كتب ناصر زيدان في صحيفة “الأنباء” الكويتية:
تترقب الأوساط السياسية والشعبية جلسة مجلس النواب رقم 45 في 28 الجاري المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، بحيث يسبق الموعد تهديد باعتبار هذا التاريخ حدا فاصلا بين حالة الترقب التي كانت سائدة، ووضعية قلب الطاولة على الجميع بواسطة التحركات الشعبية في الشارع، وفقا لما يهدد به التيار الوطني الحر الذي ينتظر من الكتل النيابية انتخاب زعيمه العماد ميشال عون للرئاسة، على اعتبار انه الحل الوحيد الممكن للخروج من دوامة التعطيل المستمرة منذ ما يقارب العامين ونصف العام.
تشبه بعض الطروحات التي يتداولها عدد من النواب كحل للأزمة الرئاسية في لبنان «الأوليغارشية» بكل معانيها، فهؤلاء لديهم حل واحد لا ثاني له، وهو انتخاب عون رئيسا، هذا ما صرح به النائب محمد رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة مؤخرا، ومثله قال النائب ابراهيم كنعان عضو تكتل التغيير والاصلاح.
فالحل للمعضلة برأيهم سهل جدا، ولا يحتاج الأمر إلا لساعات لكي تطوى صفحة الفراغ، وتنتهي لعبة التعطيل.
بصرف النظر عن الموقف السياسي من عون، وعن مدى تأييده او معارضته كمرشح جدي لموقع الرئاسة، فقد استهلكت الفكرة ذاتها، وكادت تؤدي الى أزمة كيانية تعيد النظر بالعقد الاجتماعي بين اللبنانيين برمته، ذلك عندما اعتبر البعض ان الميثاقية التي هي أساس الدستور اللبناني تفرض انتخاب عون للرئاسة، ولو كانت هذه الآراء صحيحة، يعني ذلك ان الميثاقية اللبنانية ضد النظام البرلماني الديموقراطي المعمول به بالمطلق.
يهدد التيار الوطني الحر بالنزول الى الشارع في حال لم يتم انتخاب زعيمه للرئاسة.
بطبيعة الحال فإن الضغط الشعبي مقاربة واقعية تستخدم عادة للمطالبة بالحقوق، او لرفع شعارات تغفلها السلطة.
وقد تؤكد التظاهرات على شعبية العماد عون في بيئته، لكنها بطبيعة الحال ليست الدواء الناجع لداء الفراغ، لماذا؟
اولا: لأن الشارع في لبنان متنوع، ومنقسم، والتظاهرات التي قد يسيرها التيار الوطني الحر تأييدا لترشيح زعيمه، يمكن ان تقابلها تظاهرات أكبر تطالبه بالعزوف عن الترشيح والعودة الى اللعبة الديموقراطية بكل حيثياتها.
ثانيا: ربما ينتج عن التحركات الشعبية بعض الفوضى التي لا تتحملها البلد في هذا الوقت بالذات، وقد تتجه الأمور الى مندرجات غير محسوبة تثير النعرات الطائفية او المذهبية، وعندها نكون قد فتحنا ابوابا مغلقة على مساحة التأزم التي تعيشها البلاد من كل النواحي.
وأهم من كل ذلك، فإن التحركات الشعبية في الشارع اليوم، يمكن ان تؤدي الى عكس مقاصدها، وبالتالي تعطي فرصة للمتربصين بالصيغة اللبنانية للانقضاض عليها والمطالبة بعقد اجتماعي جديد، قد يكون على حساب المناصفة التي اقرها اتفاق الطائف، وتتمسك بها معظم القوى السياسية اليوم اكثر من أي وقت مضى.
لا يبدو ان التحركات في الشارع من فئة واحدة قد تساعد في التعجيل في انتخاب رئيس محدد جديد للجمهورية، لأن الآلية الدستورية لعملية الانتخاب واضحة، وهي في النزول الى مجلس النواب ووضع الأوراق في صندوق الاقتراع.
وربما يكون للعماد عون النصيب الأوفر من أصوات النواب وبالتالي يصبح رئيسا، اما تعيينه مسبقا قبل النزول الى المجلس، فيبدو كأنه فرض فرضا، وبالتالي فإن الفكرة غير واردة وفقا لخريطة توزع القوى حاليا، خصوصا في ظل الانقسامات الاقليمية الحادة التي تعيشها المنطقة.