار التي لم يشارك فيها أساساً. وبرأيه أن من شأن النجاح في فك الالغام بين الافرقاء السياسيين، اليوم، أن يعيد بث الحياة في طاولة عين التينة، مفسراً فشلها بتمكن النائب سليمان فرنجية، أحد المرشحين الى الرئاسة الاولى راهناً، من تجييرها الى جهته ومصلحته على حساب النائب ميشال عون.
وعدوان الذي قرأ التشنجات المتوقعة في بعدها “الطائفي”، كان لاقاه السنيورة في تصريح مقتضب لاحدى القنوات التلفزيونية عندما سئل عن المواقف الاخيرة لوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في عين التينة، فوصفها بأنها “خطيرة جداً”، معتبراً أن “التطرف لا يعيش الا بوجود تطرف آخر”. وأوضح رده على رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بالتأكيد أنه “لم يكن سلبياً بل محبب لأن البعض يفسر الدستور على ما يحلو له، والرد على جعجع هو لمنع تمسك البعض بخرقه الدستور”. ونفى أي علاقة له “لا من قريب ولا من بعيد” بكلام النائب محمد كبارة.
لا تزال الصورة نفسها تتكرر في مجلس النواب منذ عامين ونصف العام. ففي المحاولة الـ44 لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، التقى 41 نائباً في القاعة العامة للمجلس عند الساعة الثانية عشرة وخمس وعشرين دقيقة، ومكثوا فترة من الزمن قبل أن يدخل عليهم الامين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر ليعلن إرجاء الجلسة الى ظهر الاربعاء 28 ايلول الجاري “بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني”. اما القليل الذي تغير في القاعة العامة، فان الحضور النيابي كان “كبيراً” من كتلتي “المستقبل” و”التحرير والتنمية”، في حين أن الثقل المسيحي، باستثناء تكتل “التغيير والاصلاح” كاد أن يذوب ولا سيما بعدما ترك النائب سامي الجميل المجلس، قبل بدء الجلسة، ولم تحضر كتلته النيابية كاملة.
بعد الجلسة، التقى السنيورة وعدوان في أحد الصالونات زهاء ساعة ونصف الساعة، خرج بعدها الاخير ليتحدث عن أن “الجو متأزم والافق أكثر فأكثر يظهر أنه مسدود”. وكرر التأكيد أن “المدخل الاساسي الوحيد للحل هو أن ننتخب رئيساً للجمهورية، وعبثاً نحاول أن نلتف على هذا الامر”. وأوضح أن “الخلوة” مع السنيورة، في جو التأزم الراهن، تمحورت حول نقطة واحدة هي: “كيف نستطيع أن نجنّب بلدنا التأزم الاكبر الذي بلغته جلسة الحوار الاخيرة، والذي وصل الى أعلى درجات التأزم، وكيف يمكننا أن نحاول وقف هذا التأزم أو وضع حد له وأن نضع الامور على السكة الصحيحة، وتالياً أن نفتح باب المناقشة من جديد لانتخاب رئيس للجمهورية؟”. وقال: “ان لبنان اليوم على مفترق طرق: اما الاستمرار في تأزيم الامور، او أن نعترف جميعاً بهذا الوطن وبأن التأزيم يؤدي الى سقوط الهيكل على رأس الجميع ولن يستثني أحداً”. ودعا الى “لملمة الامور، وهو أمر مطلوب من كل واحد منا، من دون استثناء”. ورأى أنه “علينا تجنب اعلان أي مواقف او أي خطوة من شأنها أن تعيد الامور الى المسار الذي وصلنا اليه من التأزيم، وبات على كل واحد أن يعيد الامور الى عقلنتها والى ما يحافظ على الدستور والعيش معا”. وسأل: “في ظل كل ما يجري حولنا في المنطقة، هل من مصلحتنا أن نضرب هذا النموذج من العيش المشترك؟ وهل من مصلحة أي فريق منا أن يشعر بأن الفريق الآخر يتجاوزه؟ وهل من مصلحة لنا أن نمضي في تأزيم الامور أكثر؟ انا أرد على كل هذه الاسئلة: بالتأكيد لا”. واعتبر أن الحاجة اليوم هي الى “تحكيم العقل والعودة الى قنوات الحوار الذاهبة الى الانقطاع لنعيد وصلها فنفتح مساحة مشتركة”، وأن “عدم طمأنة أي فريق ينعكس سلباً على الافرقاء الآخرين، وأي تصعيد لأي فريق ينعكس سلباً على الجميع”، مؤكداً أن تيار “المستقبل” على “قناعة بهذه المقاربة”.
وسئل عن التوتر بين “القوات” و”المستقبل” أخيراً، فأجاب: “الحقيقة لم يكن هناك توتر بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل انما هناك اختلاف في وجهات النظر انطلاقاً من أن الدكتور جعجع أصر على أن الحل ينطلق من انتخاب العماد ميشال عون ومجيء الرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة. فكانت للرئيس السنيورة وجهة نظر أخرى”.
أضاف: “ما نقوله انه يمكن أن يكون هناك اختلاف في وجهات النظر انما اذا توقفنا عند الاختلاف ووقفنا فقط هنا فلن نحل أي شيء. علينا أن يتجاوز كل منا وجهة نظره وتالياً يفهم على ماذا يبني الفريق الآخر رأيه، وأن يستمع الى الآخر وتالياً يحاول أن يقنعه وهذا هو محور علاقاتنا مع الجميع لأن ليس لدينا خيار او مخرج آخر الا أن نتفاهم جميعنا كلبنانيين بعضنا مع بعض”. وقال لمن ينتظر الخارج حتى يؤثر في ما يحصل في لبنان “بغض النظر أننا ضد التدخل الخارجي: ما من أحد يهتم بنا او عنده وقت لنا ولا أحد يفكر فينا، ونحن بتنا آخر هم عند العالم ولم نعد موجودين على أجندة أحد ولا في اهتمامات أحد وعلينا أن نهتم بأنفسنا وببلدنا قبل أن يخرب أكثر مما هو عليه”. وأخذ على “مستوى الفساد في هذه الحكومة، وقد بلغ أكبر المستويات بحيث بات يستأهل الدخول في كتاب “غينيس” للارقام القياسية (..) لدرجة أن المدير العام للمناقصات في الدولة اللبنانية جان علية اضطر أن يكتب مقالة في احدى الصحف يسأل فيها كيف يقومون بهذه المشاريع من دون مناقصات”. وغمز من قناة وزارة الاتصالات، لافتاً الى أن القضاء “غائب عن الوعي. فاذا التقيت بقاض غير مستتبع او لديه ضمير يشكل لدينا نقزة. واذا رأينا قاضياً يمارس مهماته الوطنية ننقز ونقول ان هذا يقوم بواجبه! وفي ظل كل هذا المناخ باتت الامور تحتاج الى عقلنة”.
وسئل عدوان: هل تسعى “القوات اللبنانية” لدى التيار “الوطني الحر” لاعادة النظر بعدم انسحاب وزرائه من الحكومة والعودة الى الحوار؟، فأجاب: “موقفنا أن الحل هو بين أيدي اللبنانيين أولاً، فلا أحد باله فينا او عنده وقت لنا. وثانياً نحن كلبنانيين يفترض أن نتفاهم بين بعضنا البعض لانتخاب رئيس للجمهورية ولانجاز قانون جديد نموذجي عصري للانتخاب في أسرع وقت. وثالثاً لم تعد المشكلة تتعلق باقناع هذا الفريق او ذاك انما أنه علينا جميعاً أن نفتش عن الحلول بالعمق عبر الحوار المباشر بعضنا مع بعض فنخرج بالحل الممكن، او نذهب الى التصعيد الكلامي وبعده نكون مجبرين على أن نجتمع انما يكون ذلك بعد “خراب البصرة “ فلماذا لا نجلس معاً قبل خراب البصرة؟”.
وعما يقوله للرئيس تمام سلام في حال اصراره على عقد جلسة لمجلس الوزراء اليوم بمن حضر؟، أجاب: “هذه الحكومة لم تكن يوماً حكومة مصلحة وطنية، والفساد بلغ فيها حداً لم تبلغه حكومة قبلها بغض النظر عن أن الرئيس سلام لا تشوبه شائبة وطنياً او أخلاقياً”. وكرر القول: “الامور باتت في حاجة الى ترو وعقلنة”. واستغرب كيف أن سلام “وفي أوقات كثيرة كان يتروى كثيراً”، ناصحاً اياه “هذه المرة بالتروي واعادة الحساب”. واعتبر أن “من ينصحه بعدم التروي لا أعتقد أنه يعطيه النصيحة التي تخدم المصلحة الوطنية”.
وختم: “اذا عدنا الى استخدام الشارع وصعدنا فيه هل ستحل الامور؟، اكيد لا. وانا لا اقول العودة الى طاولة الحوار انما يفترض أن نعود الى مخاطبة بعضنا البعض. أين؟ وكيف؟ لا أعرف، انما يجب عودة الخطاب الهادئ لأن انقطاع الكلام لا يوصل أحداً الى أي مكان انما يؤدي بالبلد الى الهاوية، والبلد على كل حال سيصل الى الهاوية لأنه بدأ بالانزلاق اليها”.