نظمت “حركة الارض” مؤتمرا عن موضوع “بيع الاراضي” في قضاء زغرتا، برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي ممثلا براعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، في دير مار يعقوب في بلدة كرمسده قضاء زغرتا، شارك فيه المطران بولس اميل سعاده، رئيس “حركة الارض” طلال الدويهي، رئيس “حركة الاستقلال” ميشال معوض، رئيس التنظيم المدني في لبنان ممثلا برئيس مركز التنظيم في زغرتا ايلي ملحم، نائب رئيس الرابطة المارونية المحامي توفيق معوض، مديرة المؤسسة المارونية للانتشار هيام البستاني ورئيس مؤسسة لابورا الاب طوني خضرا.
كما حضر رئيس اتحاد بلديات قضاء زغرتا زعني خير، ورؤساء بلديات: (علما) ايلي عبيد، (رشعين) الدكتور مروان العلماوي، (ارده) المهندس حبيب لطوف، (عشاش) خريستو نفاع، (كفردلاقوس) باخوس نكد، (مجدليا) كريستوفر ذكرى وعدد من مخاتير القرى والبلدات في زغرتا الزاوية.
واعلن نائب رئيس “حركة الارض” الصحافي بيار عطا الله انه “كانت لنا جولة مع الاستاذ طلال الدويهي ولقاءات في عدة مناطق لبنانية كانت محاورها عمليات بيع الارض وقضمها، وما اود قوله ان لبنان هو مساحات حرية لكل “العايشين” فيه، وان عمليات بيع الاراضي هي هاجس كل الطوائف خصوصا المسيحية في لبنان، كذلك عمليات تهجير المسيحيين كما حصل في بلدة حواره في قضاء الضنية، التي تم تهجير اهلها ليصبحوا حارة في زغرتا، بعدما خسروا خمسة وعشرين مليون مترا مربعا من ارضهم، وتم طي الملف الى غير رجعة”، مؤكدا “ان مطالبتنا بعدم بيع الاراضي مستمر في كل وقت وكل ساعة حيث الطمع مسيطر”.
وعدد عطالله عدة نماذج في عدة اقضية شمالية عن تملك الاراضي وبيعها، وقال: “المطلوب خلق مبادرات شجاعة وان لا نخاف”.
اما رئيس “حركة الاستقلالط ميشال معوض فقال في كلمته: “ان مواجهة ومعالجة اي معضلة تبدأ بالحوار والمؤتمرات التي تعمل على توعية الناس، وان موضوع الارض في غاية الاهمية، وهي ليست عملية بيع وشراء، او عملية فردية على مساحات صغيرة، انما هي اكبر بكثير من ذلك هي عملية الارض والهوية، وهي مشكلة على مستوى كل لبنان وتتعلق بالعيش المشترك وبالشراكة، ولكن مقاربة لهذا الموضوع من قضاء زغرتا، ان قوة هذا القضاء تنبثق من ثابتين: الاولى انها عرين للموارنة حتى اليوم، والثانية ان هذا القضاء هو في صلب التفاعل مع بيئته الشمالية وان العلاقة الاسلامية المسيحية عمودها زغرتا الزاوية وطرابلس عاصمة الشمال. وهاتان النقطتان تشكلان قوة وجودنا في هذه المنطقة، وهما اليوم تواجهان تحديات لتغيير جغرافية ارضنا، والنزوح السوري المتعلق بالهوية، والتحدي الاخر هو مشكلة الهجرة. وان هذه التحديات يجب ان نواجهها برفضنا ومقاومتنا لذوبان هويتنا المارونية، ومن جهة ثانية عدم التراجع عن دورنا بالتفاعل مع محيطنا الشمالي والا نتقوقع وان نكون فاعلين في هذا المحيط”.
وقال معوض: “ان مقاربة هذه المشاكل لا تحل بمبادرات فردية فقط، هناك فرصة تاريخية في قضائنا لاننا وضعنا على جنب كل خلافاتنا كي نستطيع ان نحافظ على هويتنا ورسالتنا، وان الركيزة الاساسية هي البلديات واتحاد البلديات، من هنا اود ان اتوجه الى رؤساء البلديات اننا الى جانبكم في هذا الموضوع، ولدينا الاليات القانونية التي تساعدنا في ذلك ونحن نحضر مع بلدية زغرتا اهدن دراسة لمخطط توجيهي كامل لكل قضاء زغرتا، للحفاظ على هوية هذا القضاء، وتفعيل الدور الاقتصادي بين القضاء ومحيطه”.
وختم: “نحن في موضوع الحفاظ على قضائنا سنكون يدا واحدة، كذلك البلديات عليها مسؤوليات جمة، ونحن واياكم سنعمل سويا للمحافظة على هذا القضاء”.
كلمة التنظيم المدني القاها مدير مركز زغرتا ايلي ملحم الذي شرح آلية عمل التنظيم المدني الذي “يعطي تراخيص للبناء، وتسوية مخالفات، ووضع اشارات وغيرها، لكن هناك دور للتنظيم تستطيع البلديات الاستفادة منه وهو ان تعيد النظر في التصميم العام للمنطقة، وتخطيطات طرق وساحات عامة، ومناطق ضم وفرز، وهو امر سهل على البلديات القيام به وهو أمر مجاني ولا يكلف البلدية اي مبالغ مالية، يكفي فقط اجتماع المجلس البلدي وأخذ قرار وضع المنطقة قيد الدرس، يرفع الى التنظيم المدني ليبدأ العمل بهذا القرار”.
وتابع ملحم: “كذلك هناك عمليات وضع بعض المناطق في البلدة تحت الضم والفرز، خصوصا اذا كانت هذه المنطقة تضم عقارات واراض اصحابها اختفوا او هاجروا او فقدوا منذ سنوات طويلة، وهذا المشروع لا يكلف البلديات اي مبالغ مالية”.
ثم كانت كلمة المؤسسة اللبنانية للانتشار ألقتها مديرة المؤسسة هيام بستاني التي اشارت الى “الاعداد المخيفة التي اظهرتها الدراسات لانخفاض عدد المسيحيين، بسبب الهجرة الكبيرة التي شهدها قضاء زغرتا ومحافظتي الشمال، وعكار”، وقالت: “اكتشفنا كم ان هناك منتشرين في العالم لا يعرفون لبنان وهم لبنانيون، وقد استطعنا استصدار قانون من مجلس النواب لتوسيع عملية الاستحصال على الجنسية، من بين المهاجرين. وحاليا المسيحيون يمثلون فقط 34% من السجلات الشخصية في النفوس، وهذا ما يستطيع المخاتير تأكيده. وان نسبة الشباب تحت الخامسة والعشرين، في لبنان هي 25% وهذا اكبر خطر على لبنان، من هنا نوجه صرخة من القلب ونداء الى كل المخاتير للتواصل معنا لاعطاء عناوين المهاجرين كي يتم التواصل معهم وحثهم على التسجيل”.
وختمت “نحن بحاجة الى تسجيل بحدود 200 الف شخص حتى نصل الى حدود الـ 40% ، صحيح اننا نعمل على المحافظة على الارض، ولكن في الوقت عينه يجب العمل على تسجيل المغتربين”.
بعد ذلك، تحدث نائب رئيس الرابطة المارونية المحامي توفيق معوض فقال: “اذا كان قدر المسيحيين ان يتعايشوا مع الاخرين بمحبة وانفتاح وكرامة وحرية ومساواة، غير ان انتفاخ البلدات والقرى بالعديد من غير ابنائها، قد يخلق خليطا غير متجانس. ان الاختلاط العشوائي قد يحول القرى الى فسيفساء من الابنية، حيث يتجاور الناس دون اندماجهم، مما قد يكون سببا في المستقبل لتوترات اجتماعية او حتى طائفية بين المقيمين في بقعة معينة”.
اضاف: “انا لا ادعو للانفراد بمعنى عدم قبول بيع الافراد من منطقة اخرى شقة او قطعة ارض صغيرة، ولكني حتما ادعو الى التنبه من مخاطر البيوعات العقارية المتوسطة والكبيرة، حيث يمكن ان تنشأ مجمعات سكنية. فالمجالس البلدية مدعوة للتشدد في هذا الامر، وعدم الرضوخ لمطالب من هنا وهناك تؤدي الى زيادة في عامل الاستثمار تأمينا لمصلحة خاصة، او سعيا وراء كسب مادي، او كذلك السماح بالتراخيص للمساحات المبنية الواسعة تبعا لضغط معين او منفعة شخصية”.
واشار المطران بولس اميل سعاده الى “الكلام الكثير الذي يقال دائما حول مسألة بيع الاراضي، ولكن لم يتحدث احد عن أي عملية او اجراء لبيع الاراضي”، مؤكدا “دور المخاتير ورؤساء البلديات الايجابي والسلبي في عمليات بيع الارض”.
وأعطى المطران سعاده عدة امثال عن عائلات باعت ارضها واخرى تم اعادتها الى ارض كانت قد باعتها في السابق، وشكر “حركة الارض” التي تعمل على توعية الناس عن هذا الموضوع”، معتبرا “ان عملية بيع الارض هي خيانة عظمى”.
من جهته، اعلن رئيس حركة الارض الدويهي ان “ما اود قوله في هذا اللقاء هو لبلدات ساحل قضاء زغرتا. فالواقع الذي نحن عليه اليوم في هذا الساحل لا يبشر بالخير، خصوصا اذا اردنا ان نكمل في هذا الاستهتار من قبل كل القوى، وعلى رأسهم المسؤولين في الدولة اللبنانية”. واعتبر “ان عمليات البيع الحاصلة مبرمجة ومدروسة، وهناك مؤامرة تحاك ضد قرى ساحل قضاء زغرتا. ومن هنا ادعو رؤساء البلديات للعمل قدر المستطاع للحد من هذه الظاهرة”.
ولفت رئيس مؤسسة “لابورا” الاب خضرا في كلمته الى “الحضور القوي في قلب السلطة عبر موظفين اقوياء، للمحافظة على وجودنا في الدولة، الذي بدوره يعزز وجودنا على الارض”. وقال: “اذا استمرينا في انسحابنا خارج الدولة، فسوف نخسر الانماء، ونحن بدورنا ندعو الى عدم بيع الاراضي، وتسجيل المسيحيين في لبنان”.
اخيرا، كانت كلمة ممثل راعي الاحتفال المطران بو جوده قال فيها: “شرفني صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، فكلفني ان امثله في هذا المؤتمر، المخصص لدراسة موضوع “بيع الاراضي” في هذه المنطقة الساحلية من قضاء زغرتا، الذي تقيمه “حركة الارض” بدعوة من رئيسها الاستاذ طلال الدويهي، في هذا الدير، المركز الاول لابرشية طرابلس المارونية على تلة مار يعقوب، والذي بدأ ببنائه المطران بولس موسى كساب. وقد توالى على رئاسته عدد من الاساقفة كان من بينهم المطران انطون بطرس عريضه قبل انتخابه بطريركا والذي عرف بحبه للارض وباهتمامه بها، اذ انه لم يكتف بالحفاظ عليها هنا في كرمسده وضواحيها بل وسع اطار ممتلكاتها حتى وصل الى طرابلس واشترى مركزا للمطرانية المارونية حيث بنيت في ما بعد كنيسة مار مارون وحيث بنيت في منطقة الزاهرية كاتدرائية الملاك ميخائيل في المنطقة التي تعرف بشارع الكنائس”.
واضاف: “في ضواحي المطرانية، أتى المطران عريضه بعدد من ابناء الجبل، وأمن لهم الاراضي ليبنوا منازل سكنوا فيها، فتحولت منطقة التل الى حي مسيحي بامتياز، وصار امتدادا لمنطقة الزاهرية ذات الاكثرية المسيحية، وحيث وجدت عدة مدارس كاثوليكية كالفرير والاباء الكرمليين وراهبات المحبة، لم يبق منها، الى اليوم، الا مدرسة الاباء الكرمليين مع كنيستها مار الياس، كاتدرائية الطائفة اللاتينية، ومعظم الاراضي في المنطقة بيعت، لسوء الحظ، وفقدت المنطقة طابعها المميز.اما في منطقة قضاء زغرتا الساحلية، فقد بدأ الكثيرون ببيع الاراضي، على اثر الحروب المتعاقبة في طرابلس والتي اجبرت المسلمين والعلويين الى هجر المدينة للانتقال الى الضواحي المسيحية مثل علما، مجدليا، ارده، وفي المنطقة المجاورة من الكورة وبصورة خاصة في راس مسقا، وضهر العين، وبرسا وغيرها”.
وقال: “ان منطقة مجدليا مثلا، كانت تمتد الى حدود مصفاة طرابلس في البداوي، وكانت معظم خزانات البترول لشركة نفط العراق الـ IPC تقع في خراجها، فاقتطعت منها منطقة العيرونية، التي اصبحت بلدة وفيها مجلس بلدي قائم، وقسم من منطقة الفوار، وفي منطقة الكورة الساحلية، هناك منطقة البحصاص، حيث كانت توجد معامل عريضة ونجم وغيرها من المصانع والمعامل، وكانت لا تزال تابعة لرعية كاتدرائية الملاك مخائيل”.
وتابع: “لقاؤنا اليوم يندرج في هذا الاطار، لمحاولة معالجة هذا الامر، محافظة في الوقت عينه على الاراضي، وعلى العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، كي لا تصبح المنطقة ذات طابع واحد، يجهل فيها الناس بعضهم بعضا، وتصبح طرابلس قلعة للمسلمين فقط، وكأنه لا وجود للمسيحيين فيها، وكأنهم فئة ثانية من المواطنين يعتبرون كأنهم أهل ذمة مقبولين فيها لا يحق لهم حتى الوصول الى عضوية المجلس البلدي، كما حصل في الانتخابات الاخيرة، والمعروف ان هناك محاولات تجري لسحب المقعد الماروني فيها لضمه الى قضاء اخر”.
وأعلن بو جوده “ان دراسة موضوع بيع الاراضي في ساحل قضاء زغرتا وساحل قضاء الكورة يذكرني بحادثة يرويها الكتاب المقدس في سفر الملوك الاول، الفصل الحادي والعشرين، عن شخص اسمه نابوت فضل الموت على التخلي عن ارضه رغم كل الاغراءات والتهديدات التي تعرض لها من قبل الملك اخاب وزوجته ايزابيل. يقول المجمع البطريركي الماروني في النص الثالث والعشرين بعنوان الكنيسة المارونية والارض ما يلي:الارض قيمة ايمانية عند المسيحيين عامة وعند الموارنة خاصة، نابعة من ايمانهم بالتجسد، وذاكرتهم الجماعية تدرك اهمية التراكم الحضاري والتاريخي على ارضهم، فالارض في نظرهم ارث وليست رزقا للمتاجرة به، ولا ملكا للتصرف فيه بهوى، من هنا كان همهم تسليم الارض ـ الامانة كاملة الى الاجيال الاتية بعدهم من دون تبديل او استبدال: “معاذ الله ان ابيعك ميراث ابائي” (1ملوك / من واحد الى عشرين) قال نابوت للملك احاد فالحفاظ على الارض هو حفاظ على الهوية والحفاظ على الهوية هو حفاظ على الكيان والديمومة. (834)”.
وأردف: “ما نحن مدعوون للتأمل والتفكير فيه اليوم، هو ما ورد في مقدمة هذا النص الثالث والعشرين عدد واحد الذي يقول: ان المجمع الماروني، اذ يعالج موضوع الارض، يتوخى ان يلفت الانتباه الى ما للارض من قيمة، داعيا الموارنة الى ان يعوا بعمق تلك الحقيقة، ويحبوا الارض التي عاش عليها الاباء والاجداد، وانتقلت الينا ارثا ماديا وروحيا، هذا الارث التي تكونت من خلاله وعليه الهوية المارونية معرض اليوم الى مزيد من الذوبان والتناقص بسبب عوامل عديدة، وهذا ما يعرض الهوية المارونية نفسها الى الخلل وفقدان التمايز التاريخي والروحي. فاذا ربح الماروني العالم كله وخسر الارض التي تكونت فيها هويته التاريخية يكون قد خسر نفسه. والموارنة، وان انتشروا في جميع اصقاع العالم، وحصلوا فيه على التقدم والرقي والبحبوحة والحرية، واسهموا في نمو الارض التي يقيمون عليها يبقون بحاجة الى الارض التي تجسد هويتهم الخاصة، والتي تربطهم بتاريخم العريق، تاريخ قداسة وصراع من اجل البقاء والشهادة على الايمان والقيم الانسانية التي تكونت لديهم من خلال خبرة تاريخ طويل”.
وختم: “على هذا الاساس، وباسم صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الكلي الطوبى، ندعو الى ان يكون هذا المؤتمر، بداية للقاءات اخرى، تتناول الواقع الحالي، وما يثير من قلق ومخاوف، فنسعى الى وضع استراتيجية تمكننا من الحفاظ على الارض وعلى حسن استثمارها، علنا بذلك نستطيع ان نبدأ مرحلة عمل واقعي، لمعالجة هذا الموضوع، ولا نكتفي فيه بالبكاء على الاطلال”.
وفي الختام، تحدث رؤساء البلديات والمخاتير، فعرض كل رئيس بلدية ومختار وجهة نظره بشأن المسالة المطروحة، على ان تصدر في وقت لاحق توصيات المؤتمر.