استهل سفير فرنسا الجديد بتونس مهامه بتصريح مثير للجدل على قناة “آر تي آل” الفرنسية، الأربعاء الماضي، وصف فيه تونس بأنها بلد منتج للإرهابيين.
وقال أوليفيه بوافر دارفور، إن مهمته الرئيسية على رأس الدبلوماسية الفرنسية بتونس تتمثّل في حماية أمن ثلاثين ألف فرنسي مقيمين بها من بينهم 15 ألف شاب يرتادون المعاهد الفرنسية يمكن اعتبارهم تحت التّهديد الدائم، ويجب على السّفارة أن تحميهم من المخاطر.
وجاء تصريح دارفور أياما قليلة بعد تنصيبه سفيرا لفرنسا بتونس خلفا لمواطنه فرانسوا غويات، ليثير موجة من الانتقادات شبيهة بتلك التي سبّبها موقف فرنسا الدّاعم لزين العابدين بن علي، أيّام الثورة التونسية سنة 2011.
تنديد واسع النّطاق
وفي تعليق حول تصريح دارفور، قال الإعلامي التونسي، سمير الوافي، عبر تغريدة على صفحته في “فيسبوك”، إن السفير الفرنسي الجديد ورطه لسانه المنفلت وانعدام الخبرة الدبلوماسية في تصريح متهور ومسيء لتونس.
وأضاف: “أنا أعتقد أن الفرنسيين في فرنسا يحتاجونه أكثر لحمايتهم من الإرهاب في بلده الذي ساهم ماديا وسياسيا في تمدد الإرهاب عالميا…وعليه أن يسأل “رئيسه” السابق ساركوزي عن دوره في ليبيا!”.
وقال القيادي بحزب تونس الإرادة المُعارض، طارق الكحلاوي، في تغريدة على صفحته في “فيسبوك”، إنه عندما يصرح السفير الفرنسي الجديد لإذاعة فرنسية بأنه قادم لتونس “لحماية الفرنسيين في تونس التي تفرخ الجهاديين”، فإنه ببساطة يعلن ما هو معروف… تونس مثل بقية المستعمرات الفرنسية السابقة هي مجرد مجال عمل وبيزنيس والعلاقة الوحيدة المهمة بالنسبة لباريس معها هي علاقة التأمين البوليسي للجالية الفرنسية، وفق تعبيره.
وأَضاف: “عقلية احتلال مرة، عقلية احتلال دائما… وطبعا لن نسمع أي احتجاج أو حتى تعليق غاضب من منظومة الحكم التي ترى في فرنسا ليس أقل من إله… كل التضامن معنا كجالية تونسية في تونس … ألا يستحق هذا الأرعن القادم من دبلوماسية القرون الوسطى وقفة احتجاجية تستقبله بالأحضان؟!”.
تواصل في اضطراب العلاقات التونسية الفرنسية
وقال البشير الجويني، الباحث في العلاقات الدولية،إن العلاقات التونسية الفرنسية تميزت بعد ثورة 14 كانون الثاني بالاضطراب الواضح، خاصة بعد تصريحات وزيرة الخارجية، ماليو ماري، التي دعمت فيها النظام السابق، مرورا بتعيين سفير لا يحظى بإجماع داخل فرنسا فضلا عن خارجه وهو بوريس بوايون، نهاية بخروج السفير السابق فرونسوا غويات دون تكريم رسمي من رئاسة الجمهورية التونسية، عكس العرف المعمول به، وهو ما يطرح أكثر من تساؤل حول علاقة الخارجية الفرنسية بنظيرتها التونسية، وفق تعبيره.
وأضاف الجويني، في تصريح لـ”عربي21″: “الأمر يصل وفق بعض المؤشرات إلى حالة من العداء المخفي ببرود في العلاقات تفسره التحذيرات المتكررة من السفر إلى تونس والتصريحات المتواترة من شخصيات فرنسية وازنة حول الوضعية الأمنية في تونس، وهو ما يجعل التساؤل حول الخيط الناظم بينها مشروعا”.
وتابع: “هل أن تونس التي وصفها هذا السفير المزمع تعيينه “مصدرة للإرهابيين” وفق تعبيره؟ إذا صح الأمر فهي ستكون أقل خطرا من فرنسا التي صدرت للمنظمات الإرهابية ولازالت، مواطنين فرنسيين ولدوا وتربوا في مدارس “الجمهورية” الفرنسية”.
واعتبر الجويني أن التصريح لا يجب أن يُقرأ معزولا عن مختلف السياقات الحافة به سيما أن انتظارات التونسيين من شريك هو الأول تجاريا تتجاوز حديث مسؤولين فرنسيين حول الأمن معيارا وحيدا لحكمهم على وضعهم في تونس وقدرتهم على الإفادة.
وأشار الجويني إلى أن القانون الدولي واضح باعتبار أنه نص عبر اتفاقية جنيف للعلاقات الدبلوماسية (1961) على رفض التدخل في الشأن الداخلي للدولة ويبقى الأمن والدفاع شأنا داخليا سياديا تونسيا لا يحق لأحد الحديث فيه تعريضا أو صراحة.
خطأ اتصالي يكشف حقيقة التقييم الأوروبي
واعتبر المُحلّل السياسي، علي اللافي، أن كل البلدان الأوروبية لم يرتق تعاملها مع تونس إلى اعتبارها ملفا سياسيا، واكتفى بالتعاطي معها كملف اقتصادي وأمني.
وأضاف اللافي، في تصريح لـ “عربي21”، أن السفير الفرنسي الجديد عبّر عن حقيقة التقييم الفرنسي للأوضاع في تونس، إلا أنه مثّل رسالة اتصالية خاطئة، مُؤكّدا أن التقييم الفرنسي هو تقييم يشمل كل دول الاتحاد الأوروبي، ولا يتعلّق بفرنسا وحدها.
وتابع: “الخلاصة هي أن السفير عبر عن رؤية أوروبية مرتبطة بتقييم مرحلي لوضع بلد متأثر بالتطورات الإقليمية المتسارعة، ولكن تصريحه يستبطن تصوّرا لطبيعة المرحلة القادمة بعد سحق داعش ليبيا وانعكاسات ذلك على المُحيط التونسي في الأسابيع المقبلة”.
صمت رسمي
ورغم الجدل الذي أثاره تصريح السفير الفرنسي الجديد؛ لم يُسجّل “عربي21” إصدار موقف رسمي من وزارة الخارجية التونسية التي التزمت الصّمت فيما يبدو أنّه تهرّب من إمكانيّة تأزيم العلاقات مع فرنسا، أشهرا قليلة قبل عقد المؤتمر الدولي لدعم الاقتصاد والاستثمار بتونس في موفّى شهر تشرين الثاني.
وشمل الصّمت كلا من حزبي نداء تونس وحركة النّهضة المُشاركين في الحكومة وأصحاب الأغلبية البرلمانية، في انسجام مع موقف الخارجيّة التونسية.