يوسف دياب
اجتازت الدولة اللبنانية بأجهزتها الأمنية والعسكرية والقضائية٬ شوًطا كبيًرا على طريق نزع فتيل التفجير الذي كان يتهددها٬ من بوابة مخيم “عين الحلوة” للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان٬ الذي تدّرجت تسميته في السنوات الأخيرة من «بؤرة أمنية» إلى «صاعق تفجير» وصولاً إلى تشبيهه بـ”برميل بارود” قابل للانفجار في أي لحظة.
ولم تأت تلك التسميات بسبب أنه المخيم الأكبر ويؤوي آلاف العائلات المهّمشة والمحرومة أبسط مقومات الحياة٬ بل لأنه يضّم عشرات الفصائل والمجموعات المسلّحة المتناقضة والمتصارعة٬ وتحّوله ملاًذا آمًنا للخارجين عن سلطة القانون٬ المتهمين بجرائم خطيرة واغتيالات واستهداف الجيش اللبناني؛ بدًءا من حرب «نهر البارد» التي خاضتها المؤسسة العسكرية بوجه تنظيم «فتح الإسلام» في عام ٬2007 وصولاً إلى معركة عبرا (في مدينة صيدا) بين الجيش ومسلّحي الشيخ أحمد الأسير٬ وما بين هاتين المحطتين من جرائم وارتكابات.
قرار الدولة اللبنانية بتقليص خطر “عين الحلوة” لم يأت من طرف واحد٬ إنما كان ثمرة لقاءات ومشاورات بين قادة أمنيين لبنانيين٬ وممثلين لأغلبية الفصائل الفلسطينية٬ ذات النفوذ الواسع في المخيم٬ وبرعاية مباشرة من قيادة السلطة الفلسطينية٬ بدأت ترجمتها على الأرض بتسليم عشرات المطلوبين أنفسهم لمخابرات الجيش اللبناني٬ التي سرعان ما أحالتهم إلى القضاء المختص ليأخذ التحقيق مجراه٬ بمحاكمة من يثبت ارتكابه الجرائم الأمنية والإرهابية٬ وإطلاق سراح من تثبت براءته٬ وقد عكست هذه الإجراءات ارتياًحا كبيًرا داخل المخيم ومدنييه والمطلوبين من جهة٬ وفي محيطه اللبناني الذي كان ينظر إلى من بالداخل على أنهم خطر أمني وحتى وجودي.
وعلى الرغم من أن إجراءات المعالجة لا تزال في مراحلها الأولى٬ وتحتاج إلى مزيد من الجهد والمعالجة لاستكمالها٬ فإن مصدر أمني لبناني أكد لصحيفة “الشرق الأوسط”٬ أن «سبحة تسليم المطلوبين أنفسهم هي ترجمة لبداية مرحلة من التعاون بين الأجهزة الأمنية٬ والفصائل الفلسطينية». لكن أشار إلى أن «عدد الذين سلموا أنفسهم٬ يبقى متواضًعا مقارنة مع العدد الإجمالي للمطلوبين الذي يقّدر بـ500 مطلوب تقريًبا ممن يتحصنون في أحياء المخيم وينتمون إلى مجموعات متشددة٬ وتتفاوت التهم المنسوبة إليهم؛ بدءا من إطلاق النار وحمل السلاح٬ ووصولاً إلى القتل والاشتراك بأعمال إرهابية».
ولم يخف المصدر الأمني أن “أغلب الذين سلموا أنفسهم يلاحقون بجرائم جنحية (غير خطيرة)٬ لكن المطلوبين الخطيرين لم تتبلور الصيغة التي ستقضي بإنهاء أوضاعهم٬ لأن معظمهم ليسوا بوارد الاستسلام حتى الآن٬ خصوًصا الذين يتوزعون على تنظيمات راديكالية داخل المخيم٬ كالتي يرأسها توفيق طه (أمير تنظيم القاعدة وكتائب عبد الله عزام) وهو المسؤول عن التفجيرات التي استهدفت قوات (اليونيفيل) في جنوب لبنان٬ وأسامة الشهابي الذي يقود جماعة (فتح الإسلام)٬ وكل الذين فّروا من أحداث نهر البارد٬ وبلال بدر الذي يقود مجموعات متشددة (مثل فصيل جند الشام) الذين يتقاسمون النفوذ في الأحياء المكتظة”.
وما دامت المعالجة تنطلق من المعايير القانونية٬ فقد كشف المصدر الأمني أن “المعاملة الحسنة التي يتلقاها الذين سلموا أنفسهم٬ وصلت أصداؤها إلى داخل المخيم٬ وبددت هواجس كثيرين٬ حتى بعض المتشددين٬ الذين اقتنعوا بأن الدولة اللبنانية تعاملهم بمعايير العدالة والقانون٬ وليس بمنطق التشفي والانتقام”.
وقال المصدر الأمني إن “التفاهم الذي أرسيناه مع الإخوة الفلسطينيين داخل المخيم آخذ في تبديد الهواجس اللبنانية٬ وتقليل المخاطر التي تجعل من عين الحلوة خطًرا أمنًيا يهدد المحيط بالتفجير٬ وطمأنة المطلوبين أنفسهم بالاستناد إلى تجربة رفاقهم الذين سبقوهم إلى تسليم أنفسهم”.