Site icon IMLebanon

قداس شهداء المقاومة اللبنانية – لوس أنجلوس: لهذا كان شعارنا “وكل ما دق الخطر”…!

 

أقيم في كاتدرائية سيدة جبل لبنان – لوس أنجلوس قداس لمناسبة ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية، ترأسه الأب الياس سليمان، شارك فيه رئيس قسم القوات اللبنانية في لوس أنجلوس مازن قطان، قنصل لبنان العام في لوس أنجلوس، جوني ابراهيم، القاضي جايمس كعدو، ورؤساء وأعضاء الأحزاب والمنظمات اللبنانية الأميركية واللبنانية.

الأب سليمان تلا عظة تحدث فيها عن الشهداء الكبار الذين صنعوا تاريخ لبنان، مؤكدا أن وطناً تبذل في سبيله أرواح ودماء خُلق “ليبقى ويستمر…”

وقال في العظة: “كنتُ طفلاً عندما سمعتُ جرسَ كنيسةِ السيدة يدقُّ حزناً معلناً استشهادَ أربعة شبان من حصرون في معركة بلا في شمال لبنان.
وكنت طفلاً عندما سمعتُ أهلي وجيراني يتحدَّثونَ بهمسٍ عن مقاومة بلدة قنات، وكنا نسكن يومها على بعد ربع ساعة منها.

وكنتُ طفلاً عندما حملتُ أول باقة زهرٍ حزينة في مواكبِ استقبالِ شهداء جبة بشرِّي، ومشيتُ يومَها مع رفاقي عَلى وقعِ أغنيةِ “يا عدرا المعونة افتحيلي السما”.
رأيتُ الكثير من الحزن فبكيت، والكثير من الوجع فتألمت, ولكنني لم أخف يوماً على لبنان، ولم يخطُر ببالي، ولو للحظة، أن باستطاعة حفنة من المرتزقة، مهما كانت مصادرُ تمويلهم وتسليحهم محوَ حضارة عمرها ستة آلاف سنة.

فالوطن الذي تبذل في سبيله أرواح ودماء خُلق “ليبقى ويستمر…”

فالتراب في بلادي له ذاكرة رماد الفينيق الحي أبداً، وعلى ثلوج جباله آثار أقدام مقاومين ودماء، وفضاء الأرز يردِّدُ في نقاء عُلاه: “بدها تضل جراسنا تدق”. فالحرية والإيمان عندنا أعز من الحياة…

لذلك كان الشهداء…

منهم كبار في مواقع المسؤولية كالرئيس الشهيد الشيخ بشير الجميل ومنهم كبار في ضمير الوطن المجروح الذاكرة, والمعلق على صليب الجيران والغرباء ….. سقطوا غير مبالين بمجد ولا تسجيل في كتب التاريخ فهم صانعوه الصامتون المتواضعون دفعوا أرواحهم وأفراح امهاتهم وآمال آبائهم ووعود المستقبل المستحيل ثمن افشال مخططات الترحيل والتمكين والابتلاع والتركيع…

أقف معكم اليوم, وانتم رفاق الشهداء واهلهم وجيرانهم واسأل؟

لو كان للتراب أن يستفيق ما كان ليقول؟

لو قُدِّر للشهداء أن يعودوا إلى الساحات والجبال التي عشقوها وسقطوا عليها ومن أجلها، هل كانوا ليندموا على تقدمة الدم؟

أسئلة تطرح على ضميرها اليوم بإسم الشهداء والجواب عليها دين لهم علينا، وهو تأمل وموقف…

فأمام من استشهد ضدَّ الغريب، علينا حماية البيت وتقديس الأرض وعدم بيعها أو تأجير سيادتها وتجيير القرار السياسي لجهة غير لبنانية مهما كانت طبيعة العلاقة بها سواء كانت سياسية أو استراتيجية أو دينية….

وأمام الطائفية ولعب الغريب والقريب على أوتارها المُوجِعة، علينا كسر التوقع، والتغلُّب على الخوف، ونبذ التَّكاذب وملاقاة اللبناني الآخر بصدق، والعمل على بناء نظام ديمقراطي علماني يثق به الجميع.

وأمام من سقط في حروب الاخوة، نتحمَّل جميعاً مسؤولية تطهير الذاكرة، والغفران، وتضميد الجراح، وأخذ  العبر، وعدم تكرار الأخطاء والخطايا مهما كانت الظروف والمبررات، ففي ذلك انتحار!
وأمام أهل وأولاد الشهداء،علينا أن نحفظ الجميل ونخلِّد الذِّكرى، ليس فقط على ألواح الحجر، بل في أرواح البشر؛ فاليأس والتعب والخوف أمام من أعطوا الأغلى خيانة ونكران جميل…

وأمام انتشار الفوضى وتفشِّي الفساد السياسي والأخلاقي والاجتماعي، علينا العودة إلى الجذور إلى الإيمان، إلى القانون، إلى القديسين، إلى العائلة، إلى الذات اللبنانية المنغرسة في عمق تاريخٍ يَروي ويَرتوي من قصة أسطورة الفينيق المنبعث باستمرار من رماد الإحتلالات والمذابح والحروب، حتى إذا استيقظ التراب، ينظر إلى السماء فيرى الأرز شامخاً حُراً أخضر، فيرتاح للرقاد حول جذوره.

من جهته، تحدث رئيس قسم “القوات اللبنانية” في لوس أنجلوس مازن قطان، فاكد ان شهر أيلول يبكون دائما عابقاً ببخور الشهداء الأبطال. وهذا لا يعني أننا لا نتذكر شهداءنا إلا في أيلول، بل على العكس هم حاضرون دائما وأبدا في وجداننا كل يوم، لكننا نحتفل بذكراهم في أيلول، الشهر الذي استشهد فيه الرئيس الشهيد بشير الجميل، قائد قافلة الـ15 ألف شهيد.

أضاف قطان: “أكثر من 15 ألف شهيد سقطوا، قصة استشهاد كل واحد منهم ملحمة بطولة ندرّسها لأولادنا كل يوم، نخبرهم اياها قصة قبل النوم، كي يطمئنوا “إنو في حراس ما بينعسوا تا هنّي يناموا”.

أكثر من 15 ألف شهيد، نعرف أسماءهم ووجوههم. نعرف بطولاتهم وكيف حبهم للبنان أوصلهم للاستشهاد. وجوههم هي وجوهنا. دمهم هو دمنا الذي يمشي في عروقنا، لأنه لولاهم لما كنّا”.

في شهر أيلول تمر صور قوافل الشهداء امام أعيننا. أبطال تحدوا الموت من أجل القضية، وكي يبقى علم لبنان مرفوعا، وكي يبقى الصليب على جبال لبنان علامة في هذا الشرق المظلم، و”تا تبقى أجراسنا تدق بالأفراح والأتراح”.

وتابع قطان: “اليوم أكثر من أي يوم مضى نعرف قيمة الشهادة في سبيل الإيمان والوطن. عندما نرى ما حصل ويحصل في المنطقة حول لبنان. عندما نرى ما حلّ بالمسيحيين من العراق إلى سوريا ومصر، وقبلهم في الأراضي المقدسة، نعرف تماماً أن دم الشهداء هو زرع للإيمان، ونعرف أنه لولا بطولات شبابنا، ولولا دمائهم التي روت الـ10452 كيلومتر مربع، ما كان بقي مسيحي في لبنان، وكان أصبح “الوطن- الرسالة” يشبه محيطه المظلم.

عندما نرى أفعال “داعش” و”النصرة” وكل المجموعات التكفيرية، وكيف ينفذ “حزب الله” المخططات الإيرانية، نعرف تماماً ماذا يعني شعارنا لهذه السنة “وكل ما دق الخطر”، لأنه “كل ما يدق الخطر نحنا قوات وحراس ما بينعسوا تا يبقى لبنان”.

اليوم في ذكرى الشهداء لا نريد ان نتكلم في السياسة. اليوم نطمئنكم جميعاً أن لا تخافوا على لبنان لأن “القوات اللبنانية” موجودة وجاهزة دائماً وأبداً حيث لا يجرؤ الآخرون، جاهزة لكل التضحيات. هكذا كانت “القوات اللبنانية” مع البشير، وهكذا تستمر “القوات” مع “الحكيم”، وهكذا ستبقى الى أبد الآبدين… وأبواب الجحيم لن تقوى علينا.

قنصل عام لبنان في لوس أنجلوس جوني ابراهيم، كانت له كلمة، قال فيها: “كم كان نابولٌون بونابارت محقا عندما قال: “إنها القضية وليس الموت من يصنع الشهادة”.

انها القضية التي تسمو بكل مقاتل يسقط في ساحة المعركة الى رتبة شهيد، وهي القضية التي تميز بين المقاتل والقاتل، وبين القتيل والشهيد… ولك سقط لنا شهداء على مر الأزمنة والعصور ليبقى لنا وطن.

لبنان وطن النجوم الذي يرنو إليه كل مغترب عاش طيب الحياة فيه، وهاجر بحثا عن لقمة عيش، أو عن امان وسلام. هذا البلد الذي أثلج قلوب أبنائه فرحا، وألهبها حبا،  وأحرقها حسرة. بلد ليس ككل البلدان، ففيه كل مواطن ريّس، وكل عامل معلّم، وكل موظف مدير،  وكل ولد “يقبرني الأول بصفّو…”.

إنها هذه الفردية، تلك الأنانية، وذات العصبية، التي تجعل من كل مقاتل لبناني بطلا يتحدى الموت الذي وإن خطفه انكسر لأنه لا يسقط ميتاً بل يحلّق شهيدا فوق مذبح الوطن. إن أرضنا مزروعة بشهداء أبرار وأبطال أشداء، آمنوا بلبنان وطن السيد، الحر، المستقل، الواحد والنهائي لكل أبنائه. أكان مقاتلو الجبهة اللبنانية  أو تحالف الحركة الوطنية… قاتلوا بعضهم بعضاً، وتقاتلوا في ما بينهم، وتحدّوا الترسانات الفلسطينية والسورية والاسرائيلية. تمرد المقاوم على المارد فأسقطه قزماً…

أضاف: “نلتقي هذا المساء في مدينة الملائكة لنذكر ملائكة الظلام أننا عساكر السماء التي لا تقهر. ان خيرنا لا يكسر.  اننا مقاتلون بسلاء ولسنا بقتلة بؤساء. نلتقي لنستذكر الشهداء الذين سقطوا كي يبقى لبنان وطن الشعب الذي يحب الحياة لا الموت. اننا شعب يشهد للحياة، اننا نعيش شهادتنا في حياتنا، دون من أن نخشى من الاستشهاد، لكننا لسنا بانتحاريين نبحث عن الشهادة بل نعيش الحياة حتى الثمالة.

كتب جبران خليل جبران من غربته “أريد أن أموت شوقا ولا أحيا مللاً”. فلو بقي في قريته التي تحاكي أرز الرب لما اشتاق إلى الله وتمنى الموت شوقاً، ولا كان ملّ من الحياة بعيداً عن نبض أرض خالقه… اننا في غمرة الشدائد، وفي ضراوة التحديات المحدقة بنا،  ما زلنا نؤمن بأن بلادنا أرض مقدسة لأننا شعب يفدي بلاده بشهداء يسيلون على وجنتي الوطن كالدمعة التي تتلألأ في عيني العاشقة من حلاوة كلام حبيبها.

فلنبقى شعب ميتم بخالقه، عاشق لبلاده، شغوف بشهدائه، ومحب لمواطنه.