كتب جورج حايك في صحيفة “الجمهورية”:
لا شيء يؤشّر إلى إهتمام خاص بلبنان في برنامجَي المرشحَين المتنافسَين على الرئاسة الأميركيّة دونالد ترامب وهيلاري كلينتون باستثناء استعانتهما بمستشارَين لبنانيَّين، كلاهما مناضلان سابقان في “القوات اللبنانية”، هما بيتر ضو ووليد فارس. لكن هذا لا يعني أنّ أزمة لبنان باتت الشغل الشاغل للمرشحَين العتيدَين، بل لا بدّ من أن يتأثر لبنان بسياستيهما الشرق أوسطية، وهي ظهرت في بعض مواقفهما الإعلامية.في الحقيقة، تشير التجارب الرئاسية الأميركية إلى أنّ الواقع والمصالح الأميركية ولا سيما تلك المتعلقة بالأمن القومي تفرض نفسها في النهاية على أيّ رئيس أميركي، وبالتالي يجب عدم وضع الكثير من الاعتبار لما يتمّ الإعلان عنه خلال فترة الحملات الانتخابية، حيث يتبدل كلّ شيء بعد تولّي المنصب، وبعد أن يكون المرشّح أصبح رئيساً في موقع صناعة القرار، إذ تظهر له الأمور في حجمها الحقيقي، وبالتالي يتغيّر الكثير ممّا قرّره في هذا الملف أو ذاك.
مع ذلك، ثمّة إشارات تظهر في خطابَي كلينتون وترامب حول ما ستكون عليه سياستهما حيال أزمات الشرق الأوسط ولا بد أن يتأثر بهما لبنان بصورة غير مباشرة.
في البداية، لن يستطيع أيّ مرشّح عند وصوله إلى البيت الأبيض أن يغيّر في سياسة الولايات المتحدة التي أرساها الرئيس الحالي باراك أوباما حيال الأزمة السورية، فكلا المرشحين سيكونان مقيّدين بالإتفاق الأميركي الروسي المبدأي الذي قضى بإعلان الهدنة في سوريا والتنسيق بجهودهما العسكرية انطلاقاً من الأردن تمهيداً لبدء مفاوضات الحلّ السياسي.
أمام هذا الواقع، سيحرص ترامب وكلينتون على إبقاء الساحة اللبنانية مستقرّة وبمنأى عن النار السورية المباشرة حتى ولو ساءت الأوضاع مجدداً هناك، مع زيادة الدعم للجيش اللبناني، بهدف التصدي للإرهاب ولا سيما تمدّد تنظيم الدولة الإسلامية الذي يتصدّر برنامجَي المرشحين.
من جهة ترامب، من المتوقع أن يقلّص مشاركة الجيش الأميركي العسكرية في سوريا ليطلق يد روسيا في مهاجمة أوكار الإرهاب، إذ تلتقي مواقف المرشح الجمهوري الأميركي مع مواقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنّ أكثرية فصائل المعارضة لنظام الأسد تتألف من منظمات إرهابية وهو يؤيّد مشاركة الأسد في الحرب ضدّ الإرهاب، ما سيزيد في تورّط “حزب الله” في الحرب السورية نتيجة عدم وجود رادع له هناك.
لكن في المقابل، قد يميل ترامب إلى التشدّد مع إيران من خلال إضافة شروط على الاتفاق النووي، ومحاولة الضغوط على نفوذها في لبنان عبر التضييق على “حزب الله” وربما تكليف إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية له تؤدّي إلى تحجيمه وقد يدفع لبنان ثمنها غالياً.
ولعلّ الموقف الوحيد لترامب في ما يتعلق بلبنان كان إعلان استعداده مساعدة المسيحيين فيه، ما سينعكس ضغطاً أميركياً بإتجاه إجراء عملية انتخاب رئيس للجمهورية نتيجة التناغم الروسي الأميركي في أفق الشرق الأوسط وبالتالي التأثير القوي على حلفائهما الإقليميين وفي مقدمهما إيران والسعودية.
أما المرشحة الديموقراطيّة هيلاري كلينتون فستحاول شدّ البساط من تحت أقدام روسيا في ما يتعلق بالأزمة السورية. فما أحجمت عنه إدارة أوباما، قد تلجأ اليه إدارة كلينتون التي يرجّح أن تكون أكثر حزماً وأن تمضي في مساعدة المعارضة السورية على نحو فعّال من خلال مدّها بالسلاح النوعي لجرّ روسيا إلى حرب استنزاف. وعلاقة كلينتون مع بوتين لم تكن مريحة بتاتاً منذ أيام تولّيها وزارة الخارجية، وتضمر العداء لرئيس النظام السوري بشار الأسد. وسترسل قوات عسكرية أميركية لمهاجمة “داعش” وستجهد لخلق مناطق آمنة لحماية المدنيين قد تضطرها إلى ضرب الطائرات الحربية للنظام، الأمر الذي سيدفع طرفَي النزاع إلى طاولة المفاوضات وفق توازن قوى عادل على الأرض.
كلّ ذلك، سيؤدي ربما إلى عودة بعض النازحين السوريين من لبنان إلى المناطق الآمنة في سوريا. لكن لن تكون أولويات كلينتون الضغط على إيران لمنع “حزب الله” من الاستمرار في مشاركته في الحرب السورية، ولن تكون هناك خطوات فعالة لكلينتون بهدف تسريع الخطوات لإنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية ما دام اللبنانيون مستمرّين في خلافاتهم، وفي ظلّ الصراع البارد والساخن أحياناً مع روسيا.
بإختصار، ستكون استراتيجيّة كلينتون في الشرق الأوسط شبيهة باستراتيجيّة أوباما مع ميل أكثر إلى الحزم في سوريا والمحافظة على الاستقرار في لبنان وجعله في منأى عن الإرهاب، من دون تدخل مباشر يخلق ديناميكيّة تدفع بإتجاه انتخاب رئيس جديد، وبالتالي لا حلّ سريعاً لأزمات التعطيل التي يعاني منها لبنان في ظلّ عهد كلينتون إذا نجحت في الوصول إلى البيت الأبيض.
مهما كانت هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية لن يكون لبنان في أولوياته، إلّا في حال التغيير في الملامح العسكرية في سوريا ما يفضي إلى واقع جديد ينتج عنه تبدلٌ للأوضاع في لبنان، ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً نسبياً لأنّ التغيير لا يصير بين ليلة وضحاها.