Site icon IMLebanon

الدستور إن حكى عن “الميثاقية”

fpm-michel-aoun

كتب جورج الحايك في صحيفة “الجمهورية”:

حملة «التيار الوطني الحر» للمطالبة بالميثاقية مستمرة بل آيلة إلى التصعيد، والجدل القانوني والدستوري مستمر ايضاً. تتعدّد الأسئلة: هل طرأ خللٌ على الشراكة الإسلاميّة – المسيحيّة؟ وماذا يقول الدستوريون والقانونيون في هذا الشأن؟معيارُ «الميثاقيّة» في لبنان أصبح ملتبساً نتيجة الاستخدام السياسي له، لذلك كان لا بد من العودة إلى الدستور وروحه للبحث عن الحقيقة وعن المفهوم الصحيح للميثاقيّة لا تفسيرها وفق الأهواء السياسية والطموحات الشخصيّة.

تُجمع المراجع الدستورية والقانونية التي استطلعنا رأيها على أنّ تعريف كلمة ميثاقية غير موجود في الدستور ولا نصّ يقول ما هو ميثاقي أو غير ميثاقي، إنما تكون الميثاقيّة محترَمة من خلال تطبيق ما تفاهم وتوافق عليه اللبنانيون في الدستور البعض منه مكتوب والبعض الآخر شفهي وبات عرفاً.

وقد سبق أن حصل تفاهمٌ وتوافقٌ شامل عبر إقرار دستور 1926 بعد إعلان دولة لبنان الكبير، تلاه التفاهم على ما جاء في صيغة 1943 وأخيراً توافق وتفاهم على «اتفاق الطائف» عام 1989.

من جهة أخرى، هناك ما يُسمّى روح الميثاق في الدستور ويعني ذلك احترام التوازن الطائفي الذي تكرّس بالعرف أي أن يكون رئيسُ الجمهورية مارونيّاً ورئيسُ مجلس الوزراء سنّياً ورئيسُ مجلس النواب شيعياً، وتوزيع المقاعد النيابية وفق القواعد الآتية: بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، وأن يكون عدد النواب في المجلس النيابي مناصفة بين المسيحيين والمسلمين.

كذلك يراعى روح الميثاق من خلال احترام التوازن الطائفي في مجلس الوزراء ولا شك في أنّ روح الميثاقيّة مؤمّنة من خلال حرص الدستور على وضع شرط توافر ثلثي أعضاء مجلس الوزراء في التصويت على موضوعات أساسية وهي: حال الطوارئ وإلغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة، الاتفاقات والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، الخطط الإنمائية الشاملة والطويلة المدى، تعيين موظفي الفئة الأولى وما يعادلها، إعادة النظر في التقسيم الإداري، حلّ مجلس النواب، قانون الانتخابات، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية، إقالة الوزراء.

فأين يكمن الخلل في مفهوم الميثاقية التي يتحدث عنها «التيار الوطني الحر»؟

إذا قارنّا بين ما يندرج في الدستور وما يطالب به «التيار الوطني الحر» نلاحظ الآتي:

يعتبر «التيار» في موضوع رئاسة الجمهورية أنه يحظى بالأكثرية المسيحيّة المؤيّدة للعماد ميشال عون كمرشح لرئاسة الجمهورية نتيجة تحالفه مع «القوات اللبنانية»، إلّا أن لا شيء في الدستور يُلزم المسلمين بإحترام هذه القاعدة طالما هم يؤيّدون مرشحاً مارونياً آخر ويراعون بذلك مبدأ الميثاقية، فالرئيس هو حاكم البلد ومن حق كلّ المكوّنات اللبنانية اختياره.

بالنسبة لمجلس الوزراء، يقول «التيار الوطني الحر» إنّ الميثاقية مفقودة من خلال غياب وزرائه وغياب الأحزاب المسيحية الأخرى القوية التمثيل مثل «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، لكنّ وزراء مسيحيين آخرين حاضرون ويؤمّنون مبدأ الميثاقية وهم بطرس حرب وأليس شبطيني وسجعان قزي وروني عريجي وميشال فرعون وسمير مقبل ورمزي جريج ونبيل دو فريج. ولا يذكر الدستور قوّة التمثيل أو ضعفه لتأمين شرط الميثاقية في مجلس الوزراء.

أما في قانون الانتخابات النيابية، فلا تعتبر المراجع القانونية أنّ الشريك في الوطن يمسّ مفهوم الميثاقية في الدستور طالما يراعي المناصفة، لكنّ بعضها يشدّد على أنه يمكن لـ«لتيار الوطني الحر» أن يعترض سياسياً من خلال إعتبار القانون المطروح سيّئاً طالما لا يؤمّن التمثيل الصحيح، لكن لا يجوز أن يخرج عن السياسة الوطنيّة والتمترس خلف شعار الميثاقية والضرب على الوتر الطائفي.

ويرى بعض رجال القانون أنّ اعتراض «التيار الوطني الحر» هو نوع من الإنذار لخللٍ ما في الحياة السياسية اللبنانية، وصولاً إلى طرح موضوع الميثاقية انطلاقاً من اعتباراتٍ سياسية، وهم يعتبرون أنّ الميثاقية ليست شرطاً لتفاهم المكوّنات الطائفية فقط إنما ايضاً لتفاهم المكوّنات السياسية، وإذا تراجع حضور القوى السياسية إلى أقل من الثلثين في مجلس الوزراء لا يعود يمكنه التصويت على الموضوعات الجوهرية والأساسية.

يوافق مرجع قانوني آخر على بند الثلثين الذي يجب أن يتأمّن في مجلس الوزراء للتصويت على الموضوعات الأساسية والكبرى لكنه لا يشترط وجود غالبيّة المكوّنات السياسية لتكون الأمور ميثاقيّة ويعتبر هذا التفسير سياسياً لا دستورياً قانونياً ويكتفي بالقول إنّ الالتزام بالدستور يعني الالتزام بالميثاقية من خلال التوازن بين الطوائف أي بتأليف الحكومة والمناصفة في المجلس النيابي، وليس منطقياً أن يربط كلّ فريق مسألة الميثاقية بمصالحه الشخصية.