كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:
يراقب الرئيس نبيه بري تدفق التسريبات وتدافع المواعيد، على ضفاف جلسة 28 أيلول الرئاسية، من دون أن يبني عليها أو يتأثر بها، وهو العارف بـ «البئر وغطاها»، مكتفيا بابتسامة «مُشفّرة» حين يُسأل عن تعليقه على الانطباعات السائدة في بعض الاوساط البرتقالية بأن العماد ميشال عون سينتخب رئيسا للجمهورية في تلك الجلسة.
ما يزعج رئيس المجلس فقط، هو «تجهيل الفاعل» الحقيقي الذي يحول دون انتخاب عون حتى الآن، وبالتالي محاولة تحويل «الشبهات» في اتجاهه، من دون أن ينفي في الوقت ذاته حقيقة مشاعره وقناعاته التي تصب في بنشعي، لكنها لا تكفي وحدها ـ برأيه ـ لإجهاض حظوظ الجنرال وإقفال طريقه الى بعبدا.
وعليه، يستغرب بري الحملة المنظمة التي تستهدف تحميله المسؤولية عن عدم انتخاب عون، مشيرا الى أن الغاية منها تحوير الحقائق وتحريف الوقائع.
ويقول بري لـ «السفير» إنه إذا قرر الرئيس سعد الحريري دعم عون، يصبح «الجنرال» رئيسا يوم غد بمعزل عن موقفي، فكيف أكون أنا من أعرقل وصوله الى قصر بعبدا؟
منحاز لفرنجية
ولكن بري لا يخفي في الوقت ذاته خياره المبدئي: إذا خُيرت بين ميشال عون وسليمان فرنجية، فأنا أنتخب فرنجية من دون تردد، ولدي أسبابي.
وحين يُسأل بري عما إذا كان يمكن أن ينتخب عون إذا وافق الحريري على دعمه؟ يجيب: ليس بالضرورة.. وموقفي يمكن أن يتراوح بين الاقتراع بورقة بيضاء والانسحاب من الجلسة الانتخابية.
ولا يلبث بري أن يضيف مستدركا: فقط، إذا جرى التوافق على انتخاب عون ضمن سلة تفاهم وطني على مرحلة ما بعد الرئاسة، يمكن أن أنتخب «الجنرال»، لان الأولوية يجب أن تكون للمشروع السياسي لا للشخص، وحتى في ما يتعلق بفرنجية، أنا أقول صراحة إنه إذا لم يحصل اتفاق مسبق معه على مرتكزات السلة المتكاملة، فإن انتخابه سيُخرجنا من أزمة ليُدخلنا في أخرى فورا.
ويتابع بري موضحا ما يقصده: إذا جرى انتخاب رئيس للجمهورية من دون أن يكون مرفقا بتفاهم سياسي على رئاسة الحكومة وطريقة تشكلها وقانون الانتخاب، وفق منطق مؤتمر الدوحة، فكيف سيستطيع الرئيس المنتخب تكليف شخصية برئاسة الحكومة، وإذا افترضنا أنه استطاع ذلك، فهل ستتمكن هذه الشخصية من تأليف الحكومة وسط الشروط والشروط المضادة التي ستُطرح من هنا وهناك، وأنا للعلم أول من ستكون لديه مطالب وطلبات، ثم ان الوضع سيزداد تعقيدا عندما يحل موعد الانتخابات النيابية في ظل هذا التخبط.. ولذا، إنني أنبه الى أن انتخاب رئيس من خارج السلة المتكاملة سيعني نهاية الرئيس في بداية عهده.
الغطاء السعودي
ولا يعير بري الكثير من الاهتمام أو الأهمية للتسريبات حول لقاء سعد الحريري – جبران باسيل في باريس، لافتا الانتباه الى ان قرار القبول بعون رئيسا لا يتوقف على الحريري فقط، بل إن موقف السعودية في هذا المجال مفصلي، «ومعلوماتي المستمدة من مصادر موثوقة تفيد بأن الرياض لم توافق حتى هذه اللحظة على خيار عون، وما دام موقفها على هذا النحو، فإن أي كلام آخر هو كبيع السمك في البحر..».
وينفي بري بشدة أن يكون قد حرّض الحريري خلال اللقاء الأخير بينهما في عين التينة، قبل سفر رئيس «تيار المستقبل»، على الاستمرار في التمسك بترشيح فرنجية وعدم التجاوب مع محاولات إقناعه بتأييد ترشيح عون، معتبرا أن ما يُضخ من سيناريوهات وفرضيات في هذا السياق لا يعدو كونه قنابل دخانية أو صوتية للتمويه على الحقيقة.
في بداية ذلك اللقاء الذي حضره الوزير علي حسن خليل ونادر الحريري، استحوذ الرئيس الحريري على الكلام، وراح يشرح على مدى قرابة عشرين دقيقة متواصلة تفاصيل أوضاعه الصعبة، من النواحي كافة.
بعدما استمع بري الى المطالعة «العاشورائية» للحريري، توجه اليه بالقول: دولة الرئيس.. كلنا أوضاعنا صعبة، بشكل أو بآخر، وها أنا الرئيس نبيه بري «المعظّم» أترأس منذ سنوات مجلسا نيابيا معطلا ومشلولا، لا يفعل شيئا، فهل هذا واقع مقبول؟
ثم نظر بري الى نادر الحريري، وقال لرئيس «المستقبل»: يبدو أن الاتصالات بين نادر وجبران (باسيل) ناشطة..
لم ينف سعد الحريري التواصل المستمر بين الرجلين، فما كان من بري إلا أن سأله: هل السعوديون في جو مشاوراتك مع عون في الشأن الرئاسي؟
أجاب الحريري: كلا.. لكن لا أعتقد أنهم يمانعون.
هنا، اعتبر بري أن المسألة باتت منتهية وأن النقاش مع ضيفه حول فرضية عون لم يعد مجديا، ما دام الغطاء السعودي لها غير متوافر، وبالتالي تجنب طيلة اللقاء الذي تخلله عشاء أن يعيد البحث في هذه النقطة.
وأيا يكن الأمر، يحرص بري على التأكيد أن المحافظة على موقع الحريري هي مصلحة عامة وضرورة وطنية، مهما اختلفت معه، لأنه يبقى الطرف المعتدل الذي يمكنك ان تحاوره وان تلتقي وإياه في منتصف الطريق حول تسويات مقبولة، أما البدائل الاخرى المطروحة فلم تعد سلبياتها وسيئاتها خافية على أحد..
لن أخضع
ويرى بري أن تعطيل الحوار والحكومة والمجلس تحت شعار الميثاقية إنما يهدف الى الدفع في اتجاه إنتاج المعادلة الآتية: «انهيار الدولة أو انتخاب عون»، مؤكدا أنه يرفض الخضوع الى هذا النوع من الضغوط.
ويستغرب بري المعركة التي يخوضها «التيار الحر» باسم الميثاقية وصولا الى اعتباره الحكومة الحالية فاقدة لمشروعيتها بعد مقاطعة وزيريه لها، في حين ان الحكومة العسكرية التي ترأسها العماد عون في العام 1988 ظلت تعمل برغم استقالة نصف أعضائها المسلمين آنذاك..
لا تحرجوني
وفيما يعتبر بري أن قرار عون باللجوء الى الشارع يندرج في إطار الحق الديموقراطي، يتساءل في الوقت ذاته عما يمكن أن يجنيه الجنرال من هذه المغامرة، خصوصا أنه سيكون على الأرجح وحيدا في الشارع.
ويتابع: بعد مهرجان صور الأخير الذي كان حاشدا على المستوى الجماهيري برأي كل المتابعين، أعتقد أن امتحان الشارع لن يكون سهلا عليهم، وهناك من سيجري تلقائيا المقارنة العددية، ولذلك أنا أنصح بأن تكون حساباتهم دقيقة، وأيا يكن الامر فإن أفضل ما يمكن أن يقال إزاء التلويح بالشارع: «إذا هبت أمرا فقع فيه»، ونحن ننتظر ماذا سيفعلون..
ويشير بري الى أنه كان يفترض أن يساهم التفاهم الذي جرى بينه وبين «التيار الحر» حول قانون الانتخاب في تسهيل التسوية وإعطاء قوة زخم للحوار، إلا أن ذلك لم يحصل للأسف.
وينصح بري «التيار الحر» بألا يذهب بعيدا في إحراجه، «لأنني سأكشف الكثير متى قررت أن أبوح بكل ما أعرفه..».
تفجير كسارة
وفي الجانب الامني، يستهجن بري الضغوط العلنية التي مورست على الأمن العام والقضاء لإطلاق سراح شيخ ورد اسمه خلال التحقيق في تفجير كسارة، مؤكدا أنه ينتظر صدور القرار الظني في القضية، فإن تبين لي ان هذا الشخص متورط حقا، فلن تقوى أي جهة أو شخصية على حمايته، وسيؤتى به حتى تأخذ العدالة مجراها، مشيرا الى ان الإرهابي لا مذهب ولا دين له.
ويضيف: هل يتصور من تطوعوا للضغط على الأمن والقضاء حجم التداعيات التي كانت ستترتب على التفجير لو أنه أصاب أحد الباصات التي كانت تقل الناس من البقاع الى صور، للمشاركة في مهرجان الإمام السيد موسى الصدر.. غريب أمرهم، الضحية سكتت والمتهم يهوّل!