كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
تواجه حكومة الرئيس تمام سلام مأزقاً. إلا أنه لم يمسِ بعد مشكلة مستعصية تقودها إلى الإنهيار والإستقالة، مع أن أكثر من طرف فيها يلوّح بهذا الخيار بمَن فيهم رئيسها. أضف الذين خرجوا منها أو تركوا قدماً فيها وأخرى خارجها
يلخص رئيس الحكومة تمام سلام واقع الحكومة بأنه يراوح في المأزق نفسه، المرشح للإستمرار: “لا يزالون يصعدون الى أعلى الشجرة في انتظار أن يأتي مَن يُنزلهم عنها. سيأتي وقت يأتي مَن يفعل ذلك. كل ما يجري هو أنهم يرفعون النبرة ويتشددون لرفع سقف مواقفهم. لكن ماذا بعد؟”.
عندما يُسأل مَن يسعه إنزال وزيري التيار الوطني الحر عن الشجرة تلك، يقول: “لا أعرف. لكن بالتأكيد ليس أنا لأنني لست المعني. ربما يستطيع حلفاؤهم. لا يعربشون على شجرتي بل على شجرة البلد”.
ومع انه يجزم بأن لا جلسة لمجلس الوزراء في الايام القليلة المقبلة التي تسبق مغادرته الى نيويورك، للمشاركة في اعمال الدورة العادية للامم المتحدة، في إنتظار عودته من هناك، الا ان سلام يؤكد ان الاتصالات والمساعي لم تنقطع وستستمر حتى ذلك الوقت “على بطء وتيرتها وخصوصاً في أوساط الرئيس نبيه بري وحزب الله. لكن من من غير الواضح تماماً إلى أين ستصل وكيف؟”.
منذ جلسة 18 آب، عندما أخفق مجلس الوزراء في تعيين أمين عام جديد للمجلس الاعلى للدفاع خلفاً للواء محمد خير، وتالياً تأجيل تسريحه بعد يومين، يتكرر السيناريو نفسه على غرار السنة المنصرمة حيال الاستحقاق نفسه، في آب 2015، عندما صار الى تأجيل تسريحه وقائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان. ورغم وجود فارق رئيسي في مقاربة ذلك الإستحقاق عن اليوم، إلا أن وسيلة المواجهة ورد الفعل هي ذاتها: الإنقلاب على مجلس الوزراء وشلّ دوره. كانت للتيار الوطني الحر حينذاك ذريعة مبررة هي ترشيحه العميد شامل روكز لخلافة قهوجي، في حين يواجه اليوم مشكلات داخلية في صفوفه وتذمراً من علاقته بحلفائه وخصومه على السواء، ناهيك بتفاقم أزمة الرئاسة بعدما أشاع التيار قرب الوصول الى محطتها الأخيرة وإنتخاب الرئيس ميشال عون.
لكن المواجهة الجديدة، للأسباب نفسها السنة الماضية، ذهبت في منحى مختلف هو طرح ميثاقية انعقاد مجلس الوزراء في غياب وزراء ثلاثة مكونات مسيحية رئيسية هي ــــ إلى التيار ــــ حزبا الكتائب والقوات اللبنانية. أول الغيث تغيب الوزيران جبران باسيل والياس بوصعب عن جلسة الأول من أيلول إحتجاجاً على ما سماه باسيل “مسرحية” جلسة 18 آب، والتنصل من تعيين خلف لخير. فضّل وزير الخارجية في مستهل الجلسة تلك مناقشة التعيينات العسكرية، فاستمهله سلام الى ما بعد مناقشة جدول الاعمال، حينذاك طرح وزير الدفاع سمير مقبل ثلاثة أسماء محتملة لخلافة خير لم ينل اي منها غالبية الثلثين، ما شق الطريق الى تأجيل تسريحه على نحو معد سلفاً مطابق لعام 2015.
كانت تلك اشارة الى الطريقة التي سيبصر بها النور تأجيل تسريح قائد الجيش قبل الوصول الى اليوم الاخير من ولايته في 29 أيلول، إما بتعذر الاتفاق على خلف له أو تعذر التئام مجلس الوزراء. في ذلك مغزى “المسرحية” التي تحدث عنها باسيل.
لكن عبارة قالها وزير الخارجية عند انتهاء جلسة 18 آب أثارت اهتمام رئيس الحكومة: ما حدث في جلسة مجلس الوزراء اليوم ستكون له انعكاسات سلبية على الحكومة. التقط سلام فحوى العبارة الذي انطوى على تهديد مباشر، وعقب في وقت لاحق على رفع الجلسة بالقول متوجساً: الله يساعدنا.
رغم مشاركة حزب الله في جلسة الأول من أيلول بغية حمل مجلس الوزراء على تفادي اتخاذ قرارات في غياب وزيري التيار الوطني الحر، إلا أن سلام والغالبية الحكومية لم تجاره وأصرت على اتخاذ قرارات عُدَّ بعضها مهماً، ما حمل الحزب على مقاطعة جلسة 8 أيلول. سبق حضور جلسة الأول من أيلول التمني على رئيس الحكومة تأجيلها فسحاً في المجال أمام مساعي التهدئة، فلم يستجب، وصولاً إلى الجلسة الأخيرة التي قاطعها التيار والحزب وانضم اليهما تيار المردة وحزب الطاشناق، فتوقف النصاب القانوني على الوزير ميشال فرعون، رابطاً بين حضوره إياها وبين إقتصارها على التشاور فحسب دونما الخوض في جدول الأعمال.
مذ ذاك دخلت حكومة سلام في مأزقها الجديد، وهو لا يزال مستمراً منذ شهر، من غير أن يتضح المنحى الذي سيسلكه انقسامها مع عودة سلام من نيويورك، ومصير جلسة محتملة لمجلس الوزراء في 29 ايلول لبت تعيين قائد الجيش ورئيس الاركان.
ومع أنه ليس أول مآزقها منذ تأليفها قبل سنتين وستة أشهر، بيد أن حكومة سلام تواجه معطيات مختلفة هذه المرة:
أولها، أن رئيسها يتصرّف على أنه ليس في صدد التساهل، وإن لا يمانع في المهادنة. مصر على أن أي إنعقاد لمجلس الوزراء يجب أن يقترن بإتخاذ قرارات، وتالياً على الوزراء المقاطعين العودة إلى صفوفها فحسب. لكنه في المقابل ليس في وارد أن يكون في صورة تكرر “البروفيل” الإستفزازي للرئيس فؤاد السنيورة عندما ترأس حكومة 2005، وأصر على المضي في عقد اجتماعاتها وتجاهل إستقالة مكون رئيسي فيها هم الوزراء الشيعة حينذاك. بذلك يترجح سلام بين خياري انعقادها لإتخاذ قرارات أو التريّث فيه.
ثانيها، أن تيار المستقبل يبدو هذه المرة أقل تحريضاً حيال الفريق المقاطع، بشهادة تمسك وزيره نهاد المشنوق بالاستيعاب وتفادي إنفجار الحكومة من الداخل. وهو ما ردده على هامش الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء بتحبيذه عدم تحديد مواعيد جلسات قريبة لتجنب أي ردود فعل سلبية تؤدي الى انهيار الحكومة، وإن إقتضى صرف النظر عن عقد جلسات أكثر من أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. ما قد يفضي إلى التأني في توجيه أي دعوة الى إنعقاد مجلس الوزراء ريثما تنجح مساعي وقف الإشتباك. يعزز هذا الموقف الإعتقاد بأن عدم إجتماع مجلس الوزراء بما أفضل من إلتئامها وإنفجارها.
ثالثها، أن مأزق الحكومة مرشح للتصعيد على أبواب الذكرى السنوية لـ13 تشرين الأول (1990) التي يريدها عون مناسبة لعرض عضلات في الشارع المسيحي، تتجاوز مشكلة التيار الوطني الحر مع الحكومة الى طرح مسألة أكثر تعقيداً تحت عنوان الميثاقية في الحضور وليس في الغياب فحسب. هي المشاركة الفعلية للمكون المسيحي في السلطة. يشجع على هذا التصعيد احتمال انضمام القوات اللبنانية اليه في تحريك الشارع، رغم التباين المعلن بين موقفيهما من تأجيل تسريح قائد الجيش، من دون إستبعاد إنضمام حزب الله إليه أيضاً في المضي في معركة المقاطعة.