كتبت رولا حداد
ما يجري في ملف الانتخابات الرئاسية في لبنان، بعد سنتين و4 أشهر من الفراغ الرئاسي، بات جريمة موصوفة بحق رئاسة الجمهورية ومنطق الشراكة بين المسيحيين والمسلمين في لبنان، وهو ما يشكل جوهر ميثاق العيش المشترك.
كل شعارات “الميثاقية” الفارغة تسقط عند عتبة قصر بعبدا الفارغ من رئيس للجمهورية مسيحي يكون رأس السلطة والشريك فيها باسم المسيحيين.
وحتى في نظام ما قبل “الطائف”، والذي كان نظاماً رئاسياً بامتياز من الناحية الدستورية، لم يصل الى رئاسة الجمهورية أي “رئيس قوي” بموجب المواصفات التي يحاول البعض وضعها اليوم. فلا بشارة الخوري كان “قوياً” وهو سقط في منتصف ولايته الممددة بفعل التظاهرات المناوئة، ولا كميل شمعون كان “قوياً” في العام 1952، ولا حتى قائد الجيش فؤاد شهاب كان يوصف بـ”القوي” في الـ1958، ولا كل الرؤساء الذين أعقبوهم. وحده بشير الجميل كان “قويا”، وهو الآتي من قيادة “المقاومة اللبنانية”، لكنه سقط شهيداً قبل استلام الحكم.
رغم ما تقدّم لم يشعر المسيحيون بأي ضعف أو مشكلة لناحية شراكتهم في السلطة، رغم أن كثراً من رؤساء الحكومات في تلك المراحل كانوا “أقوياء” جداً في بيئتهم السنية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الرئيس الشهيد رشيد كرامي. ومرد ذلك أن رؤساء الحكومات كانوا يُعينون أكثر من مرة، وبالتالي يثبتون أنفسهم بعد المرة الأولى ويصبح قسم منهم مرجعية في طائفته. أما لدى الموارنة فلم يتم انتخاب أي رئيس للجمهورية مرتين، وعادة ما كان الرئيس يخرج “قوياً” من الحكم ولا يصل الى الحكم قوياً!
كل ما سبق يؤشر الى أمر أساسي، وهو أن تعطيل الانتخابات الرئاسية تحت شعار الإصرار على اسم وحيد للرئاسة بحجة “الميثاقية” وضرورة أن يكون الرئيس “قوياً”، إنما يشكل استهتاراً بموقع الرئاسة أولاً، لأن تطبيق الدستور يمنح القوة لأي رئيس، ويشكل استهتاراً لعقول اللبنانيين، كما يشكل طعنة للميثاق الوطني ومبدأ الشراكة المسيحية- الإسلامية في لبنان.
والأسوأ في ما يحصل أن اللبنانيين باتوا يدركون أن كل ما يجري لا يعدو كونه سيناريو معد سلفاً من “حزب الله” للإطاحة بالانتخابات الرئاسية، بناء على أجندة إيرانية، حتى إشعار آخر. لأنه لو كان “حزب الله” جدياً بدعم العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، لكان “الجنرال” أصبح رئيساً منذ أكثر من سنتين، تماماً كما تمت تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة في كانون الثاني 2011. لكن الحزب يستعمل طموح “الجنرال” المشروع لتعطيل الانتخابات الرئاسية، وإيجاد الذرائع الواهية للإبقاء على الفراغ الرئاسي، سعياً وراء تعديل على جوهر النظام اللبناني.
والمثير في الأمر هو كيف أن أركان حملة العماد عون الرئاسية لم يسألوا أنفسهم حتى اليوم عن مدى جدية دعم الحزب لمرشحهم، إلا إذا كانوا هم أيضاً يدركون في الصميم زيف ادعاءات الحزب، ويحاولون حشره ليس أكثر في الملف الرئاسي علّ وعسى… إلا إذا كان المطلوب نحر الرئاسة والشراكة على مذبح “الأنا” الرئاسية!