كتب ميشال نصر في صحيفة “الديار”:
أطلق انهيار شبكات التجسّس الاسرائيلية، بعد حرب تموز 2006، حربًا أمنية بين تل ابيب والضاحية الجنوبية، اطلق عليها كثيرون تسمية “الحرب الباردة”، التي شهدت تطورا كبيرا خلال السنوات القليلة الماضية بين الطرفين، بخاصة في مجال “الحرب السيبيرية” وتطور قدرات حزب الله في هذا المجال ، لجهة نجاحه في ابتكار اساليب جديدة نجحت في اختراق الدفاعات الاسرائيلية في كثير من الاحيان ، سامحة له “باحتلال” مواقع افتراضية لساعات .
في هذا الاطار، كشفت تل أبيب عن خرق حواسيب اسرائيلية تابعة لمواقع حساسة أكثر من مرة، انطلاقاً من الأراضي اللبناني، حيث المتهم الاول “حزب الله”. ووفقا لتقرير “تشيك بوينت” الاسرائيلية، تبين أن جهوداً خاصة لعمليات التجسس من لبنان بدأت منذ عام 2012، ولا تزال متواصلة، مستهدفة حواسيب في الولايات المتحدة وكندا وروسيا وبريطانيا، وأيضاً ضد اهداف داخل الاراضي اللبنانية نفسها.
ووفقا للتقرير، استخدم القراصنة اللبنانيون أسلوبين في هجماتهم على الحواسيب الاسرائيلية: الاول عبر برنامج خاص يطلق عليه اسم Explosive، يعمل على خرق الدفاعات البرمجية في الكومبيوترات، ممكّنًا من استخراج معلومات من جهات متعددة في اسرائيل تشمل أشخاصاً ومنظمات ومؤسسات، كاشفة أن “من بين الاهداف الاسرائيلية التي تعرضت لهجوم المخترقين اللبنانيين، “شركة انترنت اسرائيلية تستضيف مؤسسات إعلامية عبرية، وشركة تعمل في التقنيات وتزود الجيش الاسرائيلي ببرامج الكترونية، وشركات اتصالات اسرائيلية”، مؤكدة أن التحقيقات لم تظهر خرق الشبكة الالكترونية للجيش الاسرائيلي، وإنّما هجوم خاص سمح بالالتفاف وخرق برامج الحماية الرئيسية التي تحمي أجهزة الكمبيوتر في الجيش الاسرائيلي، والثاني، برنامج خرق يسمح لهم باستغلال الـusb، ما يسمح بالتغلغل والسيطرة من حاسوب الى آخر تبعاً لاستخداماتها من قبل الافراد او الشركات. مع الاشارة الى ان هذه البرامج متطورة الى درجة سمحت بأداء المهمة لمدة ثلاث سنوات متواصلة منذ عام 2012.
مخاوف تجسدت في تحذير الخبراء الاسرائيليين، من تصاعد خطر هجمات قراصنة الإنترنت، محذرين من اليوم الذي ستصبح فيه اسرائيل في حالة شلل تام، مبدين اعتقادهم بأنّ “السايبر” هو “المستقبل” في القتال، حيث يؤكد رئيس قسم المواقع الإلكترونية التابع للحكومة الإسرائيلية أوفري آفي أن “المواقع الإسرائيلية تتعرض يوميا لمئات وربما آلاف الهجمات الإلكترونية”، حيث يقول خبراء في الأمن الإلكتروني إن جهات مثل إيران تمكّنت من شنّ هجمات إلكترونية ناجحة على مواقع إسرائيلية، في المقابل شنّت تل أبيب هجمات مضادة، أهمها التي عرفت بـ”ستكسنيت” الذي أحدث ضررًا كبيرًا في المنشآت النووية الإيرانية.
وقد شكّلت إسرائيل وحدة جديدة في الجيش الإسرائيلي تدعى وحدة “الدفاع الإلكتروني” مهمتها صدّ الهجمات الإلكترونية التي تقول إسرائيل أنّ مواقعها تتعرّض لها بشكل يومي، عن طريق التنسيق وإدارة شتّى الوحدات الدفاعية الإلكترونية التي تعمل حاليًا في مختلف الهيئات الحكومية بما فيها الجيش والأجهزة الأمنية وكذلك السلك الخاص تحت سقف واحد، بعد مناقشات حادة في الكواليس، عارض خلالها “الشاباك” تشكيل الوحدة الجديدة، فيما كان جهاز الأمن الداخلي تقليديًا موكلا بالمسؤولية العامة لكلّ جوانب الأمن، الأنماط القديمة والجديدة في “إسرائيل”، وكان يرغب بالحفاظ على هيمنته.
ووفقا لتقارير دولية، فإنّ العديد من التحديثات في مجال التكنولوجيا العالية جاءت من الجيش وبشكل خاص الوحدة 8200، أي “وكالة الاستخبارات الإلكترونية” العاملة ضمن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، والتي ساهمت الى جانب وكالة الأمن القومي في تطوير فيروسات الكترونية. وتنقل الصحف الإسرائيلية عن تقرير استخباري، أنّ نتنياهو عازم على الانتهاء من تشييد مركز حماية المعلومات والأنظمة الإسرائيلية في منطقة بئر سبع، والذي سينقل إليه أيضًا مركز تنصت للجيش الإسرائيلي، كاشفة أنّ الجنوب اللبناني بات أكثر من أي وقت مضى تحت مراقبة إسرائيلية شديدة، لأن “حزب الله” أنشأ فيه غرفة عمليات رقمية محمية بنحو استثنائي من الاختراقات الإلكترونية.
في المقابل، نجح “حزب الله” في مراكمة المزيد من الخبرات والقدرات الالكترونية إلى الحد الذي أصبح معه قادراً على التفاعل مع كل “جيل جديد” من “الحرب الالكترونية” التي يطلق عليها اسم “الحرب اللاتماسية”، التي تطلب التجهيز والتحضير والامكانات والخبرات، ما نجح الحزب في تحقيقه من خلال فريق كبير من المهندسين والتقنيين والفنيين ذات المستوى العالي، حيث سيأتي الوقت الذي لا حاجة للحزب الى الوسائل التقليدية كالصواريخ والعبوات، إذ مجرد وسائط ومعدات الكترونية متطورة بمقدورها أن تحقق للمقاومة اهدافها من خلال إسكات معدات العدو الالكترونية وإعاقته.
يتمثل التحدي الاساس في معرفة المهاجم قبل أن يهاجم، الامر الذي قد يمنعه من الوصول الى المراكز الاستراتيجية، والافتراض القائم أنّ هناك دائمًا “ديدان الكترونية واحصنة طروادة”، نائمة حاليًا وسيجري تفعيلها وفقا للأوامر في الوقت المناسب، الامر الذي يعني خرقا كبيرًا، في حرب قائمة حاليًا، وبالتأكيد ستكون عماد الحرب المقبلة، حيث يراد منها أن تتسبّب بانهيار المنظومة العسكرية بكاملها.