كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
يدور جدلٌ واسع على الساحة اللبنانية حول كيفية إجراء الإنتخابات النيابية في ظلّ غياب رئيسٍ للجمهورية، أو إجرائها وفق قانون «الستين» الذي يرفضه المسيحيون، لكنّ منطقة البترون عموماً وتنورين كبرى بلداتها، خصوصاً، تجدان نفسَيهما غيرَ معنيّتين بكلّ تلك الإشكاليات بعدما فَتح إعلانُ النائب أنطوان زهرا عدم نيّته الترشّح إلى دورة جديدة البابَ على سيناريوهاتٍ عدّة.على رغم إنشغال أهالي تنورين بموسم التفاح الذي لم تُفتح أمامه البحار لتصديره بعد، لا تغيب عن الصالونات السياسية الأحاديث عن الإنتخابات النيابية المقبلة.
ويعلم الجميع أنّ إجراء الإنتخابات لم يُحسم بعد، لكنّ التحضيرات والحركة السياسية تدلّان على أنها حاصلة غداً: مرشحون يتسابقون على حجز مقاعد لهم مع الأحزاب والتيارات، إحصاءات وسيناريوهات عن كيفية سير المعركة في ظلّ الحديث عن تبدّل التحالفات وانفراط الحلف بين وزير الاتصالات بطرس حرب و»القوات اللبنانية».
تأخذ السياسةُ حيّزاً كبيراً من اهتمامات أهالي تنورين الذين يعتبرون «إنو ولا ليستا بتركب من دون مرشح من الضيعة». ففي السابق كان هناك الزعيم التاريخي في المنطقة النائب جان حرب، إضافة الى النائب الراحل مانويل يونس، ومنذ عام 1972 (باستثناء دورة 1992 التي قاطعها) يتربّع الوزير حرب على عرش الزعامة من دون أن تستطيع بقية المنافسين إزاحته.
البلدية والمحاسبة
شكّلت الإنتخابات البلدية الأخيرة في تنورين «بروفا» للإنتخابات النيابية، علماً أنّ البلدية تخرج عن إطارها الضيّق لتطاول كلّ المجتمع التنوري، خصوصاً أنّ علامات الرضى عن أداء البلدية الحالية ظاهرةٌ للجميع، لكنّ ما تتداوله الصالونات التنورية ويمكّن أن يفجّر أزمة داخلية إذا لم يعالج بالطريقة المناسبة، هو ما حصل قبل مدّة سبقت الإنتخابات البلدية، وتَمثّل بهدر أكثر من مليار ليرة لبنانية من صندوق البلدية، حيث يصف البعض هذا العمل كأنّ «غولاً دخل ونهب البلدية»، وهذا الرقم الخيالي يشبه قنبلة موقوتة قد تنفجر على رغم أنّ البلدية الحالية أوقفت معظم مزاريبه.
ويكشف أحد المطّلعين على الشأن البلدي أنّ «المبالغ وُزّعت كمساعدات على أشخاص معيّنين، وهناك معاشات تُصرف لأناس متوفين من دون مبرّر، إضافة الى شيكات لقاءَ أعمال داخل البلدة (حائط خاص مثلاً) لا وجود لها أصلاً، وتخمة في التوظيف وتعويضات على المحاسيب، وبات الجميع يطالب بتحرّك القضاء لكشف هذا الأمر وتبيان صحة كلّ تلك الإدعاءات وعدم ظلم أحد ومحاسبة مَن يجب محاسبتهم، خصوصاً أنّ مليار ليرة إن صحّ الكلام عن هدرها، كانت كفيلة بتحويل تنورين الى جنّة، فيما هي تفتقد اليوم الى برّاد تفاح وسط سؤال عن المبالغ التي صُرفت سابقاً».
استعدادات وأسماء
كلّ تلك الأمور تُرخي بظلالها على الأرض، فيما الإستعداداتُ للإنتخابات النيابية تجرى على قدم وساق، ودخلت عوامل عدّة على الخطّ لعلّ أبرزها، «اتفاق معراب» الذي بدّل موازين القوى على الأرض، وتوتر العلاقة بين «القوات» وحرب وإعلان زهرا مراراً وتكراراً أنه لن يترشح إلى النيابة مجدّداً، وهذا الأمر إن تمّ، يدفع «القوات» حكماً للبحث عن مرشّح جديد يكون حليف رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل إبن مدينة البترون.
إذا استمرَّ التحالف القواتي- العوني الى الانتخابات النيابية، فإنّ مقعد «القوات» سيكون من الجرد، وفي هذا الإطار تبرز أسماءٌ عدة لتحتلّ هذا المنصب، أوّلها هو رئيس مجلس إدارة مستشفى تنورين الدكتور وليد حرب المقرّب من معراب، والذي قاد المعركة البلدية في وجه الوزير حرب وكان ضابط إيقاع الحركة وحقّق أرقاماً جيدة نسبياً، وبات الرقم الصعب، فهو ينطلق من كونه ينتمي الى أكبر عائلة ما يجعله متقدِّماً، إضافة الى دعم بقية العائلات له، وحضوره في البلدات المجاورة وعلى صعيد القضاء، وهو الوحيد القادر على منافسة الوزير حرب داخل عائلته، وبالتالي يشكّل وليد حرب مكسباً إضافياً لـ»القوات» في الجرد.
ويبرز على الساحة أيضاً مرشحٌ ثانٍ هو الدكتور جورج مراد المقرَّب من عون، والذي إنسحب عام 2009 لصالح باسيل والمرشّح فايق يونس، وله حضوره داخل عائلته، لكنّ هناك أسئلة عدّة تُطرح عن إمكان إنضمامه الى كتلة «القوّات» أو بقائه الى جانب عون.
مع تقدّم موعد الإنتخابات تبرز أسماء وتتراجع أخرى، فقد أبلغ نبيل يونس، نجل النائب الراحل مانويل، منذ أيام معراب أنه لن يترشّح، في حين يُطرح إسم القيادي في «القوات» فادي مطر في الجرد، ويبقى الأمين العام المستقيل لحزب «القوات» فادي سعد مرشحاً دائماً، في حين أنّ اسمَ منسّق «القوات» السابق الدكتور شفيق نعمة، إبن بلدة شكّا، حتى ولو يعلن أنه مرشح، يبقى خياراً متاحاً نظراً الى الحركة التي أحدثها عندما استلم المنسّقية والشعبية التي يتمتع بها. لكنّ كلّ تلك الأسماء تبقى رهن التحالفات والتوزيع المناطقي، إذ لا يمكن أن تُخاض المعركة بمرشحين من الجرد أو الساحل.
حرب و«الكتائب»
من جهته، يبقى الوزير حرب الرقم الصعب في المعادلة البترونية، والذي صمد أطول فترة على رغم كلّ التحدّيات، وإزاحته من المعادلة ليست أمراً سهلاً نظراً الى الحيثيّة التي يتمتّع بها وتاريخ الخدمات الطويل الذي يمتدّ لأجيال.
وإذا بقيت الجرة مكسورة مع «القوات»، فإنّ التحالف قد يقع مع النائب سامر سعادة الذي ترشّح عام 2009 في طرابلس عن المقعد الماروني الذي هو حقّ لأبناء البترون، وفي حال تمّ الحلف، يكون التاريخ قد أعاد نفسه، حيث تحالف الوزير حرب عام 1972 في تجربته النيابية الأولى، مع رئيس حزب الكتائب الراحل الوزير جورج سعادة، والد سامر، ونجحا سويّاً.
أسماء كثيرة تخرج الى العلن، واللائحة تطول، وهناك شخصيات بارزة، مثل القيادي في تيار «المردة» وضاح الشاعر، إبن تنورين، الذي دعم لائحة حرب البلدية على رغم أنّ «المردة» فقدوا حليفهم في الساحل، باسيل، بعد المعركة الرئاسية وتوتر العلاقات.
في حين لن يترشح رئيس بلدية تنورين بهاء حرب الى النيابية وهو الذي نافس الوزير حرب في انتخابات 1996، فيما يملك نائب رئيس بلدية تنورين الحالي سامي يوسف كلّ المؤهلات التي تجعله يخوض غمار الإنتخابات.
بين الأمس واليوم، أمور كثيرة تغيّرت، فتنورين وجوارها المحسوبان تاريخياً على التيار الشمعوني، باتا منقسمين بين الوزير حرب و»القوات» فيما الوسط والساحل اللذان كانا ذات ثقل كتائبي، أصبح يتقاسم نفوذهما «التيار الوطني الحرّ» و»القوات اللبنانية» و»الكتائب» و»المردة» وحرب، لكنّ هناك رأياً عاماً مستقلّاً في المنطقة يميل الى خطّ اليمين المسيحي، فمَن سينتخب وسط هذه المتغيّرات؟