Site icon IMLebanon

كرة المحاسبة تتدحرج: ميشال المر ويوسف متهمان

communication

 

 

كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “السفير”:

في غفلة عن الفراغ المستحكم بكل مفاصل الدولة، ما تزال لجنة الاتصالات النيابية، ومن خلال سياسة النفس الطويل، تصر على إحباط المراهنين على استسلامها للواقع وكف يدها عن ملف الاتصالات المتشعب، وترفض الاستسلام لمنطق يسعى إلى فرض نفسه على الجميع: «الرؤوس الكبيرة» لا يمكن الوصول اليها. وهو إصرار بدأ يؤتي ثماره، على ما تبين في الملفين المتفرعين عن ملف الانترنت غير الشرعي، أي التخابر الدولي غير الشرعي (ستوديو فيزيون) والسعات الدولية (E1) التي كانت شركتا الخلوي تشتريهما من القطاع الخاص بأسعار أعلى بكثير من أسعار «أوجيرو».

أمس، أثبت المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم أمام الحاضرين في اجتماع اللجنة أنه عندما تطلق يد القضاء تكون العدالة وحدها بوصلته. وعليه، فقد ادعى على شركة «ستوديو فيزيون» التي يملكها ميشال غبريال المر، بتهمة هدر المال العام، بعدما ثبت له أن الشركة كانت تعمد إلى بيع الاتصالات الدولية بيعاً غير شرعي، حيث بلغت خسارة الدولة التقريبية نحو 60 مليون دولار.

ولأن القاضي اكتفى بالأدلة التي يتضمنها الملف، لم يكن بحاجة إلى تحويل القضية إلى قاضي التحقيق، بل اختصر الوقت وحوّلها مباشرة إلى القاضي الجزائي المنفرد، أي إلى المحكمة، التي ينتظر منها أن تصدر حكمها في القضية.

بين الجنحة والجناية دار النقاش. هل يعقل أن تعتبر سرقة الأموال العامة مجرد جنحة (تصل العقوبة إلى ثلاث سنوات سجن حداً أقصى مع إلزام المتهم بإعادة الأموال المنهوبة)؟

«ذلك هو القانون اللبناني»، أجاب القاضي علي ابراهيم، فهدر المال العام هو بحسب قانون العقوبات جنحة وليس جناية. وبغض النظر عن الجدل القانوني حول توصيف الجريمة أو حول ضرورة توقيف المتهمين على ذمة القضية من عدمه، فإن ما حصل يسجّل في خانة الانتصار لمبدأ مكافحة الفساد. علماً أن القاضي المنفرد يستطيع بمجرد استلام الملف أن يطلب توقيف المتهمين إلى حين صدور الحكم، على أن تحسم فترة التوقيف من فترة العقوبة.

في الملف الثاني، أي ملف خطوط E1 الذي لا يقل أهمية أيضاً، كونه ينطوي على هدر يقدر بنحو 40 مليون دولار في سنة واحدة، فقد قرر القاضي ابراهيم بعد الاستماع إلى وزير الاتصالات السابق نقولا صحناوي والمدير العام للاستثمار في وزارة الاتصالات عبد المنعم يوسف وممثلي شركتي الخلوي، ملاحقة يوسف بتهمة الإهمال الوظيفي. وهو لذلك، طلب من وزير الاتصالات الإذن بذلك، على أن يعمد بعد حصوله على الإذن إلى تقرير مسار القضية، إما بإحالتها إلى قاضي التحقيق إذا رأى أن التحقيقات بحاجة إلى استكمال أو إلى القاضي الجزائي المنفرد، إذا كانت المعطيات التي بين يديه كافية لبدء المحاكمة.

وفيما طلب الوزير بطرس حرب من المدعي العام المالي بعض التوضيحات ليقرر على أساسها إعطاء الإذن من عدمه، فقد علمت «السفير» أن ابراهيم أرسل كتاباً إلى وزير الاتصالات يتضمن ملخصاً للتحقيقات التي أجراها.

وفي انتظار قرار الوزير، الذي كرر، بعد الجلسة، أنه لن يغطي أياً كان مهما علا شأنه، فإن نواب «التيار الوطني الحر» سعوا إلى «توسيع» ملف يوسف، وعدم حصره في جنحة السعات الدولية، والتذكير بدوره أيضاً في منع تشغيل شبكة «الألياف الضوئية»، مع ما يعنيه ذلك من تحميله المسؤولية عن كل التأخير الذي عانى منه القطاع لسنوات طويلة.

كل ذلك كان يجري وسط صمت تام من قبل نواب «المستقبل»، الذين على جاري عادتهم مؤخراً، لم يدافعوا عن يوسف، الذي شوهد وهو يدخل إلى مبنى مكاتب النواب حيث تعقد الجلسة. وبرغم أن ملائكته كانت حاضرة في جلسة لجنة الاتصالات، إلا أنه ظل بعيداً عن أبوابها، فقد تبين أنه كان يشارك في جلسة للجنة الفرعية التي تدرس مشروع القانون المتعلق بالمعاملات الالكترونية ذات الطابع الشخصي.

الملفان المتفرعان عن قضية الانترنت غير الشرعي، سلكا طريقهما القضائية، لكن ماذا عن الملف الأساس الذي «يعس» منذ آذار الماضي أمام القضاءين العدلي والعسكري؟ فلا المتهمون المعروفون للقاصي والداني صاروا وراء القضبان ولا الأموال الطائلة التي سرقت، وتقدّر بنحو 200 مليون دولار في السنة، أعيدت، ولا حتى صدر قرار ظني بحق أي منهم. مجرد إجراءات شكلية تستهلك الوقت، من دون أن يضع القضاء حداً لها.

لم يناقش الموضوع في لجنة الاتصالات «بسبب وجود المدعي العام التمييزي (سمير حمود) خارج البلاد»، حيث أرتأى رئيسها حسن فضل الله تأجيل الملف «بانتظار عودته لنطلع منه على نتائج التحقيقات القضائية التي لا تزال مستمرة». لكن القرارين اللذين أصدرهما المدعي العام المالي، من المفترض أن يضغطا باتجاه وضع الملف الأخطر على سكة المحاسبة وعدم إبقاء المتهمين أحراراً، كما جرى مع فضيحة شبكة الباروك.

بدا النائب فضل الله واثقاً من أن العدالة ستنتصر. وهو لذلك توجه إلى اللبنانيين بالقول: يمكنكم أن تثقوا بمؤسساتكم برغم كل التعطيل الحاصل، كما يمكنكم أن تثقوا بأن هناك أناسا جديين وحريصين على المال العام برغم كل محاولات الإحباط والتثبيط وأحيانا الإشارات السلبية من هنا وهناك. والأمر نفسه كرره الوزير بطرس حرب، مشيراً إلى أن هناك بشائر تؤكد أن «هذه الملفات لن تلفلف»، مبدياً ثقته من أنه «اذا كان لأي شخص حق فإن ملاحقة صاحب الحق لحقه لا يمكن ان تسقط او تميت هذا الحق».