كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
“… اذا لم نتّفق على ما بعد الرئاسة، لن تكون هناك رئاسة”. عبارة – مفتاح كرّرها رئيس البرلمان نبيه بري وأعادت تصويب “بوصلة” ملف الانتخابات الرئاسية بعدما اقتصرت مقاربته في اليومين الماضييْن على اسم الرئيس العتيد مع إسقاط “السلّة الكاملة” للحلّ التي سبق ان اعتبرها بري ومن ورائه “حزب الله” الممرّ الإلزامي لملء الشغور في سدّة الرئاسة المستمرّ منذ 25 ايار 2014.
ولم يقتصر “الجرس التذكيري” لبري على إعادة الاستحقاق الرئاسي الى “بيت طاعة” حلّ السلة الذي يشتمل ايضاً على قانون الانتخاب والحكومة الجديدة رئيساً وتوازنات وتعيينات في مراكز حساسة وضوابط لإدارة السلطة في العهد الجديد، بل ذهب ايضاً الى حدّ إعلانه امام زوّاره أنه كان يفضّل أن يدعو الرئيس تمام سلام الى جلسة لمجلس الوزراء قبل توجّهه الى نيويورك “لكنه (سلام) لا يريد التصعيد”، كاشفاً أنه (اي بري) “مع انعقاد الجلسات عند اكتمال النصاب القانوني وفقاً لما ينص عليه الدستور”، معتبراً انه “اذا لم يدع الرئيس سلام الى جلسات فكأنه يساهم في تعطيل الحكومة لا بل إعدامها”، مشدداً على “ان هناك من يريد اسقاط الحكومة، لكنني اقول إننا كحركة (أمل) و(حزب الله) اكثر من متفقين على بقاء هذه الحكومة لأنها إذا سقطت لا بديل منها ولن نستطيع ان نأتي بغيرها في غياب رئيس الجمهورية. وصحيح انها مشلولة او معطّلة لكنّ الكحل احسن من العمى”.
وشكّلت هذه المواقف لرئيس البرلمان محور اهتمام كبير في بيروت ولا سيما انها جاءت في غمرة “الغبار الكثيف” الذي ساد الساحة السياسية بعد تقارير تم نفيها لاحقاً عن ان زعيم “تيار المستقبل” سعد الحريري أبلغ عبر مدير مكتبه نادر الحريري الى زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون موافقته على انتخاب الأخير رئيساً في جلسة 28 الشهر الجاري.
كما ان أهمية ما أدلى به بري تنطلق من انه أعقب ما أوحت به هذه التقارير من أن المناخ الذي رافقها هو في سياق “جسّ نبض” شارع “تيار المستقبل” حيال اي انتقال محتمل للرئيس سعد الحريري من دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية الى تأييد العماد عون، كما “اختبار” حلفاء زعيم “التيار الحر” ولا سيما “حزب الله” في مدى جدّيتهم في انتخابه وتسهيل الطريق أمامه بمعزل عن “الحمولة الزائدة” التي يشكّلها موضوع “السلّة المتكاملة”، وسط معلومات تحدّثت عن ان الحريري عبر مستشاره غطاس خوري أبلغ الى فرنجية استمرار التمسك بترشيحه حتى الساعة ولكن مع وضْعه في المعطيات السلبية التي تحوط بترشيحه، ومن دون ان تصدر في الوقت نفسه اي إشارات ايجابية من “المستقبل” حيال “الجنرال”.
وبعدما كانت مواقف أكثر من نائب في “المستقبل” عكستْ ان لا شيء جديداً في مقاربة الحريري للملف الرئاسي وسط انتشار “هاشتاغ” على موقع “تويتر” ضدّ عون تضمّن “رفع صوت” من جمهور الحريري بوجه اي انتخاب لزعيم “التيار الحر” رئيساً، أتى كلام بري ليكرّس مراوحة الملف الرئاسي في حلقة التعقيدات التي لا تسمح بترقُّب أي انفراج قبل موعد الجلسة 45 لانتخاب الرئيس في 28 الجاري وهو التاريخ الذي حدّده العماد عون منطلقاً لإطلاق تحرك متدحرج في السياسة وعلى الأرض تحت عنوان “الميثاقية” واعتبار انتخابه مدخلاً لترجمتها فعلياً، وذلك بعدما كان تَسبّب بتعليق طاولة الحوار الوطني (يستضيفها بري) ودفع الحكومة الى مرحلة من الشلل بمقاطعتها واعتبار اي انعقاد لها في غياب وزرائه (وانسحاب وزير الكتائب من الحكومة وعدم مشاركة “القوات اللبنانية” من الأساس فيها) طعناً لمبدأ الشراكة الوطنية.
وفي هذا السياق قرأتْ دوائر سياسية عبر “الراي” في مواقف رئيس البرلمان رداً ضمنياً من حلفاء عون على المسار التصعيدي التصاعدي الذي حدّد “ساعة الصفر” له بعد عشرة ايام وصولاً الى المحطة المفصلية في 13 تشرين الاول، ملاحِظة ان بري بدا كأنه تحدّث ايضاً باسم “حزب الله” الذي كان “مسك واجباً” مع عون فلم يشارك في الجلسة الأخيرة للحكومة بهدف محاولة احتواء “غضبته” وإفساح المجال امام اتصالات التبريد، مع تمسُّكه في الوقت نفسه برفض إسقاط الحكومة في المرحلة الراهنة. علماً ان اندفاعة زعيم “التيار الحر” ترافقت مع تبلور ملامح التباين بينه وبين الحزب حيال آفاق “المعركة” التي أطلقها لكسْر حلقة الانتظار الداخلي والخارجي بما لا ينسجم مع المقاربة الاستراتيجية التي يعتمدها “حزب الله” في التعاطي مع الملف الرئاسي ومجمل الوضع اللبناني سواء في توقيت الحلّ او مرتكزاته وتحديداً لجهة “السلة المتكاملة” التي سبق ان استعمل “أنيابه العسكرية” العام 2008 للحصول عليها باعتبارها المدخل لتكريس امتيازات في السلطة من خارج اتفاق الطائف ولو مع رفْع شعارٍ معلن هو عدم الرغبة في تعديل هذا الاتفاق.
ولم يفت هذه الدوائر الإشارة الى رسالة بارزة وجّهها بري بإعلانه رداً على سؤال عن التحضيرات “العونية” للنزول الى الشارع: “الشارع واسع، يتسع للجميع، ثم هذا تحرك شعبي وهذا حق، لكن يجب ان نرى ما هي الطروحات”، وهو ما اعتُبر تلميحاً الى ان زعيم “التيار الحر” ليس طليق اليدين في لعبة الشارع، والأهمّ انه عكس احتدام العلاقة بين عون وبري الذي يتحفظّ عن انتخاب الأول رئيساً، وصولاً الى اعتبار البعض ان اقتناع الحريري بوصول زعيم “التيار الحر” الى بعبدا قد يكون أسهل من إقناع بري الذي يشكّل في الوقت نفسه بالنسبة الى “حزب الله” خطاً أحمر ومعْبراً على عون المرور به في طريقه الى القصر المهجور.