كتيت ليا قزي في صحيفة “الأخبار”: أزمة تصريف موسم التفاح، نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة وبروز فريق جديد في المنطقة هو لائحة «بشرّي موطن قلبي»… أمور تشغل بال حزب القوات اللبنانية في «مسقط رأسه» حالياً. بعد طرد عدد من «الرفاق» لعدم التزامهم بالقرار الحزبي، تستعد قيادة معراب لخوض الانتخابات النيابية وهي تواجه فريقين: القواتيون السابقون من جهة، والزعامات التقليدية والأحزاب الأخرى من جهة ثانية.
يتصرّف حزب القوات اللبنانية في قضاء بشرّي كما لو أنه «مالك الصكّ». ليس بإمكان أحد أن يُنكر بأنّ القضاء موطن شعبية رئيس الحزب سمير جعجع، والعصب الأساسي للقوات. والكلّ يعلم أنّ «حُراس» بشرّي لن يتوانوا ربما عن التأهب كلما دعت الحاجة في معراب إلى ذلك.
تماماً كما هو الوضع في قضاء الزهراني بالنسبة إلى حركة أمل أو أهمية ضاحية بيروت الجنوبية لحزب الله. الدخول إلى قضاء بشري غير ممكن من دون المرور بجانب لافتات عملاقة كُتب عليها: «نائبا جبّة بشري ستريدا جعجع وإيلي كيروز يرحبان بكم في منطقة بشري». حجة رفعها أنها كانت بالتزامن مع انطلاق مهرجانات الأرز الدولية. تسقط هذه النظرية بمجرد أن لا تكون اللجنة المُنظمة أو البلديات المعنية هي التي تُرحب بالوافدين إلى «القضاء المُقدس».
حصن القوات اللبنانية لم يتمكن أحد من القفز فوق أسواره، إلا أنّ شظايا عديدة أصابته بعد فرز صناديق الاقتراع في «البلدية». الدليل على ذلك هو تغيير قيادة القوات استراتيجيتها في التعامل مع بشرّي، ولو أنها تُمارس فعل المكابرة عبر نفي ذلك. يظهر التغيير، أولاً، من خلال تكليف مسؤول مدينة بشري وأحد المقربين من جعجع طوني الشدياق التواصل مع «بشري موطن قلبي» وترتيب أوضاع «البيت الداخلي»، وخصوصاً أنه ترافق مع انتقادات عدّة توجه إلى طريقة عمل الفريق المحيط بستريدا جعجع.
ثانياً، ارتفاع وتيرة وجود جعجع في مسقط رأسه، على الرغم من المخاطر الأمنية. يبدو من «المُسلّم به» بالنسبة إلى القوات اللبنانية أن يُشارك رئيس الحزب في افتتاح مبنى بلدية في بقاعكفرا، أو أن يكون حاضراً في إطلاق مشروع مكننة بلدية بشري، الذي يوليه الحزب أهمية خاصة. وهو أمر عادي أن يتحول «الحكيم» إلى «عرّاب» لأحد أطفال آل طوق الذين صوّت معظمهم لمصلحة لائحة «بشرّي موطن قلبي» (المعارضة للائحة القوات الرسمية)، وأن ينقل عادة المشي التي يشتهر بها من معراب إلى وادي قنوبين، حيث «يصدف» وجود عدد من الشباب فيتم التقاط الصور.
منسق قضاء بشري في القوات والمُرشح المحتمل إلى الانتخابات النيابية (بدلاً من النائب إيلي كيروز)، جوزف اسحاق «يُبسّط» الموضوع، مُعتبراً أن الدنيا «صيف والحكيم حضر مناسبتين فقط. إطلاق البلدية الإلكترونية الذي هو حدث مهم للقوات، فشعر بأنه يجب أن يكون حاضراً». والحدث الثاني كان «افتتاح المبنى البلدي في بقاعكفرا لأنها تاريخياً وقفت إلى جانب القوات والحكيم و(رئيس البلدية) إيلي مخلوف قدّم كل وقته وطاقته للمنطقة». أما بالنسبة إلى المناسبات الاجتماعية، فـ«الحكيم على صعيد كل لبنان لم يكن بعيداً عن القاعدة. يومياً يمشي في معراب، ولكن سُلط الضوء على زيارة قاديشا لأن الناس رأوه هناك».
الحدث السياسي الأبرز الذي أظهر الفوارق بين مكونات المجتمع السياسي البشراوي هو الانتخابات البلدية التي أدت إلى خسارة القوات 4 بلديات من أصل 12 هي: بقرقاشا (طُرد سليم أبي تامر لعدم التزامه بالقرار الحزبي ودعم لائحة معراب)، برحليون، بان (عُلقت عضوية أحد الحزبيين لعدم التزامه باللائحة التوافقية) وطورزا (توجه رئيس البلدية بعد صدور النتائج لزيارة طوني سليمان فرنجية). إضافة إلى اضطرارها إلى تأليف لوائح توافقية بين مختلف المكونات السياسية في القضاء، فجرى تقاسم مجالس بلدية: بزعون (نائب الرئيس فارس دانيال عضو في تيار المردة)، حدشيت، حدث الجبّة وقنات. أما في حصرون، فيتذكر مسؤول تيار المردة في القضاء طوني متى كيف «تمّ استحضار إيران وحزب الله وسوريا، رافعين شعارات لا للمردة في حصرون». هي كانت، بالنسبة إليه، «أمّ المعارك لأنها ضيعة اسحاق، ورغم ذلك نلنا 42% من الأصوات والمختار يُعتبر من حصتنا». اللائحتان اللتان تنافستا في حصرون «قوات لبنانية، ولكن بعدما عُلق القيد الحزبي لجيمي فرح وإحالته إلى المجلس التأديبي لأنه لم يدعم لائحة الرئيس المُنتخب جيرار السمعاني أصبح اليوم معنا». يرد اسحاق بأنه في برحليون «لم نتدخل بسبب موقف الأهالي من معمل فرز النفايات، فوقفنا على الحياد». وفي بان، «رئيس البلدية كان علناً معنا».
أما في مركز القضاء، فقد تمكنت لائحة «بشري موطن قلبي» التي تشكلت من ناشطين سابقين في القوات من حصد 38.9% من نسبة المقترعين الـ5169. اختار النائب السابق جبران طوق أن يدعم اللائحة الخاسرة لأنها «أُعلنت من غابة الأرز وليس من على بعد 42 كلم من بشري، فمشينا مع المجتمع المدني». انطلاقاً من هنا، كان من السهل على القوات أن «تُحارب» اللائحة المنافسة لها، مُستغلة «الصيت السيئ» للزعامات التقليدية. يقول طوق: «يتهجمون عليّ شخصياً كوني في الواجهة الأقوى». في حين أنّ اسحاق ينفي ذلك: «لا نُحمّل طوق أكثر مما يحمل. حقهم (الزعامات التقليدية) في السياسة أن يستغلوا، إذا وجدوا، أي خلاف داخل الحزب، لأنه لا مجال لهم ليظهروا إلا بهذه الطريقة. وهو حق ديموقراطي لكل الناس أن يكونوا مع من يريدون».
«يُعكّز» خصوم القوات على نتائج «البلدية» من أجل وضع تصور للمرحلة المقبلة. فبالنسبة إلى طوني متى، «هذا الأمر سيؤسس لأمر جديد. نتمنى أن تكون صحوة لتحسين المنطقة ودفعها إلى الأمام من أجل الإنماء والسياسة. الشعب في بشري بدأ يعي خطورة الطروحات السياسية على وضعه المعيشي والطريقة الإقطاعية التي يتصرف على أساسها البعض».
ترددات الانتخابات البلدية لم تبقَ محصورة بنتائج الصناديق الاقتراعية. فبحسب معلومات «الأخبار»، أنه تمّ تقسيم قضاء بشري إلى ثلاثة قطاعات حزبية: قطاع المدينة بإدارة طوني الشدياق، قطاع يضم بلدات حصرون وبزعون وبرقاشا وبقاعكفرا تسلّمه جوزف عيسى، وباقي بلدات القضاء تُشكل القطاع الثالث. وتعتبر مصادر مُعارضة للقوات إنّ هذا الإجراء «يصيب أولاً وأخيراً اسحاق الذي وضع في الواجهة لدى التحضير للانتخابات، وكأن قيادته تريد بذلك حرق ترشيحه إلى النيابة». يؤكد اسحاق أنّ بشري «لا تزال قطاعاً واحداً، ولكن من أجل التنظيم تسلم عيسى البلدات الأربع ومسؤوليته تنظيمية بحت». اختيار البلدات «جاء عشوائياً وهو إجراء لا دخل له بالانتخابات البلدية». أما بالنسبة إليه، فيقول إنه لا يزال مُنسقاً ولكن «إذا ما شعرنا بأن هناك انتخابات نيابية، فقد اضطر إلى الاستقالة بغية التفرغ للترشح»، مؤكداً أنه «أكيد مرشح لأن الحزب رشحني. أما إذا بدّل رأيه فلا خلاف».
التحضير للانتخابات النيابية بدأ، ما يتم حالياً هو «تحديث معلومات الماكينة الانتخابية». صورة التحالفات لم تظهر بعد، وخاصة مع التيار الوطني الحر، ولكن «هذا الموضوع سياسي، وإما نكون سوا في كل لبنان أو لا نكون». اسحاق يؤكد أنه، حتى الساعة، مُرشح الحزب إلى النيابة، فهل ستكون حصة التيار نتيجة تخلّي جعجع عن مقعدها؟ «إذا أصبح لديهم هذا الحضور الكبير لمَ لا؟»، موحياً بأنّ حضور العونيين في بشري لا يسمح بأن يحصلوا على مقعد نيابي من اثنين. هذا الخلاف حول الأعداد والحصص، يعود إلى «البلدية»، حيث رفضت القوات الاعتراف بأن من حق التيار أن يكون لديه عدد معين من الأعضاء. تجربة «التوافق» الفاشلة بين الطرفين، حفظها العونيون في ذاكرتهم، فتراهم يتوعدون بأن «الأيام ستُثبت قوتنا ومدى انتشارنا»، مُصرين في الوقت نفسه على أن يبقوا «صلة وصل بين مختلف القوى». أما متّى، الذي يؤمن بأن تجربة «بشري موطن قلبي» لن تكون يتيمة ومحصورة في البلدية، فيبدو واثقاً وهو يقول «نحن والتيار سوا في هذا القضاء، والمحظور كُسر».