كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: … “حرَكة بلا برَكة”. هكذا يبدو المشهد السياسي في لبنان حيث تلقّفت دوائر مطلعة باهتمام لقاءات رئيس الحكومة تمام سلام في نيويورك والتحرُّك الفرنسي في اتجاه كل من ايران والسعودية في محاولة لخرق جدار الأزمة الرئاسية التي صارت في سِباقٍ داخلي مع مسار التصعيد الذي يتهيأ له زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون بعدما وضع الحكومة والحوار الوطني في “قفصٍ” مفتاحه… قصر بعبدا.
وعلى أهمية لقاء سلام اول من امس، مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند كما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اللذين يبذل بلديْهما مساعٍ لإنهاء الأزمة اللبنانية، فإن الدوائر المطّلعة في بيروت لا تعوّل كثيراً على قدرة باريس والقاهرة على اجتراح حلولٍ هي أقرب الى “المعجزات” في المرحلة الراهنة ولا سيما في ظل وقوف الحرب السورية امام مفترقٍ دقيق، والأهمّ وسط انتقال العلاقة بين ايران والسعودية، اللتين تنخرطان في الاشتباك الكبير في المنطقة، الى مرحلة من “التوتر العالي” العلني غير المسبوق.
ولم تنتظر هذه الدوائر تكشُّف نتائج لقاءيْ هولاند مع كل من نظيره الايراني حسن روحاني وولي العهد وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، وذلك بعد اجتماع الرئيس الفرنسي مع سلام، لتشير الى ان الأفق الخارجي ما زال مقفلاً امام اي انفراجات محتملة للواقع في لبنان وخصوصاً بعد انهيار الهدنة في سورية وصعوبة تَوقُّع بلورة اي خطوط عريضة لحلول جدية للحرب فيها قبل مجيء الإدارة الاميركية الجديدة. علماً ان هولاند أكد لسلام “دعم فرنسا للبنان على مختلف الصعد” وشدد على “ضرورة متابعة عمل المؤسسات من البرلمان ومجلس الوزراء وأهمية انتخاب رئيس للجمهورية وان فرنسا ستعمل وتتابع اتصالاتها مع جميع الفرقاء للوصول الى انتخاب رئيس”، كاشفاً ان بلاده “في طور الاعداد لاجتماع لمجموعة الدعم للبنان ربما في تشرين الثاني في باريس لاتخاذ ما يلزم من تدابير لمساعدة لبنان على جميع الصعد”.
أما اختراق جدار الأزمة اللبنانية بـ “ترياقٍ” محلّي، فيبقى مرهوناً بـ “الاستسلام” امام شروط “حزب الله” الذي يدعم رسمياً عون ويرسم لايصاله الى بعبدا خريطة طريق تشتمل كنقطة ارتكاز على “السلة الكاملة” (قانون الانتخاب والحكومة الجديدة رئيساً وتوازنات وبياناً وزارياً وبعض التعيينات وضوابط لإدارة السلطة وعمل بعض الصناديق).
وفي هذا الإطار عبّرت الدوائر نفسها عبر “الراي” عن شكوك حيال “الأولوية بالمفاضلة” بالنسبة الى “حزب الله” بين عون او “السلّة”، لافتة في سياق آخر الى ان من الصعوبة بمكان تَصوُّر ان يعلن “تيار المستقبل” (يقوده الرئيس سعد الحريري) “رفْع العشرة” في الملف الرئاسي بحيث يسير بدفتر شروط “حزب الله” بما يعني “تسليم” لبنان بالكامل الى “الحلقة الايرانية” و”إطلاق رصاصة الرحمة” على الواقع السياسي والشعبي لـ “المستقبل”.
واذا كان العماد عون يتعاطى مع الملف الرئاسي من زاوية سلطوية ولو رفع لمعركته شعار الميثاقية والشراكة المسيحية – الاسلامية، فإن الدوائر المطلعة تذكّر بأن مقاربة “حزب الله” لهذا الاستحقاق هي استراتيجية من زاوية ارتباطه بحرب النفوذ المتعددة الجبهة التي تخوضها ايران على امتداد المنطقة كما من زاوية انه المدخل لتكريس أعراف دستورية تشكّل امتيازات للطائفة الشيعية في النظام اللبناني ولو من بابٍ التفافي على اتفاق الطائف.
ومن هنا، تلاحظ هذه الدوائر ان “حزب الله” الذي يحاول حشْر الحريري بوضْعه أمام “مخرج لا ثاني له” للأزمة هو انتخاب عون مع “التفكير” في إمكان عودته لرئاسة الحكومة، يبدو كمَن يسعى لـ “تبرئة ذمّته” امام حليفه زعيم “التيار الحر” من خلال الايحاء بأنه يرفع منسوب الضغط على خصومه لانتخابه ويزيل المعوقات من أمام وصوله الى قصر بعبدا، في حين يتكفّل رئيس البرلمان نبيه بري، شريك الحزب في الثنائية الشيعية، بالتصدي لعون ومجمل حركته التصعيدية الداخلية وصولاً الى تكراره (بري) ان لا رئيس بمعزل عن السلة المتكاملة والمجاهرة بأنه يفضّل المرشح الرئاسي النائب سليمان فرنجية (يؤيده الحريري) عليه، وهو الامر الذي يوفّر لزعيم “المستقبل” ملاذاً للاستمرار برفض عون على قاعدة “ليؤمّن الجنرال تأييد بيته الداخلي اولاً اي فريق 8 آذار قبل ان يطلب دعم خصومه”.
وكان لافتاً في هذا السياق ان “كتلة المستقبل” استبقت جولة الحوار الثنائي بين التيار و”حزب الله” التي انعقدت ليل الثلاثاء بتأكيدها أن “مبادرة الرئيس الحريري المتمثلة بدعم ترشيح النائب فرنجية لرئاسة الجمهورية مستمرة وقائمة، والآخرون هم المطالبون بتقديم ما لديهم من اقتراحات ومبادرات”، مشيرة إلى أن “ادعاء حزب الله بأن المملكة العربية السعودية وتيار المستقبل يتحملان مسؤولية تعطيل انتخابات الرئاسة، هي ادعاءات مردودة وبائسة وسخيفة ولا تنطلي على أحد”.
اما حوار “المستقبل” – “حزب الله” في عين التينة (حيث مقر بري) فركّز على “تعطيل المؤسسات الثلاث والمخاوف الناجمة عن توقف الحوار، وانعكاسات ذلك على الاستقرار في البلاد”، وسط تقارير عن ان ممثلي “المستقبل” أبلغوا الى وفد “حزب الله” ضرورة تحمّل الأخير وزر تأمين الأصوات اللازمة من حلفائه لانتخاب مرشحه عون إذا كان جدياً في دعم وصوله إلى سدة الرئاسة بدل التلهي والتلطي خلف تحميل “المستقبل” مسؤولية انتخابه من عدمها، رافضاً منطق ان للرئاسة الأولى مساراً واحداً هو عون، وان الحزب أكد الرغبة في استئناف جلسات الحوار الوطني من دون ان يحسم اذا كان سيكرّر التضامن مع عون في مقاطعة جلسات الحكومة.
وكان لافتاً ان “المستقبل” و”حزب الله” اتفقا على موعد للقاء جديد في 12 تشرين الاول، اي عشية التاريخ الذي حددّه “التيار الحر” لتتويج مسار التحرك في الشارع الذي سيبدأ بعيد جلسة الانتخاب الرئاسية في 28 الجاري ما لم تفضي الاتصالات التي تسبقها الى ضمان ان توصل “الجنرال” الى قصر بعبدا.
ومع حسْم كل المؤشرات ان عون لن يكون رئيساً بعد ستة أيام وإعلان “التيار الحر” ان “لا عودة الى الوراء” وان ما بعد 28 ايلول ليس كما قبله، تشير الدوائر المطلعة نفسها الى ان لبنان مقبل على مرحلة أشدّ تعقيداً في ظل تحويل “الجنرال” حركته الرئاسية الى “عِراك” سياسي سيزيد من العوائق امام انتخابه، وسط تحذيرات من مخاطر لعبة الشارع الذي شهد امس تحركاً احتجاجياً لسائقي السيارات العمومية قطع اوصال لبنان لساعات، فيما لاحت من دوحة عرمون (جنوب بيروت) “إشارات فوضى” بعد الاشتباكات المسلّحة بين مجموعاتٍ اختلط فيها لبنانيون وسوريون وتشابكت فيها الولاءات والاعتبارات السياسية وذات الصلة بصراع النفوذ على الشارع و”المغانم”.