أنهى الرئيس سعد الحريري الجدل السياسي في البلاد حول حقيقة لقائه بالوزير جبران باسيل في باريس، فأكد لمسؤولين في تيار المستقبل أن اللقاء لم يحصل، وأنه لا انتخاب لرئيس جديد للجمهورية في جلسة 28 أيلول المنتظرة. التيار الوطني الحر، الذي عاش على أمل انتخاب النائب ميشال عون رئيساً، بدأ يعي استحالة هذه الخطوة في الجلسة المقبلة، ولكنه يبدو مُصراً: «من الشارع وإلى الشارع نعود»
غياب وزير الخارجية والمغتربين، جبران باسيل، عن متن الطائرة التي انطلقت من بيروت إلى نيويورك، والتحاقه في باريس بالوفد الرسمي إلى المؤتمر الإقليمي الأول للطاقة الاغترابية اللبنانية، خطوة كانت كافية لتُحيي الجمود السياسي في البلد المشلولة مؤسساته الدستورية والذي لا يزال غارقاً في أزمة نفاياته وتبعاتها.
محطة باسيل في العاصمة الفرنسية، دفعت الكثير من السياسيين إلى التحليل بأنّ هدفها كان عقد لقاء مع الرئيس السابق سعد الدين الحريري، محوره الأساسي إيجاد حل لعقدة رئاسة الجمهورية. سارعت قيادات تيار المستقبل وكوادره إلى نفي الموضوع والتأكيد أنّ مرشحهم إلى رئاسة الجمهورية لا يزال رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية. بيد أنّ أجواء التيار الوطني الحر كانت جدّ إيجابية، على اعتبار أنها لا تأتي من فراغ، بل هي نتيجة ذبذبات يُرسلها الحريري باتجاه الرابية، كما قال سابقاً أكثر من مصدر عوني.
الجديد في الموضوع الذي من شأنه أن يحسم هذا الجدل، ما علمت به «الأخبار» من مصادر مُقربة من سعد الحريري بأنّه أبلغ مسؤولي تيار المستقبل بأنه لم يلتق باسيل في باريس، جازماً في الوقت عينه بأنّ الجلسة الـ45 لانتخاب رئيس للجمهورية في 28 أيلول المقبل «لن تشهد انتخاباً للرئيس»، أكان اسمه ميشال عون أم سليمان فرنجية أم أي مرشح «تسوية» آخر. ويؤكد المقربون من الحريري أنّ «من المستحيل أن يسير بتسوية رئاسية من دون أن يكون قد مهّد لذلك مع حلفائه وداخل الكتلة النيابية ومع جمهوره».
الكلام الصادر عن الحريري، والذي يقطع الشكّ باليقين، يأتي بعد أن سيطرت حالة من الذُّعر على كلّ المتضررين من أي قنوات اتصال إيجابية مُمكن أن تُشق بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، الأمر الذي دفع كلّاً من الرئيس نبيه بري والسنيورة وفرنجية إلى شحذ هممهم، مستنفرين من أجل استباق أي خطوة مُمكن أن يقوم بها الحريري تجاه عون. تُرجم ذلك من خلال حركة الاتصالات التي أجراها هؤلاء، بين بري وفرنجية من جهة، وبين الثلاثة والحريري من جهة أخرى. ووصل الأمر إلى حدّ تلويح مستقبليين بإمكان انشقاق السنيورة عن كتلة نواب المستقبل إن سار رئيس التيار في انتخاب «الجنرال» من دون موافقة ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية.
جبهة بنشعي استعادت هدوءها بعد أن تيقنت من أنّ «جلسة 28 أيلول عادية»، على حدّ قول مصادر في تيار المردة. الارتياح يُسيطر على هذا الفريق، بأن الحريري لن يُقدم على خطوة من دون التنسيق مع مُرشحه المُعلن، «وما تكرار تيار المستقبل عدم حصول لقاء باريس وعدم وجود تعديلات على خيارهم الرئاسي إلا الدليل على ذلك».
وعلى الرغم من التفاؤل المُبالغ به الذي أشاعه التيار الوطني الحر في الأيام الماضية، إلا أن مصادره أبلغت «الأخبار» أنّ «جلسة 28 أيلول أصبحت قريبة، والحريري لا يُمكن أن يُقدم على هذه الخطوة دون أن يُحضر قواعده»، قبل أن تستدرك بأن «لا شيء يمنع أن يكون هناك جلسة انتخاب بعد هذا التاريخ». وتُصرّ المصادر على أنّ «الحريري عاطينا ريق حلو». وبالانتظار، تترقب مصادر «التيار» تطورات اليومين المقبلين، فمن المفترض أن «تُبان تطورات الملف بعد جلسة الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل برعاية حركة أمل. إضافة إلى وجود الكثير من علامات الاستفهام حول ما إذا كان الحريري سيزور الرياض أو أنه سيعود إلى لبنان».
أما الكلام عن أنّ حزب الله هو الذي يُعرقل انتخاب عون رئيساً، خاصة من قبل حليف التيار الجديد حزب القوات اللبنانية، فترى المصادر العونية أنّ «حزب الله قام بواجباته على أكمل وجه. ما المطلوب منه أكثر؟ النزول إلى الجلسة؟». ليس في قاموس «التيار» أي شكّ في حزب الله، «بعيداً عن محاكمة النيات التي تتعرض لها قيادته، حزب الله بادر وقدم طمأنات للحريري في رئاسة مجلس الوزراء». وفي هذا الإطار، تقول مصادر رفيعة المستوى في قوى 8 آذار إنه «حتى اللحظة، لم يتبلغ حزب الله أي رسالة إيجابية من سعد الحريري ردّاً على الطمأنات التي تلقاها»، خاصة بعد كلام النائب نواف الموسوي عندما أكّد أن «من يتخذ هذه الخطوة الجريئة (انتخاب عون) لن يترك وحيداً في مواجهة خصومه الداخليين أو غيرهم، لأنها ستقابل بأحسن منها إن لم يكن بمثلها».
وكان نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم قد اعتبر أمس أنّ «الذي أخّر انتخاب رئيس الجمهورية هو الموقف السياسي. بإمكاننا أن نحل مشكلة الرئاسة بأسرع وقت، وبالإمكان أن يحصل حوار في الكواليس ويجري الاتفاق على الكثير من التفاصيل. هذا الملف معلق لدى البعض على أصل قبول فلان الرئيس ورفض أصل أن يكون هذا الرئيس فيه المواصفات المحددة».
من جهته، بقي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مُصراً على النغمة ذاتها، بالرغم من رفض التيار الوطني الحر لها، بأنه يعتقد أنّ «حزب الله ليس جاداً في تأييد عون فهو يؤيده كلامياً فقط، وأكبر دليل على ذلك أنه بعد تأييد حزب القوات لعون، أصبح هناك احتمال كبير لدعم ترشيحه، لكن حزب الله لم يتخذ أي خطوة جادة في هذا الاتجاه حتى الآن». تحليلات جعجع جاءت في تصريح له لـ»وكالة الأنباء الألمانية» (د.ب.أ)، اعتبر خلاله أنّ حزب الله «لا يريد جمهورية حقيقة ولا رئيساً قوياً، لأن ذلك يعني ببساطة إضعاف دور الحزب، والعكس صحيح. أرى أنهم سيدعمون رئيساً بقياسات أبعد بكثير عن قياسات عون. سيدعمون رئيساً يكون ضعيف الشخصية ليرتهن لقرارهم، وهذه أمور لا تتوافر في عون».
إلا أنّ المستفيد الأول من عدم انتخاب عون رئيساً، قد يكون جعجع نفسه الذي أقرّ بأن الترشح إلى رئاسة الجمهورية لا يزال يراوده، «ليس من باب الوجاهة وتحقيق الذات بقدر الرغبة في تحقيق الكثير من الأفكار التي من شأنها النهوض بمستقبل لبنان». قبل أن يستدرك بأنّ «الظرف الراهن غير ملائم لذلك»، وبأنّ القوات اللبنانية مستمرة في ترشيح عون.
وتعليقاً على ما نشرته «الأخبار» في عددها الصادر أمس، بأنّ مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في «القوات» ملحم رياشي أبلغ مسؤولين في تيار المستقبل بأن «القوات ستشارك التيار الوطني الحرّ بالتحرّك تحت عنوان الميثاقية»، لفتت مصادر معراب إلى أنّ «القوات أبلغت تيار المستقبل أنها ستُشارك مع التيار في تحركه الشعبي بحالة واحدة، وهي المسّ بعصب الميثاقية الذي يتمثل بقانون الانتخابات».