Site icon IMLebanon

المأزق اللبناني يمضي نحو سيناريوات… غامضة

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: تعطيل الحوار مقابل الإصرار على عقد اجتماعات الحكومة في غياب تمثيل “التيار الوطني الحر” (يتزعّمه العماد ميشال عون)، يوازيه إصرار كل خصوم العماد عون كما غالبية حلفائه على إبقاء الحكومة على “قيد الحياة” ولو في حال “موتٍ سريري” يجعلها أقرب الى تصريف الأعمال من دون إعلان ذلك رسمياً.

هذه المعادلة ارتسمتْ في بيروت امس عشية جلسة مجلس الوزراء اليوم والتي بات انعقادها او عدمه او “التئامها الصوري” مؤشراً الى المنحى الذي سيتخذه الفصل الجديد من الأزمة السياسية في البلاد.

وبدا واضحاً من “الاستنفار” السياسي الداخلي الذي واكَب مشاورات رئيس الحكومة تمام سلام لتحديد مسار الأمور قبل ساعات من الجلسة التي دعا اليها اليوم، ان الواقع اللبناني أخذ “جرعة” اضافية من “الدراماتيكية” مع “تطيير” عون للحوار الوطني الذي يستضيفه رئيس البرلمان نبيه بري رداً على ما يعتبره تياره إخلالاً بقواعد ومرتكزات الميثاقية والشراكة الوطنية من خلال إدارة الظهر لمقاطعته الجلسة الأخيرة للحكومة على خلفيةٍ ظاهرة هي الاعتراض على التمديد المرتقب لقائد الجيش العماد جان قهوجي، فيما تتمثّل “القطبة المخفية” بالرغبة في استثمار “رصاصة الميثاقية” كـ”خرطوشة الاحتياط” في المعركة – الأم لايصاله الى القصر الجمهوري فإما تكسر قفل المأزق الرئاسي وإما… “تقتل” ما تبقّى من حظوظه.

وشخصتْ الأنظار طوال يوم امس على “المخرج” الذي سيعتمده الرئيس سلام، الذي يبدو كمَن “يقبض على الجمر بين يديْه”، للتوفيق بين عدم رغبته في “صبّ الزيت على النار” من خلال عقد جلسة للحكومة تُتخذ فيها قرارات وكأنّ “الأمور ماشية” بحضور “التيار الحر” او بغيابه، وبين رفْضه في الوقت نفسه الظهور بمظهر مَن يسلّم “مفاتيح” التحكّم بجلسات مجلس الوزراء التي يدعو اليها رئيس الحكومة وفق الدستور لأيّ فريق سياسي في لبنان.

وحملتْ ساعات الأربعاء مجموعة إشاراتٍ الى ان الجلسة الوزارية ستنعقد ولكنها قد تتحوّل الى “تشاورية” لمناقشة الأزمة المستجدة بمعنى انها لن تُصدِر قرارات، وذلك بما يتيح الإبقاء على “خيط” مع عون الذي كان اعلن تعليق مشاركته في الحوار وليس انسحابه منه وقاطَع جلسات مجلس الوزراء ولم يستقل من الحكومة، وبما يسمح ايضاً بتبريد “الرؤوس الحامية” باعتبار ان البلاد مقبلة على عيد الأضحى والرئيس سلام سيسافر الى نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة والى فنزويلا لحضور مؤتمر قمّة دول عدم الانحياز.

ويتسلّح سلام في منطقه المتمسّك بتفادي ايّ خطوة من شأنها الإيحاء بـ “وفاة” الحكومة بموقف الوزراء المسيحيين الممثَّلين فيها والرافضين في شكل أساسي تصنيفهم من “التيار الحر” بأنهم من أصحاب تمثيل “الـ 6 بالمئة” وعلى رأسهم النائب سليمان فرنجية، المرشح المنافِس لعون رئاسياً والمدعوم من الرئيس سعد الحريري، اضافة الى موقف بري الرافض مكافأة “الجنرال” الذي طيّر طاولته الحوارية بإعطائه حق “الفيتو الذهبي” حكومياً، ناهيك عن موقف حليف عون اي “حزب الله” الذي تمنّى على رئيس الحكومة إرجاء الجلسة ولكنه سيشارك فيها بحال انعقادها على قاعدة الدفْع نحو تفادي صدور اي قرارات عنها. وفي ذلك مؤشرٌ ايضاً الى ان الحزب لا يريد في الوقت الراهن نسف الحكومة او إسقاط “الستاتيكو” الذي يحكم الوضع اللبناني ربطاً بحساباته الاستراتيجية ذات الصلة بالحروب التي تخوضها ايران في المنطقة.

وكان بارزاً امس في موازاة انضمام الجلسة 44 لانتخاب رئيس للجمهورية الى سابقاتها لجهة عدم توافُر النصاب وتحديد موعد لجلسة جديدة في 28 الجاري، ان الرئيس بري حرص على سحب “ورقة ابتزاز” من يد عون في ما خص الحوار، اذ ذهب أبعد من مجرّد تعليق جلساته ليعلن “نفض يده” من اي مبادرات داخلية لحلّ الأزمة المتشابكة قائلاً: “كنتً أفتّش عنهم، فليفتشوا عني بعد اليوم”، مشدداً على انه لن يدعو إلى طاولة الحوار “أو أبادر إلى هذا الشيء اذا لم يحصل تبديل في الشكل والمضمون والأفكار”، ليخلص الى انه “مع توقف الحوار سقط خيار لبْننة التسوية”.

وفي موازاة ذلك، تكثر علامات الاستفهام حول المسار الذي سيعتمده “التيار الحر” حيال ما ستسلكه جلسة الحكومة اليوم كما بإزاء مجمل الأزمة التي رفعها الى مستوى “أزمة وجودية” طارحاً أسئلة حملت نفَساً “انفصالياً” من خلال كلام رئيسه جبران باسيل في اشارة الى الشركاء المسلمين “بدّكن يانا او ما بدكن؟”.

وترى أوساط مطلعة في هذا السياق عبر “الراي” ان جعْل عون الميثاقية مرتبطة بانتخابه رئيساً، ولو اختبأ في ذلك خلف موضوع التمديد للقادة العسكريين وقواعد انعقاد الحكومة، يشكّل عملياً إمعاناً في “بناء الجدران” امام وصوله الى القصر الرئاسي، لافتة الى ان تلويح عون بالشارع لمنْع استمرار الحكومة “عامِلة” وتعطيله الحوار لا يمكن قراءته إلا على انه ينطلق من شعور “الجنرال” بأن طريقه الرئاسي الداخلي والخارجي مسدود، ومشيرة في الوقت نفسه الى ان اي محاولة لتغيير هذا الواقع بخطوات على طريقة الهروب الى الأمام تبدو بلا أفقٍ، وسط تحديات يطرحها أصلاً تحريك الشارع لجهة مدى قدرة التيار على استنهاض قواعده في ظل الخلافات الداخلية، اضافة الى مدى فاعلية مثل هذه الاندفاعة التي يمكن ان تظهّر عون مرة جديداً “قليل التأثير” في الوضع الداخلي، الى جانب “نسْف آخر الجسور” المحلية امام انتخابه رئيساً.

وكان الأبرز على هذا الصعيد الاشارات السلبية التي أطلقها الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط حيال عون بعدما كان أعرب عن عدم ممانعته انتخابه رئيساً، اذ قال في تصريح صحافي تعليقاً على توقف الحوار بعد مقاطعة “التيار الحر” له: “الرهان على الجمود والتعطيل هو انتحار ذاتي. إنه الموت البطيء الذي تجرّنا اليه للأسف بعض القوى السياسية”، ليضيف تعليقاً على قول باسيل إن غياب حزب جنبلاط عن الحكومة يعطّلها بينما تَواصل نشاطها في ظل غياب حزب “الطاشناق” الأرمني الذي يوازيه تمثيلاً: “لو تغيّب حزبي عن الحكومة فلن أطرح إشكالية الميثاقية، لان التعطيل من أجل التعطيل ليس سوى قفزة في المجهول”. وتابع: “لستُ من هواة الانتحار، ومَن يرِد أن ينتحر فليفعل ذلك وحده ولا يأخذني معه”.