كتب داود رمال في صحيفة “السفير”:
جنّبت المؤسسة العسكرية لبنان دماء ودموعا جديدة، بتنفيذها، أمس، عملية أمنية جريئة ونظيفة ومُحْكَمَة في وضح النهار في عمق مخيم عين الحلوة، أدت إلى إلقاء القبض على «العقل المدبر» في تنظيم «داعش» في أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في لبنان المدعو عماد ياسين، صاحب الألقاب المتعددة.
وللمرة الأولى يتردد على مسامع اللبنانيين، مصطلح «وحدة خاصة من وحدات النخبة في مديرية المخابرات». مجرد الإعلان عن هذه الوحدات «كان بمثابة رسالة بأن المؤسسة العسكرية، وفي موازاة المواجهة المستمرة مع الإرهابَين التكفيري والإسرائيلي، تطوّر قدراتها القتالية وصولا إلى إنشاء وحدات خاصة مدربة أعلى تدريب وقادرة على تنفيذ أصعب المهمات النوعية وأدقها وأخطرها».
هي المرة الأولى منذ عقود تطأ فيها قوة كوماندوس لبنانية أرض مخيم عين الحلوة، بقرار يهدف إلى إلقاء القبض على أمير «داعش» في المخيم. الإرهابي المعروف الذي لطالما تكرر ذكر إسمه منذ رُصِد تواصلُهُ المباشر مع مركز إمارة «داعش» في الرقة السورية.
في أغلب الأحيان، كان ياسين هو المبادر إلى التواصل مع «داعش» لـ «عرض الخدمات»، إلى أن تمكنت مديرية المخابرات من كشف مخطط نسقه «أبو هشام» أو «أبو بكر» أو «عماد عقل» (الألقاب الثلاثة لعماد ياسين) مع مسؤول العمليات الخارجية في «داعش» أبو خالد العراقي، الذي قال له حرفيا: «أريد كرّادة جديدة في لبنان»، وذلك اسوة بالمجزرة الإرهابية المروعة التي ارتكبها تنظيم «الدولة» في محلة الكرادة في العراق وذهب ضحيتها مئات الشهداء والجرحى.
منذ تاريخ ذلك الاتصال، لم تغفل عين المخابرات عن ياسين وكل من يدور في فلكه، وقررت متابعته بدقة إلى حد إحصاء أنفاسه، حتى تجمعت أمامها «داتا» كاملة من المعلومات حول علاقاته ومجموعاته وارتكاباته وبينها تنفيذ عدد من عمليات التفجير والقتل.
ما الذي عجّل بتحديد «ساعة الصفر» لإلقاء القبض عليه؟
تقاطعت المعلومات والمتابعات على أن عماد ياسين صار «قاب قوسين أو ادنى من تنفيذ سلسلة أعمال إرهابية كبيرة متزامنة في أماكن مختلفة هدفها إيقاع أكبر عدد من الضحايا وضرب الاقتصاد والسياحة في لبنان، بما يؤدي إلى جعلها عملية تتجاوز بنتائجها وتداعياتها ما جرى في الكرّادة العراقية وفي عواصم أوروبية.
ما هي أبرز الأهداف؟
تبين أن ياسين بصدد تنفيذ عمليات متزامنة ضد كازينو لبنان، وسط بيروت، مصرف لبنان، محطتَي توليد الكهرباء في الجية والزهراني، فضلا عن التخطيط لتفجير ضخم يستهدف «سوق الإثنين» في مدينة النبطية، واستهداف قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) في جنوب الليطاني واستهداف محلات «KFC» في ضبيه ودوريات ومراكز للجيش ومحاولة إشعال جبهة الجنوب عبر عمليات مشبوهة وتحديدا إطلاق صواريخ «كاتيوشا» باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومع تحديد «ساعة الصفر» لإلقاء القبض على «الأمير»، قامت وحدة خاصة من وحدات النخبة في مديرية المخابرات بتنفيذ عملية خاصة ونوعية ودقيقة جدا أفضت إلى إلقاء القبض على ياسين في منتصف النهار وقبل أذان الظهر في عز حالة الازدحام في المخيم، حيث كان يتجول في منطقة «حي الطوارئ» بالقرب من مسجد زين العابدين القريب من حاجز الجيش اللبناني عند المدخل الفوقاني للمخيم. لم تستغرق العملية أكثر من دقائق قليلة، لكن سبقتها وتلتها إجراءات أمنية احترازية مشددة شملت محيط المخيم ومدينة صيدا ومداخلها وبعض «النقاط الحساسة» من وجهة نظر مخابرات الجيش.
وما ان انتقل موكب مخابرات الجيش من ثكنة صيدا باتجاه اليرزة، حتى تم إبلاغ الفصائل الفلسطينية في المخيم، بوجوب أخذ العلم والخبر بأن الجيش تمكن من إلقاء القبض على عماد ياسين، مع رسالة واضحة خصوصا إلى «جند الشام» «ومَن يعنيهم الأمر في المخيم»، بأن القيادة العسكرية «اتخذت قرارا بالرد بقوة وحزم على أي اعتداء يستهدف الجيش اللبناني أو محيط المخيم».
وعندما تحركت بعض المجموعات وراحت تلقي بعض القنابل نحو حواجز الجيش وتحاول ترويع الآمنين في المخيم، جرى توجيه رسالة جديدة مفادها أن الإرهابيين المتوارين في بعض أحياء المخيم وأزقته «هم تحت أعين الجيش، لذلك، ننصحكم بإقناعهم بتسليم أنفسهم لأن يد المخابرات ستطالهم عاجلا أم آجلا، وهم: بلال بدر، هيثم الشعبي، أبو محمد الشيشاني ومبارك فيصل العبدالله».
والثابت أيضا، وفق المعلومات التي توافرت لـ «السفير»، أن مجموعات على علاقة وثيقة بالإرهابي عماد ياسين وبلال بدر «ساعدت في إنجاح العملية».
وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، أبرزت اعترافات ياسين أمام المحققين في مخابرات الجيش في اليرزة معلومات تتعلق بالمجموعات الإرهابية التي كان على صلة بها (ناشط في التجنيد والتخطيط والتنفيذ) في المخيم وخارجه حيث يتمحور الجهد الاستخباراتي على كيفية الوصول السريع إلى أولئك الناشطين خارج المخيم قبل أن يتواروا عن الأنظار، فيما تتواصل التحقيقات مع ياسين بإشراف القضاء المختص.
يُذكَر أن عماد ياسين فلسطيني من مواليد مخيم المية ومية (47 سنة)، وهو من أوائل المنتمين لـ «عصبة الأنصار»، ثم انشق عنها العام 2003، ليشكل تنظيما جديدا أطلق عليه تسمية «جند الشام» مع عدد ممن توافقوا معه على الفكر السلفي المتشدد.
وقد تعرض ياسين لأكثر من محاولة اغتيال، فأصيب في العام 2003 في بطنه وقدميه ويده اليمنى، وتم علاجه في منزله الذي لازمه لأشهر طويلة وتجنب الظهور علنا، كما أنه مطلوب بمذكرات توقيف غيابية عدة.