Site icon IMLebanon

تقرير IMLebanon: “قفص” المرأة بين رجليها… مسرحية بالأحمر العريض تشغل بيروت!

إنه قفص بالتحديد…  قفص اجتماعي عنصري فئوي طائفي ديني اخلاقي، فهذا القفص مهم جدا لدرجة انه قادر على تغيير حياة الكثيرات، لماذا الكثيرات؟ لانه قفص خاص بهن فقط!

فالمجتمع المختبئ خلف خيالات واهية غير متصالح مع ذاته، يتباهى بالتطور والتقدم والثقافة ولكن في الوقت نفسه يبرر لنفسه اعتماد التقاليد التي يختارها حسب الاهواء فيسعى الى تنفيذها متى يشاء وعلى من يريد، ما يخلق صراعا فئويا في المجتمع بين المرأة والرجل خصوصا واننا نعيش في مجتمع بطريركي ذكوري تعتبِر فيه الاخلاق مفهوماً انتقائياً واستنسابياً. القفص بكل بساطة هو العضو التناسلي للمرأة الذي يربط مصيرها وحياتها كلها في مجتمع لم يتقبل بعد فكرة المساواة الكاملة بكل حقوقها وواجباتها.

ومَن افضل من الكاتبة والشاعرة المتمردة جمانة حداد لتحول هذه الافكار الى “مسرحية بالاحمر العريض” تولت اخراجها المخرجة الجريئة لينا ابيض. عن كسر حاجز الخوف والصمت والجرأة والاحلام والانكسار والاحكام المسبقة هنا تدور حكاية القفص!

جمانة حداد: من رحم الظلم والفوضى!

الكاتبة والشاعرة جمانة حداد تؤكد في حديث لـIMlebanon أن “فكرة قفص اتت من رحم الظلم والفوضى اللذين نعيشهما، حيث اخترتُ من الكتاب الذي اصدرته 5 قضايا تجسدها 5 نساء تتحدث كل منهن عن القفص الذي تعيش بداخله بسبب المجتمع، اي الصورة النمطية التي تفرض نفسها على الشخص والتي تخضع لها المرأة منذ الولادة حتى الوفاة”.

هذه الادوار تمثل حالة مجتمع تعاني نساؤه الكثير الكثير…

تقول حداد عن هذه النماذج: “هناك المرأة المنقبة التي أُجبرت وهي من عمر 11 عاما على ارتداء النقاب، والمرأة المثلية التي تخضع لضغوط عدم تقبل حرية الانسان الشخصية بأن يحب من يريد، ثم المرأة “العانس” التي تعتبر انا بلا فائدة لانها لم تتزوج وتنجب وكأن الهدف الوحيد من حياة المرأة هو الزواج والانجاب، والمرأة السمينة التي تخضع نظرتها لنفسها لمعايير اعلامية تجتاح ثقافتنا كل يوم وتقرر الجميل والقبيح والطول والوزن واللباس والتبرج ومفهوم الجمال،  وأخيرا النموذج الخامس وهو المرأة المومس التي اجبرتها ظروفها على بيع جسدها من عمر مبكر وهذه القضية تدخل فيها قضية التحرش داخل المنزل لانه كان يتحرش بها زوج عمتها”.

ادوار تتخطى الجرأة

مخرجة المسرحية لينا أبيض تؤكد من جهتها حديث لـIMlebanon أن “أداء الادوار كان صعباً لأن النص كتِب بطريقة “مونولوجية” ولكن حولناه لنوع من الاخذ والرد بين الشخصيات حتى وان لم تتحدث مع بعضها خصوصا أن هناك بعض الادوار الصعبة، مثل اداء دور المثلية الجنسية لأن الممثلة ليست مثلية والمسؤولية صعبة لانها تدافع عن شريحة في المجتمع مع الأسف لا يمكن ان نسمع صوتها.

وتضيف ابيض: “هناك شخصية الممثلة رندا كعدي التي تلعب دائما دور الوالدة فكان تحديا كبيرا جدا بالنسبة لها ان تلعب دور “العانس” وهي أمّ في الحياة اليومية، وهناك الدور الذي تمثله ديما الانصاري حيث تلعب دور المنقبة خصوصا أنها بعيدة جدا عن هذا الأمر فهناك مسؤولية كبيرة جدا لان ما تقوله لا يقوله فهي تتحدث عن النقاب وعما يزعجها به، وحتى مرسيل ابو شقرا دور المومس فهناك تحد كبير جدا لممثل ان يلعب دور امرأة مومس ومتحررة ومتصالحة مع نفسها ولا اعتقد اننا نلتقي يوميا بمومس ونسمعها تتكلم عن حياتها وعما يحدث معها”.

غلاف مثير للجدل

صورة الغلاف المثيرة للجدل، تشيد بها حداد فتعتبر أن “فكرة الغلاف من ابداع المصممتين دنيا نصّار ونورا نصّار تجسد فعلا القفص الذي تتكلم عنه المسرحية لانه بالنهاية مثلما نقول بالمسرحية “القنبلة الموقوتة للمرأة موجودة بين رجليها” وهذا هو القفص الذي يتم سجنها به وتعاقَب عليه منذ ولادتها، لذلك صورة الغلاف كانت رائعة، وهي ناجحة بالمضمون وبالتسويق”.

وعن اتهام البعض باتخاذ المسرحية طابعا نسويا خالصاً، تشدد حداد على أن “النسوية ليست تهمة وليست أمرا سيئا لكي نتهم فيه وندافع عن نفسنا منه، وكل انسان عادل يجب ان يكون مع “النسوية” لأن “النسوية” هي اعطاء الفرص المتساوية للنساء والرجال على السواء والتعامل معهم تحت القانون بالطريقة نفسها وهذا الأمر ينقصنا في لبنان”.

هل يتم تخطي الاخلاق؟

وتشدد أبيض من جهتها على أننا “لا نتخطى الاخلاق والتمثيل غير مبتذل لذلك تقبل المشاهد الموضوع، وهناك صعوبات على كل الاصعدة حتى في النص وبجرأته وقوته، واشعر بمدى اهمية بيروت لان هناك فسحة امل وحرية ببيروت لا توجد بأي بلد عربي اليوم وهذا الامر مهم جدا، واهم شيء هي فسحة الحرية التي نتمتع بها في بيروت”.

وتضيف: “اليوم ليس هناك في اي بلد عربي يمكن لأي شخصية مثلية ان تقف على المسرح وتقول انا هكذا خلقت وهذا الامر طبيعي، او عانس تقول ان الذي يريده المجتمع لم اقم به ولكن هذا الامر لا يعني انني على خطأ، وعلى الرجال ان يكونوا فخورين ان هناك نساء يتكلمن بتلك الامور”.

ابيض كذلك ترفض الرقابة، فتقول “نعيش اليوم في عصر العولمة والسرعة بالاضافة الى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية فأصبح كل شيء متاحا أمام المراهقين ولم يعد هناك رقابة على شيء، وعلينا ان نعلم المراهقين كيفية التمييز بين الخطأ والصواب وانتقاد ما يشاهدونه وتقييم الامور، والمسرحية لا تحدش الخياء او تشجع الارهاب والقتل والتطرف انما فقط تتناول الحرية الشخصية”.

ماذا عن ردود الفعل؟

وعن ردود فعل الجمهور على جرأة المسرحية، ترى حداد أنه “حتى الساعة آراء الناس والمشاهدين رائعة وايجابية تجاه المسرحية، وكل من يخرج بعد العرض يكون متأثرا بالادوار التي شاهدها، فمن جهة يضحك كثيرا ومن جهة أخرى يتأثر وتدمع عينه بسبب مواقف معينة، لانه شعر بأمور مؤلمة داخل المسرحية لذلك ردود الفعل كانت جيدة وافرحتنا كثيرا وهناك اقبال كبير على المسرحية، منوهة “بكل الاشخاص الذي عملوا وتعبوا معنا من المنتجة نور معتوق ومصمم الملابس شربل فغالي الذي عمل بشكل لافت على ملابس الممثلين، مرورا بمصممة الديكور هنا فاخوري، وصولا الى الممثلين والممثلات كافة”. كذلك لم تلاحظ ابيض اي انزعاج من الحضور فالناس “شعروا باهمية الحرية الفردية وهذا هي الرسالة الهامة”.

“قفص” يستمرّ عرضها حتى 30 تشرين الأول 2016 كل يومي أحد وإثنين على مسرح مترو المدينة في الحمرا الساعة التاسعة والنصف مساء. فهل تساعد على كسر المحرمات التي تواجه عالم المرأة من المهد الى اللحد؟