كتب جورج حايك في صحيفة “الجمهورية”:
قيل الكثير عن جلسة انتخاب رئيسٍ للجمهورية اللبنانية في 28 أيلول وكثرت التسريباتُ عن استعداد الرئيس سعد الحريري للقبول بإنتخاب ميشال عون رئيساً فبدأ حساب الأصوات حول مَن يريد انتخابَ عون ومَن لا يريده، لكن بات مفيداً طرحُ السؤال على نحو مختلف: مَن يريد عون رئيساً؟ فالأكثرية تبدو سلبية في تعاطيها مع رئيس “التيار الوطني الحر” وحتى أبرز حلفائه! ويبدو أنّ جلسة 28 أيلول ستكون كسابقاتها: لا راعيَ إقليميّاً للانتخابات ولا توافقَ محلّيّاً على رئيس.يعيش العماد ميشال عون كلّ يوم بيومه، لأنّ المواقف تتقلب كلّ يوم، فيرتفع منسوب التفاؤل يوماً ليعود وينخفض في يوم آخر وهكذا دواليك، وكأنّ المقصود التخفيف من الإندفاع العوني نحو التصعيد بدءاً من أوّل حلفائه حتى آخر خصومه.
لكنّ المفارقة أنّ المعلومات الواردة من الرابية أنّ “التيار الوطني الحر” لا يزال محافظاً على تفاؤله، ربما يكون ذلك لإعطاء نفسه مداها في التصعيد إذا لم يتم انتخاب عون رئيساً في جلسة 28 أيلول.
أمام هذا الواقع الدقيق وفي مرحلة الإنتظار، تُبلور الأفرقاء مواقفها، تدرس المعطيات على ضوء الظروف الدولية والإقلمية والمحلية، لكنّ السؤال الأساس الذي تطرحه يبقى مرتبطاً بحسابات الربح والخسارة في حال قبلت بعون رئيساً.
تتوجّه الأنظار إلى تيار “المستقبل” في الدرجة الأولى فهو يضمّ أكبر كتلة نيابية بما لا يقلّ عن 27 نائباً. ولا شك في أنّ طرح مسألة وصول عون إلى قصر بعبدا كانت موضع بحث في اجتماعات “المستقبل”، والرئيس الحريري تناول هذا الإحتمال بدءاً من الحلقة السياسية الضيّقة التي تحيط به وصولاً إلى الحلقة الواسعة.
وكان منطقياً أن يخرج الحريري بخلاصة سلبية حيال انتخاب عون الذي كان دائماً عدائياً حيال “المستقبل” ونهجه السياسي والإقتصادي، ويواجه الحريري معارضة قوية له داخل “التيار” ما إن يلفظ إسم عون إضافة إلى عدم حماسة المملكة العربية السعودية لإنتخابه.
والمشكلة أنّ عون وضع نفسه في إطار الفريق المعادي لـ”المستقبل” وفوزه في الإنتخابات بات يعني انتصاراً للفريق الآخر المتمثل في “حزب الله” وقوى 8 آذار، فكيف يتحمّل الحريري مثل هذه الخسارة وهو يتخبّط في أزماته داخل تياره وطائفته ممّا قد يقضي على مسيرته السياسية؟
أما الوعود بملازمة وصول عون إلى الرئاسة مع وصول الحريري إلى رئاسة الحكومة، فيرفقها “حزب الله” بشروط يقيّد فيها الحريري مستقبلاً ويجعله أسير وصايته، وهنا المصيبة الكبرى. من جهة أخرى لم يجد “المستقبل” حتى اليوم مبرِّراً للإستغناء عن مرشحه النائب سليمان فرنجية الذي يقدّم للحريري تسهيلات أكثر من تلك التي يقدّمها عون.
في المقابل، لا يبدو “حزب الله” متحمِّساً لإجراء انتخابات رئاسيّة رغم موقفه المعلن المؤيّد للعماد عون، ومخطئ مَن يظن أنّ لـ”الحزب” هامشاً كبيراً من الحرية في قراره السياسي، فهو يخضع للسياسة الإيرانية وأجندتها الإقليميّة وبالتالي لم ترَ إيران في الظروف التي يمرّ فيها الشرق الأوسط وخصوصاً في الصراع مع السعودية أيَّ مبرِّر لتقديم ورقة مجانيّة بصرف النظر عما إذا كان إسم الرئيس ملائماً لها أو غير ملائم.
ولو أراد “الحزب” انتخابَ عون لكان طلب من فرنجية الإنسحاب ومن بري تليين موقفه، بل إنّ النصاب مؤمّن لانتخاب عون بدون موافقة الحريري، لكنّ “الحزب” لا يريد، لأسباب عديدة، تضاف إلى جانب إنتظار التسويات الإقليمية.
وقد بات “الحزب” مقتنعاً بضرورة إرجاء الانتخابات الرئاسية إلى ما بعد الانتخابات الأميركية ونضوج التسوية السورية، علماً أنّ لبنان سيتأثر حكماً بأيّ متغيّرات ستحصل في جواره.
وليس منطقياً لـ”الحزب” وإيران خلفه أن يبيعا موقفاً أو أن يسقط من أيديهما ورقة تفاوضية لمصلحة إدارة أميركية راحلة، بل يفضّلان الإنتظار إلى أن تأتي الإدارة الجديدة، وتبدأ جولة المفاوضات من جديد.
من جهته، لا يبدو الرئيس نبيه بري متحمّساً لوصول عون إلى الرئاسة، وهو يميل إلى انتخاب فرنجية. وإذا نظرنا إلى تاريخ العلاقة بين بري وعون قد يصبح مفهوماً ومبرَّراً نفور رئيس مجلس النواب من “الجنرال”.
وليس سرّاً أنّ عون رافع لواء مكافحة الفساد وناقم على الحريرية السياسية وشريكها في الغنائم رئيس “حركة امل” الذي يُعرف سياسياً باللاعب الأساسي في تدوير الزوايا والمناورات والبعيد من نهج رئيس “التيار الوطني الحر” وخصوصاً أنه يشعر بمنافسة عون له عبر المطالبة بحصص المسيحيين في الدولة وعدم التنازل عنها.
يعتقد كثيرون أنّ رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط اقتنع بإنتخاب عون رئيساً للجمهورية. لكن ما فعله جنبلاط هو خطوة ذكيّة إذ وضع الكرة في ملعب المسيحيين، وقال حرفياً: “إذا قالت كلّ الأقطاب المسيحية أنّ خلاص لبنان هو برئيس تكتل “التغيير والاصلاح” ميشال عون فلا مشكلة”، وهو يعرف أنّ المسيحيين غير متفقين على إسم عون.
بالنسبة إلى “القوات اللبنانية”، يُدرك “حزب الله” وقوى 8 آذار أنّ تأييدها لميشال عون رئيساً قد يكون جزءاً منه مناورة لحشر “الحزب”. لكنّ ما حصل مِن تقارب بين “التيار الوطني الحر” و”القوات” يبدو أنه تجاوز المناورة إلى التأييد الصريح والواضح.
وليس سعيُ رئيس “القوات” سمير جعجع لإقناع حليفه سعد الحريري بإنتخاب عون سوى بحث عن نقطة متقدّمة لمحاصرة “حزب الله” وإجباره على إنتخاب رئيس لأنه ما إن يقبل “المستقبل” بعون ويبادر إلى انتخابه لن يكون أمام “الحزب” إلّا الرضوخ ولن تكون لديه القدرة على تعطيل النصاب. وبات معروفاً أنّ “القوات” تفاهمت مع “التيار الوطني الحر” على سلسلة من المكاسب الثنائية المسيحية في حال وصل عون إلى الرئاسة.
من البديهي بعدما وصلت اليه الحال بين عون وفرنجية أن لا يقبل الأخير التنازل عن ترشيحه لمصلحة الأول. ففرنجية يجد نفسه الأوفر حظاً للوصول إلى قصر بعبدا فلماذا يقدّم هذا المكسب للجنرال مجاناً، وهو يدرك أنّ أكثرية المكوّنات السياسية غير متحمسة لإنتخاب عون، والتسوية الإقليمية قد تأتي لمصلحته؟
وأخيراً تبدو “الكتائب” بعيدة من خيار انتخاب عون وهي لم تحاول حتى الإقتراب من الثنائي المسيحي الذي رشّحه في 18 كانون الثاني 2016. ففي قناعة “الكتائب” أنّ عون متفاهم مع “القوات” على حسابها، وأنّ وصوله إلى الرئاسة سيجعلها مهمّشة على الساحة المسيحية في ظلّ تقاسم الحصص بين “التيار” و”القوات” اللذين يعتبران أنفسهما الأكثر تمثيلاً مسيحياً، وهي تبدو أقرب إلى خيار فرنجية ولو رفضته في العلن.
أمام هذه المعطيات، سيستمرّ عون في صراخه في وجه المكوّنات السياسية ولن يتأخر عن التصعيد وربما إسقاط الهيكل على رؤوس الجميع لأنه يخوض معركته الأخيرة للوصول إلى قصر بعبدا لأن الوقت لا يسمح له بالإنتظار أكثر.