كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
في وقت تستقطب حلب و«الجحيم» الذي تعيشه أنظار العالم، يتحوّل لبنان الى «حلبات ملاكمة» سياسية تشكّل امتداداً لأزمته المتمادية التي تدخل اليوم شهرها الـ 29 والتي يختصرها الفراغ في رئاسة الجمهورية وما يستولده من شللٍ تسلّل الى سائر المؤسسات الدستورية.
وفيما يصعب رسم مسار واضح لما ستؤول اليه «كرة النار» المتدحرجة في حلب، فإن مآل النفق الجديد الذي دخلته الأزمة اللبنانية مع استعداد العماد ميشال عون للانتقال الى مرحلة «الهجوم» ومغادرة «مقاعد الانتظار» في معركته للوصول الى رئاسة الجمهورية، يبدو مفتوحاً على احتمالات شتّى، وإن كان المحسوم الوحيد ان جلسة انتخاب الرئيس يوم الاربعاء المقبل لن تخرج بأفضل مما انتهت اليه سابقاتها الـ 44 اي عدم توافر النصاب لانعقادها وتالياً تمديد فترة الشغور في قصر بعبدا المستمر منذ 25 ايار 2014.
وتتركّز الأنظار في بيروت على 3 «جبهات» متشابكة من شأنها ان تحدّد الأفق الذي يتجه اليه لبنان المحكوم بمجريات الصراع الكبير في المنطقة.
الجبهة الاولى تتّصل بما بعد الجلسة 45 لانتخاب الرئيس وتحديداً لجهة رصْد «التحركات السباقة» التي سيقوم بها «التيار الوطني الحر» الذي يقوده العماد عون في إطار حلقة التصعيد المتدرّجة التي لوّح بها كورقة ضغط في السباق الرئاسي والتي مهّد لها بالتسبُّب بتعليق الحوار الوطني الذي كان يستضيفه رئيس البرلمان نبيه بري ومحاولة تعطيل الحكومة من خلال إعلان مقاطعة جلساتها، رافعاً شعار «الميثاقية» التي يعتبر انها تشكّل «ماسحة الألغام» لفتح الطريق امامه لدخول القصر الجمهوري.
واذا كان ثابتاً ان التيار العوني سيبدأ تحركه على الأرض بعد الـ «لا جلسة انتخاب» الجديدة من دون ان يتَّضح الشكل النهائي لهذا التحرك وسقفه و«بنك أهدافه»، فإن الأكيد ان «التيار الحر» لن يرمي كل أوراقه دفعة واحدة، بل يريد لتاريخ 28 ان يكون «أول الغيث» و«جرس إنذار» عملي في الطرق الى موعد 13 أكتوبر الذي يتعاطى معه «الجنرال» على انه لحظة «كسر الجرّة» بحال لم تحمل الفترة الفاصلة عنه اي تطور يفضي الى انتخابه رئيساً.
ويبدو جلياً ان عون يرمي من خلال حركته التصعيدية الى رفع منسوب الضغط على زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري والإيحاء بأن الأخير بات يملك «مفتاح» الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي بمجرّد ان يوافق على انتخابه، وسط تسريب أوساط غير بعيدة عن «التيار الحر» ان القنوات لم تنقطع بين الجانبين وان ثمة رهاناً ما زال قائماً على ان يتراجع الحريري عن ترشيح النائب سليمان فرنجية لمصلحة دعم عون، لاعتبارات ذات صلة بعدم قدرة زعيم «تيار المستقبل» على إدارة الظهر لتبلور أكثرية مسيحية مؤيدة لوصول «الجنرال» الى الرئاسة ناهيك عما يعتبرونه حاجة للحريري للعودة الى رئاسة الحكومة قبل الانتخابات النيابية.
وفيما كان الترقب لما اذا كان الحريري سيعود الى بيروت قبل جلسة 28 الجاري الانتخابية او بعدها، رأت اوساط سياسية عبر «الراي» ان امكانات تغيير الحريري موقفه من عون دونها تعقيدات داخلية وخارجية وحسابات تتصل بمجمل التداعيات السياسية لمثل هذا الخيار على صعيد وضعية لبنان في صراع النفوذ في المنطقة كما على صعيد الواقع الشعبي لزعيم «المستقبل» في بيئته.
وتشير الأوساط في هذا السياق الى التموْضع الاستراتيجي لعون في «تكامُلٍ وجودي» مع «حزب الله»، الذي انبرى في الفترة الأخيرة الى محاولة حشْر الحريري في زاوية انتخاب «الجنرال» كـ «أمر واقع مفروض»، فيما كان شريك الحزب في الثنائية الشيعية – بري – يجاهر بتقدُّمه صفوف التصدي لعون رئاسياً كما في مجمل اندفاعته السياسية وفي الشارع.
والجبهة الثانية ترتبط بالقرار الذي سيتخذه رئيس الحكومة تمام سلام العائد من نيويورك في ما خص الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء هذا الخميس، وسط عدم استبعاد حصول هذه الدعوة لـ «رفْع المسؤولية» عنه في ما خص التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي تنتهي خدمته في 30 الجاري.
ذلك ان وزير الدفاع سمير مقبل ينتظر جلسة حكومية ليطرح عليها أسماء لخلافة العماد قهوجي، وبحال لم يحصل اي اسم على الأكثرية المطلوبة، وهو الامر المحسوم نظراً الى اعتراض أطراف عدة على مبدأ تعيين قائد جديد للجيش في غياب رئيس الجمهورية، يكون وزير الدفاع امام خيار لا مفرّ منه بإصدار قرار التمديد في 29 الجاري.
وحتى لو غاب «حزب الله» مرة جديدة متضامناً مع عون، فالأرجح ان يتوافر النصاب الدستوري لانعقاد الجلسة التي قد يكون عدم الدعوة اليها محرجاً لرئيس الحكومة الذي يتفادى الظهور بمظهر المنصاع لإرادة شلّ حكومته التي تحوّلت أشبه بـ «كيس رمل» في المعركة الرئاسية.
ام الجبهة الثالثة فذات صلة بالجلسة المناخ الخارجي المحيط بلبنان والذي تبلور من اللقاءات التي انعقدت على هامش اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وأبرزها بين الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وكل من الرئيس الايراني حسن روحاني وولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف.
ذلك ان التقارير الواردة الى بيروت عن هذين اللقاءين خصوصاً أوحت بأن لا شيء جديداً في «الوجه الخارجي» للأزمة اللبنانية، حيث تتمسك طهران بمقاربة الاستحقاق الرئاسي من زاوية أنه شأن لبناني مع فتح نافذة على البحث فيه مع فرنسا، وسط شكوك في نيات ايران على هذا الصعيد وهي التي تتعاطى مع الورقة اللبنانية كواحدة من «أّذرعة النفوذ» في المنطقة ويصعب ان تساوم عليها من خارج تسوية رابحة لها، وهو ما ليس متوافراً حتى الساعة، او تسوية تحفظ لها حصّة وازنة من ضمن تفاهم اقليمي لا تغيب عنه السعودية، وهو ما لا يلوح في الأفق ايضاً.
أما الموقف السعودي، فبدا أكثر تركيزاً على أولوية الملف اليمني والتصدي للإرهاب، ما أوحى بأن الرياض المنهمكة بأزمات المنطقة الأكثر اشتعالاً لا تملك مبادرات محددة في شأن الأزمة اللبنانية التي لا تمانع حلّها من ضمن ديناميات داخلية.